الذنب ذنبنا والعيب فينا.. قفوا إنكم لمسؤولون
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري.
دعونا نكون صريحين مع أنفسنا ونفتّح عيوننا وبصائرنا عن آخرها لنقف على أن كل ما نعانيه اليوم في بلاد الحجاز من قمع وتمييز وإنتهاك لأبسط الحقوق المشروعة الى جانب الإنحطاط الخلقي والديني والتخبط في الأمور وفي معاناتنا لحياة كريمة، سببها غفلتنا عن ديننا القيم وعن تاريخنا العريق حتى أضحينا كما قال الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "أشقى الرعاة من شقيت به رعيته وأسعد الرعاة من سعدت به رعيته"؛ وإذا ما أردنا ترجمته على واقعنا الحاضر في بلاد الحرمين الشريفين، لاكتشفنا أننا لسنا أشقياء فحسب، بل تعساء الى أبعد الحدود، لسكوتنا على رعاتنا ومسؤولينا الذين هم السبب في كل ما نعانيه ونقاسيه من أوضاع وظروف يعجز كل واحد منا عن وصفها، كونها وصلت به الى حدود المعاناة، بدلاً من أن نكون معنيين بالإشراف على المسؤولين في إدارتهم لشؤون البلاد والعباد.
يحكى أن إبنة "هولاكو" زعيم التتر والمغول كانت تطوف في بغداد فرأت جمعاً من الناس يلتفـون على رجل منهم، فسألت عنه… فإذا هو عالم من علماء المسلمين، فأمرت بإحضاره، فلما مثل بين يديها سألته: ألستم المؤمنين بالله؟ قال: بلى.. قالت: ألا تزعمون أن الله يؤيد بنصره من يشاء؟ قال: بلى.. قالت: ألم ينصرنا الله عليكم؟ قال: بلى.. قالت: أفلا يعني ذلك أننا أحب إلى الله منكم ؟ قال: لا.. قالت: لم؟! قال: ألا تعرفين راعي الغنم ؟ قالت: بلى.. قال: ألا يكون مع قطيعه بعض الكلاب؟ قالت: بلى.. قال: ما يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامه، وخرجت عن سلطانه؟ قالت: يرسل عليها كلابه لتعيدها الى سلطانه.. قال: كم تستمر في مطاردة الخراف؟ قالت: ما دامت شاردة.. قال: فأنتم أيها التتار كلاب الله في أرضه وطالما بقينا شاردين عن منهج الله وطاعته فستبقون وراءنا حتى نعود إليه جل وعلا.
كما كنا بالأمس فهو حالنا اليوم وسنظل كذلك يسلط الله عزوجل علينا الكلاب حتى نجتمع على كلمته ونتمسك بحبله من جديد، ونفيق من سباتنا ونعي ما يدور من حولنا وكيف تحكم السلطة قبضة سيفها على رقابنا، تلك السلطة التي أطنبت في الخداع والنفاق، وأستشرهت في نهب البلد وتجويع الناس وتكبير المديونية وتعميم الفساد في الشارع السعودي المحافظ بزعم الترفيه والتطور ناهيك عما تعانيه مؤسسات الدولة وإداراتها، حتى طاول الماء والهواء والدواء والغذاء والكهرباء و... وصفقات مع راعي البقر لحاميتها من غضبنا وإنتفاضتنا فيما لا يزال الكثير الكثير منا يطلب النور من أهل العتمة، والعدالة من ممتهني الظلم والقهر والبطش والقمع، والحرية من عشاق السلطة والتسلط وتقطيع إجساد الأحرار بمناشير الغدر أو بسيف الحرابة.
بعبارة مختصرة: نحن في بلد تتحكم فيه أقلية لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، فيما الآخرون مجرد أعداد على ورق. هذا هو الواقع السياسي، وهذا هو حال الدولة المنهوبة، وكل من يقول العكس فهو يخادع، ويضلل نفسه والناس باتوا يعرفون كل شيء، لكنهم عاجزين خوفاً ورهباً عن الإفصاح بذلك أو محاربته منذ البداية وحتى يومنا هذا، وما أن ينبري عالم أو ناشط أو مفكر للتصدي لهذه الأمور يهرب الغالبية من حوله ويدعونه فريسة للسلطة الظالمة الكافرة بحقائق الدين المبين، حتى يقدم خيرة شبابنا وعلمائنا ومفكرينا ودعاتنا قرباناً لسلطان فاجر فاسق يعيث بالدين الخراب بمساعدة المؤسسة الدينية التي باعت دينها بدراهم الدنيا وزخرفها.
"يتنزّل البلاء على الناس على شكلين أو صنفين: مؤمنٌ كمُل إيمانه، ومتهاونٌ متساهلٌ في شرائع ربّه وطاعته".. فنزول البلاء على المؤمن يكون لأجل رفعة منزلته، وعلوّ درجاته عند الله تعالى، وهذا ما ذكره النبيّ صلوات الله وسلامه عليه في أحاديث نبوية شريفة؛ فيما نزول البلاء على أهل المعاصي والتهاون في الطاعات، المتساهلين في إتيان الحرام، المطلقين ألسنتهم في اتّهام الناس في أعراضهم، هؤلاء يتنزّل عليهم البلاء لأسبابٍ كثيرةٍ، يُذكر منها: الاستخفاف بالذنوب ومداومة إتيانها؛ المجاهرة بالمحرّمات؛ ظلم الناس وأكل حقوقهم والاعتداء عليهم؛ قطيعة الرحم وعقوق الوالدين؛ تعيير المسلمين وإظهار الشماتة بهم؛ نصرة أهل الفساد، وإعتياد أكل الحرام، تعد من أسباب نزول البلاء على الناس.نعود مرة اخرى لأوضاعنا التي نعيشها في أغنى بلاد العالم ثروة وعقيدة وقدسية، ونحن نطأطأ رؤوسنا للحلكم المستبد الذي يتجاهل أبسط حقوق المواطنة ويدفعنا نحو العبودية والإستحمار، والفسق والفجور والتحلل الخلقي.. حيث نرى كيف يهرع شبابنا وشاباتنا ودون خجل أو وجل أو إستحياء نحو منصات الرقص الماجن والمختلط، والسكر وإطلاق صرخات العهر والدعارة في سماء بلاد الحرمين الشريفين بعد أن كانت تتعالى فيها أصوات تلاوة آيات الذكر الحكيم وتناغم تراتيل القرآن الكريم ونجوى دعوات المؤمنين.. ثم ندعو فلا يستجاب لنا لأننا هم السبب في ذلك حيث لقمة الحرام والسكوت على الظلم ومناصرة الظالم وإستخفافنا بذنوبنا وما يرتكبه أبناؤنا و...
يروى إن رجلأً بخيلأً أساء الأدب العام فخيره قاضي المدينة بين ثلاث عقوبات غرامة مالية 200 دينار أو عشرين صفعة على الوجه أو أكل خمسين قرنا من الفلفل الهندي الحار.. الرجل البخيل لا طاقة له على دفع الغرامة ونحيف لا يتحمل الصفع فاختار عقوبة أكل الفلفل، وعندما أكل القرن العاشر كاد ان يصاب بذبحة قلبية فطلب من القاضي ابدال العقوبة بعقوبة الصفع، فرحب القاضي بطلبه ومن الصفعة الخامسة بيد الجلاد المكتنزة وقع على الأرض فاضطر الى دفع الغرامة ليذهب بعدها إلى المستشفى مفلساً محروراً مصفوعاً.
هي حكايتنا منذ أن تسلطت أسرة آل سعود على رقابنا ومقدراتنا، فدعنا لها كل ما نملك من أرض وأعراض ليكفوا عنا الأذى حين كانوا يغزوننا بدعم الاستعمار البريطاني الخبيث.. ورضخنا لسياطهم وأضحينا عبيداً لهم لا نتجرأ بهمس شفاه للتعبير عن سخطنا ورفضنا لما تؤول اليه البلاد.. ثم قدمنا كل ثروات البلاد التي منّ الله بها علينا دون غيرنا على طبق الذل والخنوع والخضوع لأقذر الناس وأكثرهم إجراماً ودموية وإنحطاطاً خلقياً، ونفاقاً وخيانة للدين والوطنية والقومية وقضايا الأمة، مهرولين للعيش من وراء قضبان السجن الكبير الذي شيدوه على أكتافنا وبدماء خيرة أبناء جلدتنا ونحن لا زلنا نلتزم الصمت المطبق خوفاً على أعناقاً من أن تطالها سيوف حرابة آل سعود؛ ونكون بذلك قد تلقينا الصفعات على وجه كرامتنا، وتجرعنا مرارة الظلم والقمع والإضطهاد والتمييز، ولا زلنا نسلم أمرنا بيد سفهائنا ليجلدوننا بالثلاث مرة اخرى؛ متجاهلين ومتناسين أن هناك حساب وكتاب وعقاب.. "قفوا أنكم لمسؤولون".
وختاماً، يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي:
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا ** وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ** وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ** ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
نقله أبن قتيبة الدينوري في "عيون الأخبار" (ص 232)، وفي "ديوان الشافعي" (ص 106)، وابن البنا في "الرسالة المغنية" (ص41)، ورواه البيهقي في "الزهد" (233) بسنده عن محمد بن شادل الهاشمي، ونسبه الزركلي في "الأعلام" (7/20) للصاحب أبن لنكك وغيرهم.
ارسال التعليق