النظام السعودي والتدرج في عملية التطبيع مع العدو الصهيوني!!
[عبد العزيز المكي]
مما بات واضحاً لدى المراقبين والمتابعين للشأن السعودي، هو ان بن سلمان لم يقطع التواصل مع العدو الصهيوني، فالتعاون العسكري والأمني والمخابراتي، وعلى الصعد الأخرى مثل الاقتصادي والسياحي.. كل أنواع هذا التعاون ونشاطاته جارية على قدم وساق بين الطرفين.. وفيها يلوذ النظام السعودي بالسكوت الرسمي، أو حتى الانكار في بعض الأحيان لهذا التعاون، فأن الاوساط الاعلامية وحتى بعض الاوساط السياسية الأمريكية والغربية تتولى تغطية هذه الأنواع من النشاطات، الى جانب ماتقوم به في السياق ذاته بعض المصادر الإعلامية الصهيونية، فبين الحين والآخر تطل عليها تلك الأوساط مبرزة أو مشيرة الى بعض اشكال التعاون السعودي مع العدو سراً، ومما سربته في هذا الاطار، في الأيام الأخيرة ما يلي:-
1- التعاون العسكري:
في هذا الأطار، كشف موقع “strategy page” الأمريكي للشؤون العسكرية في 28/12/2021 عن مفاوضات سرية بين ولي لعهد وزير الدفاع محمد بن سلمان ووزارة الحرب بكيان العدو " الإسرائيلي" لإبرام صفقة عسكرية. وقال الموقع ان بن سلمان يجري مفاوضات بهدوء مع الصهاينة للحصول على بعض أنظمة الدفاع الجوي الصهيونية المصنعة للتعامل مع الطائرات بدون طيار، أي الطائرات المسيرة. كما أوضح الموقع ان بن سلمان أظهر اهتماماً بنظام " مقلاع داوود " الجديد، لتعزيز نظام الدفاع السعودي في مواجهة هجمات أنصار الله.
2- في 30/12/2021.. كشف موقع " أنور تيفي الأسباني" ان النظام السعودي يستخدم جيش العدو الصهيوني لتصعيد الهجمات الأخيرة على اليمن.. اذا استأجر خبراء عسكريين صهاينة لإدارة غرف عملياته في الحرب ضد اليمن.. وقال الموقع ان السعوديين يستخدمون الآن نفس الأساليب الصهيونية في قصف المدنيين بالادعاء أنها مراكز تخزين أسلحة ومعكسرات، بينما هي في الواقع بيوت ومساكن عوائل يمنية فقيرة.. وأضاف الموقع ان ما يعزز هذه الفرضية هو ان النظام السعودي أرسل مؤخراً، على نحو لم يسبق له مثيل منذ سبعة أعوام ،منشورات ورسائل تحذيرية، ونشر دعاية مضللة، لمهاجمة الأحياء السكنية والأعيان المدنية في العاصمة صنعاء، كما فعل الكيان " الاسرائيلي" في عدوانه على لبنان وغزة...
3- قالت شبكة السي ان ان الأمريكية في 31/12/2021 ان وزيري الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، و" الاسرائيلي" يائير لابيد، شاركا قبل أسبوع، في لقاء إفتراضي استضافتهُ وزارة الخارجية الأمريكية حول متحور " اوميكرون" لفيروس الكورونا! وعلقت الشبكة الأمريكية على اللقاء بأنه حالة نادرة يشارك فيها " البلدان" اللذان لاتربطهما علاقات دبلوماسية رسمية في نفس المكالمة.
هذا غيض من فيض المعلومات والأخبار التي تسربها الاوساط الصحفية والسياسية الأمريكية والغربية عن نشاطات التعاون العسكري والأمني، وفي مختلف المجالات الأخرى بين النظام السعودي والعدو الصهيوني، واللافت انه في هذه المرحلة، اقتصر التسريب ونشر هذا التعاون على الأوساط الإعلامية الأمريكية والغربية، أما الأوساط الصهيونية فلا تتعرض الى تلك النشاطات الّا لماما، بعكس ما كان في عهد رئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو، فمكتبه يشارك بنفسه بفعالية في الأخبار عن التعاون بين الطرفين وتطور مستوى العلاقة الحميمة بينهما باستمرار وبصورة مضطردة ان مكتب رئيس الوزراء نتنياهو هو الذي سارع إلى إفشاء لقاء بن سلمان مع نتنياهو في مدينة نيوم في السنة الماضية، والذي سارعت الاوساط السعودية إلى نفية تخلصاً من الأحراج، وذلك ما أزعج- اي إفشاء اللقاء- السلطات السعودية الى حد كبير، ويبدو ان القيادة الصهيونية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت، أقل ثرثرة من سابقتها وأكثر حرصاً منها على كتمان ما يجري وراء الكواليس بين الرياض وتل أبيب من تعاون أمني وعسكري.و... وذلك ما بات يثير التساؤلات الدائمة، لماذا لا يعلن بن سلمان علاقاته الرسمية بعد ما فاق تعاونه وتواصله وعلاقاته الحميمة مع " أشقائه" الصهاينة، ماله من تلك العلاقة المماثلة مع أقرب حليف له، مثل الولايات المتحدة، أو حتى دول الخليج مثل الكويت أو قطر أو حتى الأمارات!؟
و في الحقيقة هناك عدة أسباب تقف عائقاً أو عوائق امام اعلان التطبيع الرسمي السعودي مع العدو منها ما يلي:-
1- ان النظام السعودي يدرك ان اعلانه التطبيع، وكما أوضحنا هذا الأمر، في مقالة سابقة سيتسبب في ارتدادات خطيرة على النظام السعودي برمته، لأن مثل هذا الأمر لا تتحمله الأمة نظراً لاحتضان مملكة آل سعود الحرمين الشريفين مكة والمدينة المنورة، ولأن المملكة بحكم هذا الاحتضان تشكل ثقل " العالم الاسلامي السني" و" قائدته" كما يدعي آل سعود، ولذلك فالنظام السعودي إتبع نظرية التدرج في المراحل في الاعلان عن العلاقات والتعاون الخفي بينه وبين احبائه في تل أبيب لأن مثل هذا التعاون كان قائماً منذ قيام هذين الكيانين بواسطة النظام البريطاني الاستعماري في بدايات القرن العشرين.. فالمرحلة الأولى تمثلت باللقاءات العلنية التي قادها تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق وسفير المملكة في واشنطن ولندن السابق أيضاً ولسنوات طويلة، وكذلك الضابط المتقاعد في المخابرات السعودية، والمستشار الأمني السابق لتركي الفيصل، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية السعودي في جدة، حالياً، الجنرال أنور عشقي، فهذان الشخصان وبتوجيه من بن سلمان قاما بلقاءات علنية متعددة مع المسؤولين الصهاينة في واشنطن وفي عواصم غربية ومن ثم عربية وأخيراً في مدن فلسطينية!! اقترنت هذه اللقاءات بتصريحات من المسؤولين السعوديين غير الرسميين تركي وعشقي مطرية ومادحة للمسؤولين الصهاينة، ومباركة التطبيع والتعاون معهم، كانت هذه المرحلة الاولى والتي استمرت عدة أشهر، يتحدث عنها الأعلام السعودي ضرورة التطبيع مع العدو وخلق المبررات لهذا التطبيع وهو " الخطر الايراني" لدول الخليج!! حيث انبرى قطيع كامل من الكتاب والصحفيين السعوديين بينهم تركي الحمد وعبد الحميد الغبين، وحتى من بين دعاة الوهابية، كالعريفي والكلباني وغيرهم.. انبرى هذا القطيع للترويج للتطبيع مع العدو وتزويقه و" عرضه على انه إنجاز"!! وانضم لهم كتاب وصحفيون صهاينة للتزمير على ذات الوتر مع اضافة مبرر آخر والتهويل فيه وهو ان " الشيعة يريدون القضاء على السنة"!! وان التحالف مع العدو هو للحفاظ على الكيان السني!! وما الى ذلك من المقولات السخيفة التي كان يثيرها الاعلام الصهيوني ويروج لها في بعض الأحيان عدد من الكتاب السعوديين أيضاً!!
و قد شهدنا في تلك المرحلة كيف ان موقع ايلاف الذي يديره الكاتب السعودي المعروف بقربه من البلاط عثمان العمير، اجرى مقابلة مع وزير الأمن الصهيوني، ثم توالت اللقاءات في صحف سعودية، وكتابات لمقالات لتركي الفيصل وأنورعشقي ثم كتاب آخرين في صحف صهيونية مثل صحيفة هاآرتيز ويدعوت احرونوت وغيرهما من الصحف الصهيونية!!
و بعد هذه المرحلة جاءت المرحلة الثالثة التي تولت فيها الصحف الغربية فضح وبيان صفقات التعاون الأمني والعسكري بين الطرفين، حيث بين الحين والآخر تتحدث عن عمق هذا التعاون من مثل الاستعانة السعودية بالتقنيات الالكترونية الصهيونية في التجسس على المعارضين السعوديين وعلى الرؤساء والوزراء والمسؤولين في دول مجاورة أو بعيدة، مثل تقنية بيغاسوس الصهيونية، ومن الاستعانة بالاسلحة وبالخبراء الصهاينة في الحرب على الشعب اليمني، و مثل منح العدو الأذن في اقامة قواعد عسكرية له في تبوك وجزيرة سقطري اليمنية المحتلة.. وهكذا فالقائمة تطول ولا حصر لها !!
كل ذلك من أجل تهيئة الرأي العام الاسلامي والعربي، وخاصة الرأي العام داخل مملكة آل سعود، لتقبل هذا التعاون وبالتالي التمهيد للاعلان عنه رسمياً، بمعنى ان هذا التدرج في تلك المراحل هو عملية تدجين للرأي العام، ولكن عملية التدجين بنظر بن سلمان وآل سعود لم تصل الحدود التي يمكن لبن سلمان أن يمرر الاعلان عن هذا التعاون العريق مع العدو، رسمياً، ولذلك فهو يعترض في كثير من الأحيان على استعجال النظام الصهيوني في ضرورة اتخاذ النظام السعودي هذه الخطوة والاعلان عنها بشكل رسمي وذلك نظراً للظروف الضاغطة والمهددة له، بينما يعتقد الكيان الصهيوني ان اعلان بن سلمان رسمياً التعاون معه، يمنحه الفرصة لإطالة عمره ووقايته أيضاً من بعض الأخطار المحدقة به، في الوقت الذي ييسر له مؤامراته على الأمة، اكثر مما تبقى العلاقة في طي الكتمان ومن وراء الكواليس.
2- العامل الآخر والمهم بنظري الذي يجعل بن سلمان متردداً في الاعلان الرسمي عن حلفه الواقعي والخفي مع العدو الصهيوني هو عدم حسم صعوده العرش، فالاميركان، كما أشرنا في مقالات سابقة، لم يحسموا أمرهم بعد لصالح بن سلمان في تولي عرش المملكة بعد موت سلمان الملك الحالي، فمازالت هناك معارضة قوية وشديدة لتولي بن سلمان في صفوف الكونغرس الأمريكي، كما ان جهاز السي آي أي أيضاً يعارض توليه. صحيح ان الصهاينة يدعمونه ودائما يضغطون على إدارات البيت الأبيض " ترامب، وبايدن حالياً" بهذا الاتجاه، لكن مازالت المعارضة الأمريكية من الاوساط المذكورة تقلق بن سلمان، فأن أقدم على مثل هذه الخطوة، فلربما يشكل قيام الأمة وردات فعلها تجاهها اي تجاه اعلان التطبيع الرسمي مع العدو، مبرراً إضافياً لتلك الاوساط الامريكية في منعه من الوصول الى العرش..
هذا من جانب، ومن جانب آخر، ان الوضع الداخلي في المملكة لم يحسم بشكل كامل لصالح بن سلمان، فاذا تركنا القاعدة العريضة المعارضة لكل نظام آل سعود، فأن مؤيدي واتباع هذا النظام منقسمون على انفسهم، بل الانقسام غارت جذوره حتى في أعماق جسم العائلة السعودية الحاكمة وهذه القضية باتت واضحة للعيان وليس تحليلاً أبداً، ولذلك فأن بن سلمان يتخوف من احتمالات توظيف المعارضين له داخل أسرة آل سعود، وداخل صفوف اتباع النظام من مؤيدي الأمراء الآخرين، ردات فعل الأمة داخل المملكة وخارجها إزاء اعلان رسمية التطبيع، للانقضاض عليه وازاحته أو حتى قتله.
3- صحيح ان بن سلمان يعتقد انه نجح في أساليبه، التي أشرنا الى بعضها قبل قليل في تدجين الأمة بدليل سكوتها على مضض على مايبدو على مايقوم به بن سلمان من تعاون وتنسيق أمني وعسكري ضد مصالح الأمة الاسلامية وقيمها وحضارتها ومقدساتها الإسلامية.. وصحيح ان اشقائه الصهاينة وأسياده الأميركان يصورون له الأمر وكأن الأمة نتيجة هذا التدجين ونتيجة إنشغالاتها بجراحاتها وهمومها الداخلية التي أوجدها بالأساس هؤلاء الأسياد والأشقاء، وباستخدام الأنظمة العملية في المنطقة كأدوات في ذلك وعلى رأسها النظام السعودي نفسه، صحيح كل ذلك وغيره....لكن ما أقترفه بن سلمان من جرائم ومن موبقات داخلياً وخارجياً جعلت الأمة والشعب خاصة في المملكة، يغليان من الداخل، كالمرجل ينتظر من يحركهُ أو يرفع درجة حرارته لينفجر بوجه بن سلمان، فهذا الأخير يدرك جيداً انه في الوقت الذي يشن العدوان الظالم على الشعب اليمني، ويقترف الجرائم ويرتكب أبشع المذابح ويدمر البنى التحتية ويهدم وبشكل يومي مئات المنازل والأحياء على أهلها في المدن اليمنية.. في هذا الوقت الذي يرتكب فيه العسف والاجرام بحق الشعب اليمني المسلم والعربي، ويقيم أو يعلن رسمياً الحلف مع الصهاينة، الذين يقتلون ويعذبون بل يتفنون في قتلهم وتعذيبهم للشعب الفلسطيني، وكذلك قمعهم اليومي لهذا الشعب الذي يستغيث العرب لنصرته.. فذلك سيشكل استفزازاً صارخاً للأمة بلا شك، والذي سيدفع حتى الذين يجلسون في الدائرة الرمادية من هذه الأمة الى التحرك والقصاص من هذا العميل الصهيوني، وهو ما سيكون عاملاً حاسماً ليس لحرمانه- اي بن سلمان- من الوصول الى العرش فحسب، بل ويمكن أن نظام آل سعود خادم الصهيونية والامبريالية الأمريكية الغربية، منذ النشوء وحتى اليوم في المنطقة، سوف يُقَلع من الجذور، وتُطهر أرض الحرمين الشريفين من دنسه لها.
على ان من المؤكد جداً، انه اذا ظلت الأمة، وكذلك مفكروها وكتابها ومثقفوها، ساكنين، ولم يستنكروا ويفضحوا ما يقوم به هذا الصعلوك السلماني في تسخير مقدرات الأمة في المملكة من نفط ومعادن وثروات وعمق جغرافي ومن قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية في خدمة الكيان الصهيوني، وتمكين الأخير، أو محاولة تمكينه من احرار الأمة، وتسهيل عملية استهدافه لمقدسات الأمة الاسلامية وقواها المقاومة وحضارتها... نقول اذا استمر هذا السكوت دون مواجهة ولو بالكلمة والبيان وعقد المؤتمرات وما الى ذلك من النشاطات الفاضحة للسياسة السعودية، فأن بن سلمان سيطور ويوسع من تعاونه وتنسيقه مع العدو الصهيوني ضد مقدرات الأمة، ويقدم على خطوات خطيرة في هذا السياق لايستطيع الاقدام عليها قبل هذا الوقت!
عبد العزيز المكيِ
ارسال التعليق