مسلسل "العاصوف" تاريخ أم تشويه؟!
[ادارة الموقع]
هادي الأحسائي
ينتظر المشاهدون العرب في كل رمضان طرح عدد من المسلسلات الجديدة والتي يطلق عليها اصطلاحا "المسلسلات الرمضانية"، وفي كل عام يأخذ عمل أو ثلاثة أعمال بالكثير دائرة الضوء ويكتسحون نسب المشاهدة في الوطن العربي، في مقابل ذلك تمنع بعض المسلسلات من العرض لأسباب سياسية او غيرها بينما يثير بعضها الآخر الجدل كما هو الحال هذا العام بالنسبة لمسلسل "العاصوف" .
قصة المسلسل
تدور أحداث المسلسل حول التغيرات التي شهدتها البلاد خلال فترة سبعينات القرن الماضي من تحولات فكرية ومجتمعية ودينية، بالإضافة إلى الفكر السائد لدى العامة من الشعب في تلك الفترة، وطريقة التعاملات التجارية والحياتية.
خلال هذه الفترة ظهر ما يعرف باسم "تيار الصحوة الدينية" (المحارب حاليا من قبل ولي العهد) وبدأ ينشط بالتزامن مع مجموعة المتغيرات التي شهدها الداخل والخارج .
والمسلسل مأخوذ من رواية الكاتب السعودي الراحل عبد الرحمن الوايلي "بيوت من تراب"، وهو من إخراج السوري المثنى صبح، وبطولة عبدالله السناني وحبيب الحبيب وريم عبد الله وحمد المزيني وشمعة محمد ومها زين، ومن سوريا فادي صبيح ومديحة كنيفاتي.
الانتقادات
في الحقيقة تعد مرحلة السبعينات حساسة جدا في تاريخ المملكة نظرا للطفرة الاقتصادية التي حدثت في تلك الفترة والتي تبعها طفرات أخرى على المستوى الاجتماعي والديني والثقافي، وتختلف الآراء كثيرا بين المواطنين حول المرحلة التي سبقت السبعينات والمرحلة التي تلتها، فهناك شريحة تدّعي بأن المرحلة التي سبقت السبعينات كانت أبسط ولم تكن تشهد كل هذا التطرف الديني الذي شهدته المملكة فيما بعد، ويعتقد هؤلاء بأن السعودية كانت بلد منفتح على الجميع.
يتفق بن سلمان إلى حد بعيد مع هذا الطرح وتحدث مرارا على أن البلاد لم تكن متشددة قبل العام 1979 وانتشار الصحوة الإسلامية، متعهدا بإعادة السعودية إلى الوضع ما قبل 1979، وإلى الإسلام الوسطي، ولا نعلم إلى أي درجة دعم الأمير الشاب مسلسل "العاصوف" الذي يسوق أفكاره إلى حد ما، خاصةً أنه يسعى لسحق "حركة الصحوة" التي شهدتها المملكة في ثمانينيات القرن الماضي، والتي غيرت الوجه الحقيقي للمجتمع السعودي على حد وصف إحدى الصحف الخليجية.
معلومات عن حركة "الصحوة"
خرجت هذه الحركة الدينية إلى دائرة الضوء في أواخر الثمانينات "هذا يتعارض مع كلام بن سلمان بأن البلاد كانت منفتحة حتى أواخر السبعينات ولم يكن فيها تطرف" ومن أبرز وجوه هذه الحركة إعلاميا، سلمان العودة وعائض وعوض القرني " جميعهم سجنوا تباعا وحوصروا فيما بعد وعندما جاء بن سلمان قام بإقصائهم بكل السبل الممكنة".
رموز هذا التيار دخلوا في صراع مع السلطة الدينية والسياسية منذ الثمانينات، وكانوا يظهرون على العلن عدائهم لجميع القوات الأجنبية التي تطأ ارض الحجاز وانتقدوا بشكل كبير من على منابرهم تعاون بلادهم مع الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الثانية 1991م.
وبعد أن قامت السلطات السعودية بمحاصرتهم مرارا ومنعت شيوخهم من التحركات وإلقاء الخطب، وأودعت بعضهم السجون، بدأ هؤلاء بتبني منهج مختلف وتخلوا عن مجابهة الدولة بشكل مباشر، وبدأوا يغيرون في خطابهم الديني ويعملون على التقريب بين الشباب السلفي والنظام السعودي، وبعد احداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وما تلاها من حرب على الإرهاب، هوجمت الصحوة بشكل هستيري لحفظ ماء وجه المملكة التي اتهمت علانية بانها منبع لتصدير الإرهاب والإرهابيين، لذلك بدأ العديد من كبار الحركة بالخروج علانية وإعلان "التوبة" من الصحوة، لكونها اعتبرت حينها أنها مصدرا للفكر المتطرف وبذور الإرهاب.بالطبع لا ننسى ان نذكر أن الشيخ عائض القرني قد التحق بالنظام قبل ان يفرج عنه واصبح بوقا له في حين ابتعد الشيخ سفر الحوالي عن الساحة السياسية والاجتماعية ولم يصبح له اي صوت في هذا المجال.
بالعودة إلى ما يتعلق بالجدال حول المسلسل والمرحلة التي يتحدث عنها والتي تلتها، كنا قد تحدثنا عن مناصري فكرة أن المملكة كانت تشهد انفتاحا في تلك الفترة وأنها لم تكن تحمل فكرا متطرفا، هذا الكلام جيد وربما يكون مقبول الى حد ما، لكن في المقابل كانت المملكة أرضا لنشاط هذا الفكر، ولمن لا يعلم فقد احتوت السعودية في تلك الفترة قياديي وعناصر حركة الإخوان المسلمين الهاربين من مصر وسوريا، ووجد الجيل الدعوي الجديد الطريق مفتوحا في المدارس والجامعات وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة، ودعمت السعودية حركة "الصحوة" في بداياتها كرد فعل على نجاح الثورة في ايران.
منتقدو المسلسل
لا يوافق منتقدو مسلسل "العاصوف" محمد بن سلمان بأن تلك المرحلة كانت بالشكل الذي صورها المسلسل، ويعتقد هؤلاء بأنه يجسد المرأة السعودية في صورة مسيئة، كما أنه يلقي باللوم في انتشار التشدد الديني على الخارج وذلك من خلال شخصية الجارة السورية صاحبة الآراء المتشددة مقابل المجتمع المنفتح.
وانتشار الكثير من الهاشتاغات التي عارض مغردوها أفكار المسلسل وجاءت تحت وسوم مثل #ماكنّا_كذا تصدر قائمة التغريد العالمي بعد ساعات قليلة على عرض الحلقة، و#العاصوف وأخرها حمل اسم #العاصوف_تاريخ_ام_تشويه، وهاجم المغردون المسلسل كونه يعرض مشاهد يعتبرها السعوديون "تجنّيا على آبائهم وأجدادهم والقيم المجتمعية الإسلامية في البلاد، فضلا عن ترويجها لانطباعات سيئة للغاية عن المجتمع السعودي في تلك الحقبة الزمنية".
في مقابل ذلك أفادت مواقع إعلامية أن المسلسل يسعى إلى إظهار الصورة الحقيقية للسعوديين قبل ما يعرف بـ "الصحوة الدينية"، التي فرضت سطوة رجال الدين على الحياة الاجتماعية في البلاد.
ومن خلال تباين الآراء حول المسلسل بين مؤيد ومعارض يبقى ولي العهد تائها في كيفية تمرير أفكاره في ظل مجتمع لعب فيه رجال الدين دورا كبيرا بنشر أفكار متطرفة عن الإسلام ولم يكن ذلك خلال عام او اثنين بل استمر لعقود من الزمن، فهل سيتمكن بن سلمان من حل هذه المعضلة المجتمعية خلال عامين؟!.
ارسال التعليق