تأشيرات الحج..تسييس وإثراء غير مشروع
تتصاعد الدعوات إلى مقاطعة الحج هذا العام، كما جرى في السنوات السابقة، في ظل الممارسات السعودية. ممارسات قد لا يمكن إحصاؤها من تسييس لإدارة الحرمين ومنع للفريضة عن الملايين المسلمين إلى فرض للضرائب على الخدمات ليصبح من يستطيع إليه سبيلا قلّة قليلة.
حوّل محمد بن سلمان، الشعائر الدينية إلى سلعة تجارية تستهدف الأغنياء على حساب الفقراء وجعل الأماكن المقدسة شباك صيد واقتناص للناشطين والمعارضين في ظل التضييق على شعوب الدول التي لا تتماهى مع سياساته. وإذ ينفي النظام السعودي تسييس فريضة الحج إلا أن الحديث عن الدور السعودي لتفريغ مضمون فريضة الحج من جوهرها الروحي وتحويلها إلى مجرد سلعة من خلال توزيع تأشيرات المجاملة أو رشاوى الحج على من يتماهي مع المواقف الرسمية كما جاء في تسريبات ويكيليكس يغدو سمة رئيسية يتداولها المتابعون.
يذكر أن السلطات في السعودية قررت منع المقيمين من الدخول إلى مكة المكرمة دون تصريح، وأتى ذلك بالتزامن مع اقتراب موسم الحج، إلى جانب دور النظام المعهود في تحديد الأعداد المسموح استقبالها لإتمام الفريضة سواء من ابناء الشعب في الداخل أو من غير المواطنين في الخارج، وكأنها منّة يريد النظام السعودي أن يثبتها على جبين كل فرد.
ليس النقد من باب النقد في هذا المضمار، بل إن الهدف الإضاءة على التنفيعات التي تجيّر لصالح الأمراء والشخصيات السياسية. حيث تم التداول مؤخرا عن كوتا مخصصة لرئيس حزب القوات اللبناني، سمير جعجع، ضمن الاجراءات "السعودية" الداعمة والممولة لحزبه في الانتخابات النيابية الأخيرة أيار الماضي. الأمر الذي يحيلنا إلى عنوان الاستثمار السياسي لفريضة الحج والابتزاز في بعض المواقع التي يريدها النظام السعودي.
كل ما ورد غير منفصل عن حالة الفوضى الموافق عليها "سعوديا" لناحية عدم ضبط أسعار حجوزات الطيران والفنادق، وترك الأمور تجري وكأنها ساحة لمن يجني أكثر، فضلا عن حجب النظام السعودي للآثار الإسلامية، وما أطلق عليه علماء الآثار "نكبة الآثار الإسلامية في مكة والمدينة"، لتحويلها إلى دورات مياه وفنادق فارهة.
تهدف فريضة الحج في واحدة من أبعادها لأن تعكس حقيقة أن الناس بمختلف مللهم وأعراقهم ولغاتهم وخلفياتهم الفكرية والثقافية وقدراتهم المادية، هم سواسية كأسنان المشط. أما على أرض الواقع وبحكم سيطرة آل سعود وإدارتها لمكة والمدينة وإشرافها على التنظيم، باتت فريضة الحج تأخذ بعدا طبقيا يتمايز من خلاله الحجاج لناحية خدماتهم.
وتجري في مكة منذ ما يقارب الخمسة عقود عملية تغييرٍ ممنهجٍ لهوية المدينة التي تشكّل بالنسبة للمسلمين قيمة روحية كبيرة لتتحول إلى مدينة عالمية لا تنسجم مع تاريخها وإرثها العظيم، فصار الحرم المكي مُحاطًا بفنادق تنطح السُحب، وأصبحت مكة المكرمة في ثوبها الجديد مدينة مزدوجة الهوية.
وفي التطرق إلى أسباب رفع تكلفة الحج من قبل النظام السعودي، نذكر رفع قيمة الضريبة المضافة على الخدمات بنسبة 15% تشمل النقل والإعاشة والإقامة وخدمات المشاعر، فرض مصاريف على خدمات كانت مجانية في السابق كفرض حوالي 300 ريال كبدل تأشيرة، إضافة إلى استحداث خدمات جديدة أدت إلى ارتفاع كبير في كلفة الحج، إلى جانب تسجيل كلفة المنامة في مكة إلى 4800 ريال، أما في المدينة فقد بلغت 900 ريال.
وفي الإطار عينه، يمكن القول أن سياسة إلزام الحج بالحصول على تأشيرة مدفوعة الثمن لقدرته على القيام بمناسك الحج، فإن النظام السعودي يستخدم نظام التأشيرة إما لمنع المؤمنين ممن يجاهرون بموقفهم المعادي أو الرافض لسياسة النظام منعهم من القيام بواجبهم الديني، أو لنصب فخ لوجوه معارضة أو شخصيات سياسية وثقافية يعمد لابتزازها أو تعريضها للخطر.
ومن الجدير الذكر أن النظام السعودي يمتنع، حتى الآن، عن إصدار تأشيرات الحج الخاصة بالحجاج الإيرانيين. وفي ذلك خطوة إضافية تزيد من وطأة العراقيل أمام الحجاج، سيّما بعد فرض الرياض قيودا على قبول الحجاج، بما فيها شرط السن تحت 65 عاما.
لم يعد مقبولا بالنسبة لشريحة واسعة من المسلمين إيلاء مسؤولية إدارة موسم الحج وما يتبعه من مراسم لعدد من الدول المسلمة للمشاركة في وضع الأمور في نصابها ومنع تفرّد القرار السعودي في تقسيم الحصص لناحية الأعداد المسموح بها من كل بلد كما الاستنسابية في إعطاء التأشيرات ومنعها مثلا عن اليمنيين القادمين من اليمن لسنوات ربطا بالعدوان "السعودي"، وما عكسه القرار من حالة تشفّي وعقاب تمارس بحق أبناء اليمن.
كما تلفت العديد من القراءات إلى أن الحج ومع مرور السنين سيمثل النفط الذي لا ينضب، حيث تبين الأرقام أن حجم المورد المالي المسجل في الخزينة السعودية من الحج يناهز أكثر من تسعة مليارات دولار، كما كان محمد بن سلمان قد حدّد من خلال رؤيته 2030 إلى إيصال إجمالي الإيرادات إلى مبلغ يناهز الـ 50 مليار دولار.
ويمكن القول، وبراحة ضمير، أن هذه الأموال تبدد في العدوان على اليمن ويتم قتل أطفال ونساء اليمن بها، كما أنها تجيّر بجزء منها لحفلات المجون ومظاهر الانفتاح المدعاة.
ارسال التعليق