إدارة ترامب وراء طيش ورعونة ابن سلمان
ذهب الكاتبان ستيفين سايمون ودانييل بنجامين إلى القول أن “رعونة محمد بن سلمان سببها تحريض إدارة ترامب، والتي طالما تفاخرت بعلاقتها مع هذا الشاب الحاكم الفعلي للمملكة”.
وأضاف الكاتبان الأمريكيان في مقال لهما نشرته مجلة “ذي نيويورك بوك ريفيو” أن إدارة ترامب تتجنب انتقاد بن سلمان على ما يصدر عنه من “بلايا”، وأن البيت الأبيض يشرف بنفسه على إدارة العلاقة الأمريكية السعودية، تماما كما هو الحال مع إدارة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وتابع الكاتبان: لذلك لم يحصل أن أخذت القيادة السعودية ذات يوم على محمل الجد لا الكونغرس الأمريكي ولا وزارة الخارجية الأمريكية، وظلت باستمرار تسعى خلف الارتباط المباشر بالرئيس نفسه، وعلى مدى أربعة وسبعين عاماً مضت على تشكلها، أظهرت العلاقة بين واشنطن والرياض ثباتا واستمرارية، ولعل من أسباب ثباتها هو تجنب الزعماء الأمريكيين انتقاد السياسات السعودية، وخاصة في حقوق الإنسان. وكانت المرة الوحيدة التي ضغط فيها زعيم أمريكي لإحداث تغييرات داخلية في عام 1962، عندما تجاوب ولي العهد آنذاك الأمير فيصل مع إلحاح كينيدي فأدخل إصلاحات على القضاء ووفر الرعاية الصحية والتعليم المجانيين وألغى الرق. وما لبثت محطة المخابرات الأمريكية في الرياض تمارس درجة عالية من الضبط والتحكم بما يجري من تعاملات مع المملكة وذلك للحيلولة دون حدوث تدخلات دبلوماسية غير مرغوب بها. وكثيراً ما كان يتردد بأوساط صناع السياسة وضباط المخابرات الأمريكيين أنه فيما عدا كوريا الشمالية لا يوجد بلد يضاهي السعودية بانعدام الشفافية. أما اليوم، فلربما بدأ هذا الانسجام الذي عمر طويلاً بالانهيار نتيجة وصول محمد بن سلمان لرأس السلطة. لقد أعرب زعماء الكونغرس من الحزبين عن سخطهم تجاه ولي العهد بسبب دوره بجريمة قتل الصحافي المقيم في أمريكا جمال خاشقجي في إسطنبول، وبسبب أفعال سيئة أخرى له كالتدخل السعودي بحرب وحشية داخل اليمن الذي تسبب بكارثة إنسانية هي الأشد وطأة في العالم.
وتتنامى رعونة ابن سلمان، كما بات يُعرف، بفضل تحريض من إدارة ترامب التي طالما تفاخرت بعلاقتها الخاصة مع هذا الطائش. في نفس الوقت تجنبت إدارة ترامب انتقاده على ما يصدر عنه من بلايا. في هذه الأثناء يصطف الديمقراطيون الذين يتنافسون على الفوز بترشيح حزبهم لخوض انتخابات الرئاسة عام 2020 لرؤية من هو أعلاهم صوتاً بانتقاد السعودية، ولعله مما زاد في سخط الديمقراطيين شكهم في أن موالاة الرئيس للسعوديين وامتناعه عن توجيه أي نقد إليهم مرجعه تطلعه إلى الإثراء الشخصي من العلاقة معهم - وهو تخمين معقول إذا ما أخذنا بالاعتبار تعود السعوديين على حجز طوابق بأكملها بفندقه الكائن في واشنطن عندما تأتي وفودهم. وبينما يقترب تحالف الأمر الواقع من ذكراه السنوية الخامسة والسبعين، تساءل بعض صناع السياسة وعلمائها في واشنطن حول ما إذا بقي لهذا التحالف من معنى بالنسبة لواشنطن. وحتى بعد هجمات سبتمبر التي كان غالبية منفذيها من السعوديين استمرت واشنطن بالتعامل مع السعوديين بأسلوب يراعي حساسية العلاقات معهم، فبينما كان البلدان يستهدفان الإرهابيين، لم يصدر عن واشنطن الكثير فيما يخص المنظمات غير الحكومية الكثيرة في السعودية التي كانت تنشر رؤيتها للإسلام المتشدد حول العالم. ومع ذلك التزمت واشنطن الصمت تجاه ما يرتكب من انتهاكات لحقوق الإنسان - بما في ذلك تعذيب وسوء معاملة من ينتقدون الحكومة، وتنفيذ العقوبات القاسية بحق العمال الأجانب، وقطع الرؤوس الجماعي، سواء بحق “الإرهابيين” أو المجرمين العاديين.
ثم تزعزع الاستقرار عام 2015 إثر وفاة الملك عبدالله، عندما خلفه الملك سلمان، إلا أن الملك الجديد وابنه المدلل، محمد، ما لبثا سريعاً أن تحللا من قيد التقليد المتوارث. وفي يناير 2015 نُصب وزيراً للدفاع مباشرة بعد تولي سلمان الحكم ثم عُين نائباً لولي العهد. وبعد أقل من شهرين، زج ابن سلمان بقوات التحالف الذي تقوده السعودية بحملة عسكرية ضد الحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء. إلا أن توقعاته بحرب قصيرة ومجيدة ما لبثت أن تبخرت ولكن لم يكن ذلك الأمر هو الشيء الوحيد الذي استجد. وبدأ الديوان الملكي السعودي سريعاً في القيام بجهد غير مسبوق لمركزة السلطة، وذلك من خلال إلغاء العديد من الكيانات الحكومية التي كان يقوم عليها كبار الأمراء واستبدالها بلجان من التكنوقراط الموالين لابن سلمان. ولذلك أعلن ابن سلمان عام 2016 عن “رؤية 2030، وهي خطة شاملة لتحديث وتنويع الاقتصاد السعودي، في البداية منحت ابن سلمان بريقاً حقيقياً، حيث استُقبل بحفاوة بالغة خلال زيارته لواشنطن في إبريل 2018 إلا أن هذا البريق تلاشى سريعا، وذلك بعد أن بدا جلياً أن فكرة إصلاح ابن سلمان استندت على رؤية للسياسة الصينية التي تدفع باتجاه تحقيق نمو اقتصادي وتضييق الحريات السياسية. وكان ابن سلمان يرى أن الإصلاحات ينبغي أن تأتي بمنحة من التاج ولا تنتزع انتزاعاً، ومن هنا جاء القرار بسجن النساء اللواتي ناضلن للحصول على حق قيادة السيارات وتخفيف القيود التي تفرضها “قوانين الولاية”، وهي نفس الإجراءات التي أقرها ابن سلمان وأمر بإنفاذها. كما شهدت المملكة ارتفاعاً كبيراً بوتيرة الإعدامات، وينتظر أن ينفذ المزيد منها بحق عدد من كبار علماء أهل السنة والذين رغم تعرضهم للسجن بسبب معارضتهم للسياسات الملكية كان ينظر إليهم باعتبارهم من المشاهير الذين لا ينبغي أن يعاملوا بقسوة فائقة بسبب شهرتهم.
ارسال التعليق