أمانة التعاون الخليجي خانت القدس
مثلما غابت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي عن الخلاف الخليجي وحصار قطر، غابت أيضا عن ملف القدس بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى مدينة القدس. ويبدو أن التمسك بعربية وإسلامية القدس لدى الأمانة العامة للمجلس، وأمينه العام عبداللطيف الزياني، تظهر فقط على أوراق ومحاضر الأمانة.
وفي الوقت الذي تشتعل فيه شوارع العالمين العربي والإسلامي بعد قرار ترامب، لم ينطق الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني بكلمة واحدة تدين القرار الأمريكي، وهو ما يؤكد شكوك المراقبين بأنه تلقى أوامر من الرياض بالصمت في ملف القدس، وعدم اتخاذ أي موقف بشأنه.
ومن الواضح أن السلطات السعودية تستكمل سياسة تكميم الأفواه، وما يؤكد ذلك أن أحداث القدس قد غابت أيضا عن خطبة الجمعة الماضية في المسجد الحرام والمسجد النبوي وكافة مساجد المملكة العربية السعودية، على خلاف مساجد العالم العربي والإسلامي. كما أن هناك مصادر سعودية كشفت بأن الديوان الملكي السعودي أصدر تعليمات مشددة لجميع وسائل الإعلام تقضي بعدم التركيز على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بأن القدس عاصمة لإسرائيل، والتركيز على برامج أخرى غير سياسية.
موقف مستهجن
وقبل أيام أعلنت صحيفة الواشنطن بوست أن الرياض كانت على علم بالقرار، وأن السلطات السعودية استدعت محمود عباس أبو مازن في الرياض قبل صدور القرار بأيام قليلة، لتخبره بأنه يجب أن يختار مدينة أبو ديس كعاصمة بديلة للدولة الفلسطينية. ومن جانبه، قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال بموقع ميدل إيست آي البريطاني “إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن ليقدم على قراره بشأن القدس لولا الدعم الغريب والطارئ الذي تلقاه من محور الطغاة العرب بمن فيهم حكام السعودية والإمارات والبحرين”.
بدورها، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا للكاتب إيان بلاك، يتساءل فيه عن الموقف السعودي من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وتساءل بلاك عما إذا كان الموقف الذي أعلن عنه ترامب جاء بتنسيق مع الرياض وعواصم أخرى عربية. ويشير التقرير، إلى أن وضع القدس يعد من أهم القضايا الحساسة التي تقع في قلب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث إن المدينة المقدسة ظلت في مركز جهود السلام ولعقود طويلة، مستدركا بأن طريقة تعامل ترامب قد تهدد بكسر الإجماع الدولي حول المدينة، ويشوشه بطريقة خطيرة. ويستدرك التقرير بأن الحقائق على الأرض فرضت أمرا مغايرا لذلك، ففي حرب عام 1948 انقسمت القدس بين منطقة خاضعة للإسرائيليين وأخرى تحت الحكم الأردني حتى عام 1967، ومنذ ذلك الوقت وسعت إسرائيل حدود المدينة، مشيرا إلى أن هذه أفعال لم تحظ باعتراف دولي؛ لأن القدس الشرقية منطقة محتلة.
التحضير للصفقة
وبحسب التقرير، فإنه لم يتم الكشف عن تفاصيل صفقة كبيرة تعرف اعلاميا بصفقة القرن يتم التحضير لها بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية وأولها المملكة العربية السعودية، إلا أن تسريبات أشارت إلى الدور السعودي والضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للقبول بالخطة التي تتحدث عن دولة غير مترابطة في الضفة الغربية، تتخللها مستوطنات غير شرعية، والقبول بحي أبو ديس في القدس مركزا لها، الواقع خارج جدار الفصل. وتورد الصحيفة أنه يقال إن صهر ومستشار ترامب قد تباحث مع السلطات السعودية بشأن تفاصيل الخطة.
وتختم الجارديان تقريرها بالقول “إن الرئيس ترامب يرى في التزام السلطات السعودية الجديدة بمواجهة إيران وتحقيق التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين ملفات مهمة في الشرق. ولكنه لم يفهم حتى الآن أهمية القدس بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي مهما حاولت الرياض التقليل من ذلك.
وحرصت السلطات السعودية على منع انتشار الغضب الشعبي بين السعوديين، ولذلك اعتمدت على الذباب الالكتروني لتهدئة الرأي العام، عبر نشر روايات خاطئة عن القدس والفلسطينيين، فعلى سبيل المثال انتشر هاشتاج على تويتر في المملكة العربية السعودية بعنوان “الرياض أهم من القدس”. وقد انتشر الهشتاج بقوة كانتشار النار في الهشيم، وهو الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن ثمرة التقارب السعودي مع إسرائيل في الآونة الأخيرة.
تداعيات خطيرة
وعلى المستوى الرسمي، لم يخرج موقف قوي من قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، على عكس كثير من الدول العربية والإسلامية، فقطر حذرت ترامب من التداعيات الخطيرة لخطوة نقل سفارة واشنطن إلى القدس، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستزيد الوضع في الشرق الأوسط تعقيداً، وتؤثر سلباً في الأمن والاستقرار في المنطقة. وأدانت تركيا الخطوة بأشد العبارات. وقامت المملكة المغربية باستدعاء القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة بالرباط للتنديد بقرار الرئيس الأمريكي، فضلا عن الكثير من الدول العربية والإسلامية.
ويرى مراقبون أن السعودية قد تنازلت في ملف القدس لأجل مصالح نظام الحكم السعودي الخاصة، مع الإسرائيليين، عبر الوسيط جاريد كوشنير، صهر ترامب، غير عابئة بما قد ينتج عن هذه الخطوة من ارتدادات في الدول العربية، لتضاف إلى مغامرات السعودية غير المحسوبة.
12/12/2017
ارسال التعليق