إعدام العلماء يهدد أركان السلطة في السعودية
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن سعي السعودية لتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة من العلماء البارزين، يُشكل اختباراً حقيقياً لبنية السلطة في المملكة. وقالت الصحيفة إن المعتقلين يعتبرون من أشهر الشخصيات الدينية السُنّية في السعودية وأكثرهم شعبية، وهم الدعاة سلمان العودة - الذي يحظى بمتابعة قياسية في تويتر “أكثر 14 مليون متابع” - وعوض القرني وعلي العمري.
وأفادت الصحيفة - نقلاً عن نشطاء حقوقيين - أن الدعاة اعتقلوا قبل عام تقريباً لعدم تأييدهم العلني لحملة الضغط التي تمارسها الحكومة السعودية ضد قطر. لكن مسؤولاً سعودياً بارزاً نفى أن يكونوا قد اعتقلوا بسبب آرائهم السياسية، مؤكداً للصحيفة أنه “لا يتم التحقيق مع أي شخص في السعودية بسبب آرائه السياسية.. اعتقال هؤلاء الأفراد وغيرهم يتماشى مع حرص المملكة على مكافحة التطرف الذي يعاني منه العالم ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله”. وذكرت “وول ستريت جورنال” أن ولي العهد ووالده الملك قاما باحتجاز نشطاء ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين، كجزء من جهودهما لإعادة تشكيل المجتمع والاقتصاد السعودي. لكن العلماء السعوديين يشكلون منذ فترة طويلة قوة في حد ذاتها، بفضل شهرتهم ونفوذهم الذي يتجاوز نفوذ كل من اعتقلوا في حملات القمع الأخيرة. وتعد هذه الملاحقات القضائية من بين “أخطر الجهود” التي بذلها ابن سلمان لتعزيز سلطته منذ يونيو 2017، عندما قام بإبعاد ولي العهد محمد بن نايف واستأثر هو بولاية العهد. وترى الصحيفة أن التحرك ضد العلماء في السعودية قد يحوّل الرأي العام في المملكة على حكامها ويقوي معارضيهم من داخل العائلة المالكة. فقد ظل آل سعود العائلة الحاكمة في البلاد لأكثر من ثمانية عقود، من خلال تحالف مع أئمة وعلماء.
حيث أتاحت هذه الشراكة قيادة مستقرة إلى حد كبير وأسفرت عن واحدة من أكثر المجتمعات الدينية محافظة في العالم بحسب الصحيفة، وهو مجتمع يتمتع فيه رجال الدين بتأثير كبير على الرأي العام. وترى الصحيفة أن النظام في السعودية يسعى إلى إعادة تشكيل البلاد من خلال الملاحقات القضائية، حيث يسعى المدعون العامون إلى فرض عقوبة الإعدام على العديد من النشطاء، كما لا يزال عشرات من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين معتقلين بتهم لم يكشف عنها، بعد عشرة أشهر من بدء حملة قيل إنها موجهة لمحاربة الفساد. وقد يتسبب التحرك ضد رجال الدين في تحويل الرأي العام ضد حكام المملكة، مع تقوية عناصر العائلة المالكة التي تعارض الفصيل الحالي في السلطة. ويقول “علي الشهابي”، مؤسس المؤسسة العربية، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن تدعم الحكومة السعودية في الغالب، إن دفع ولي العهد رجال الدين للمثول أمام القضاء يعني “ أن القواعد قد تغيرت الآن”. وقال “الشهابي” إنه يشك في أن الحكومة ستتابع ذلك وتنفذ حكم الإعدام بحق رجال الدين. ويواجه “العودة” 37 تهمة جنائية، بما في ذلك نشر الفتنة والتحريض ضد الحاكم، والنشاط في جماعة “الإخوان المسلمون”، حسبما قال نجله، في حين أشار المسؤول السعودي البارز إلى عضوية “العودة” في الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، والذي قال إنه له صلات بتنظيم “القاعدة” وجماعة “الإخوان”، على حد زعمه. ووصف “عبدالله العودة”، وهو زميل بارز في جامعة جورج تاون، الاتهامات بحق والده بالعبثية، قائلاً: “ليس لديهم أي قواعد، لقد كسروا كل تقاليد السلطة والدين والسياسة والثقافة، وكل شيء في البلاد، لذلك نحن لا نعرف ما هو قادم”. وتم سجن الناشطات اللاتي قمن بحملات من أجل حق المرأة في القيادة والحريات الأخرى، بينما لا يزال العشرات من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين معتقلين بتهم لم يكشف عنها، بعد 10 أشهر من بدء حملة لمكافحة الفساد.
وقال ناشطون حقوقيون إن رجال الدين قد حُكم عليهم بأثر رجعي بسبب انتمائهم إلى منظمات لم تكن محظورة في وقت اعتقالهم. ويواجه “العمري” 30 تهمة تتعلق بالإرهاب، بما في ذلك مزاعم تشكيل منظمة إرهابية للشباب، بحسب ناشطين حقوقيين، ولم تكن هناك إمكانية للوصول إلى عائلة “العمري” أو الممثلين القانونيين له للتعليق. ووفقاً لناشطين في مجال حقوق الإنسان، فإن “القرني” متهم بدعم جماعة “الإخوان المسلمون” وجماعات أخرى في المملكة تم تصنيفها كمنظمات إرهابية. كما أنه متهم بجرائم إثارة الفتنة العلنية، والتآمر ضد زعماء المملكة، والتعاطف مع المعتقلين في القضايا الأمنية. واحتجت جماعات حقوق الإنسان على طريقة معاملة رجال الدين، وقال “آدم كوغل”، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: “الكل في السعودية معرض للاتهام بالتطرف إذا اتبعت الحكومة نهج سجن الناس بسبب آرائهم السياسية”. كما تجرى محاكمة 15 شخصاً سعودياً آخرين على الأقل في قضايا غير علنية في المحكمة الجنائية المتخصصة، التي تنظر في قضايا الأمن القومي والإرهاب، ويطالب المدعون العموم بعقوبات تصل للسجن لمدة 20 عاماً، وأكثر من 100 مليون دولار من الغرامات، وفقاً للناشطين الحقوقيين والمسؤول السعودي.
ارسال التعليق