“درع الجزيرة” في البحرين.. سبع سنوات قتل وجرائم وانتهاكات وثورة الشعب مستمرة
يطوي البحرانيون صفحة العام السابع على ثورة 14 فبراير، التي احتضنها دوّار اللؤلؤة. ثورة شعبية حملت مطالب شعب حياتية واجتماعية واقتصادية وسياسية، شعب نزل إلى الساحات راسماً مشهدية الحق وسيتاريوهات النصر، مقابل نظام حَكم بحدّ السيف والعسكرة، واستخدم رصاص ونيران أسلحته بوجه صدور عارية تحدت الموت بصرخات وقبضات مرفوعة، ساعية لإسقاط الظلم الواقع على شعب بأكمله.. بممارسات وسياسات سلطوية مدعومة من أنظمة غربية وعربية وفي مقدمتها النظام السعودي، الذي آزر دموية السلطات البحرينية التي حولت أيام فبراير من العام 2011 إلى “أيام الشهداء” وأحالت ميدان اللؤلؤة إلى “ميدان الشهداء”، ثورة عُمّدت بالدم، الذي لم تستطع السلطات بإراقته أن تكسر عزيمة شعب بأكمله على مدى 7 سنوات متواصلة من النضال المتصل بتاريخ ثوري لشعب ما فتأ يقاوم الظلم والاستبداد..
فشل السلطات البحرينية في إخماد الثورة دفعها للاستعانة بقوات سعودية تحت غطاء ما عُرف بقوات “درع الجزيرة”، التي دخلت بموجبه الرياض علانية إلى المنامة، ومارست ولا تزال القمع والإضطهاد والقتل العمد بحق الشعب البحراني بذرائع طائفية. بمعية قوات “درع الجزيرة” التي دخلت البحرين، قُمع البحرانيون، وحوصروا من الداخل والخارج، وضُربوا وأهينوا وقُتلوا وهُجروا وأُسقطت جنسياتهم، ومورست بحقهم جرائم على امتداد 7 أعوام، بين الميدان وخلف القضبان وفي غرف التعذيب وساحات الإعدام، ورغم ذلك كله لا يزال الشعب البحراني صامداً مصراً على استكمال ثورته، التي ارتوت بدماء أطفاله وشبابه وشوخه ونسائه!.
في 14 مارس 2011 عبرت مدرعات عسكرية سعودية تحمل 1000 جندي سعودي مُسانـَدة بـ 500 رجل شرطة إماراتي، جسر الملك فهد الرابط بين البحرين و”السعودية” بدعوة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
دخلت قوات “درع الجزيرة” البحرين بهدف معلن القضاء على التحركات المطلبية السلمية التي خرجت في مناطق البحرين، وخاصة في العاصمة المنامة عند دوّار اللؤلؤة الذي بات يُعرف بدوّار الكرامة.
وفيما رحّبت الأنظمة القمعية بدخول قوات “درع الجزيرة” لقمع حراك البحرانيين، ارتفع صوت المعارضة الرافض للاحتلال المتمثل بالقوات السعودية، والتي اتخذتها الرياض ذريعة من أجل بسط نفوذها العسكري في البحرين، بالتزامن مع بسط نفوذها السياسي والتحكم بمفاصل الحكم في المنامة وتسيير السلطة كما يتوافق مع سياساتها القمعية بوجه كل حراك مطلبي.
وشددت المعارضة البحرانية على أن هدف قوات درع الجزيرة هو تأمين الحماية العسكرية للنظام الحاكم والإبقاء عليه، وعلى مدى الأعوام لم تحيد المعارضة عن موقفها المطالب برحيل “درع الجزيرة” كونها قوات “احتلال”.
سبعة أعوام، تفننت السلطات البحرينية بمؤازرة القوات السعودية في ابتكار أساليب البطش والقمع والاضطهاد للشعب الأصيل، بعد أن استعانت سلطات آل خليفة باستيراد جيوش المرتزقة من الخارج، لقتل أبناء البلاد بيد من حديد، فكانت دماء الثوار رمزاً للنضال ولمقارعة دكتاتورية النظام الحاكم ووحشية أجهزته الأمنية.
الهجوم الوحشي على دوار اللؤلؤة وارتقاء عشرات الشهداء جرّاء القمع العسكري لقوات “درع الجزيرة”، كان شاهداً على مواجهة السلطات للمطالب السلمية بالعسكرة والسلاح والنيران ورصاص الشوزن المحرم دولياً، غير أن منطق القهر عجز عن إخماد الثورة وتكسر أمام صمود شعب تمكّن بصبره وإرادته أن أن يقاوم غطرسة القوة المتوحشة، دون أن تُكسر عزيمته.
الشهداء بين المطالب والطائفية
جهدت السلطات “شيطنة” الحراك البحراني السلمي، وسفكت دماء المتظاهرين، إذ كادت لا تخلو مسيرة سلمية من بين المسيرات التي فاق عددها الـ 48029 بحسب رصد جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، على مدى السنوات الماضية، من استخدام القوات البحرينية ومعها جيوش المرتزقة وجنود “درع الجزيرة” من تصويب نيرانهم على الشعب الأعزل، وسقوط الشهداء والجرحى، وتنفيذ الاعتقالات والمداهمات وانتهاك الحرمات.
الطائفية، كانت الوسيلة الأسهل التي تروج لها السلطات لوأد المطالب، وهي الوسيلة المعتادة لدى الرياض المحرك الأساس للمنامة، لطمس أية تحركات شعبية، دعت للإصلاح السياسي ومنح المواطنين حقوقهم المشروعة.
عمدت سلطات البحرين إلى وصم ثورة الشعب البحراني بأنها ثورة طائفية، وإلى “شيطنة” المعارضين البحارنة واتهماهم بالعبث بالنظام لأسباب طائفية وفق مزاعمها، غير أن العالم يشهد على أن مطالب الإصلاح جاءت على لسان شعب خرج بكل فئاته وشرائحه إلى الساحات والميادين.
وامتد القمع السعودي الوهابي من القطيف والأحساء إلى البحرين بواسطة يافطة “درع الجزيرة” وبعنوان دعم وتثبيب أركان حكم آل خليفة..
هناك في قرى وبلدات البحرين مارس الجنود الموتورون طائفياً أبشع صور انتهاك الأعراض والقتل وسفك الدماء والاعتقالات والتهجير وتشريد ومطاردة الثوار.
بواسطة المدرعات المصفحة ورصاص الشوزن المحرم دولياً والرصاص الحي والغازات والقنابل المسيّلة للدموع، سعّرت قوات درع الجزيرة هجماتها على المسيرات والاحتجاجات الشعبية، التي اشتد عضيدها مع كل قطرة دم تنزف من شهيد.
لقد سجل عام انطلاقة الثورة، بعد دخول القوات السعودية “درع الجزيرة” سقوط عشرات الشهداء بينهم، الشهيدة بهية عبدالرسول العرادي يوم 21 مارس 2011، إثر طلق ناري من قوات درع الجزيرة، وكذلك استشهد جواد محمد الشملان، والطفل سيد أحمد شمس وعلي الدمستاني، والحاج عيسى محمد الذي اختنق بالغازات السامة المحرمة دولياً، وحسن العرنوط وجعفر السماك وجعفر عبدعلي، وعيسى عبدالحسن الذي ارتقى في مجزرة دوار اللؤلؤة، مع فاضل المتروك ومحمود مكي وعلي منصور الخضر وعلي عبدالهادي مشيمع الذي ارتقوا بسبب الرصاص الإنشطاري، وغيرهم من الشهداء سجلت أعوام الثورة أسماءهم.
7 سنوات عمر الثورة البحرانية التي عمّدت بنحو 300 شهيد، بينهم مَنْ عرجت روحه تحت التعذيب أو على خشبة الإعدام بعد أن قضوا سنوات خلف القضبان يتجرعون أقسى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي..
ثم اقتيدوا إلى الإعدام بموجب أحكام طائفية مغلّظة صاغتها السلطات السياسية الحاكمة وسط أروقة محاكم تسبح باسم جلالة الملك ليلاً ونهاراً..
حيث ارتكبت الجريمة المروّعة فجر يوم الخامس عشر من يناير2017 بحق الشبان سامي مشيمع، وعباس السميع، وعلي السنكيس.
وفي يوم الخميس 9 فبراير2017 فجعت البحرين بجريمة بشعة نفذتها السلطات البحرينية بتصفية 3 شبان في عرض البحر وهم الشهداء رضا الغسرة، ومحمود يوسف، ومصطفى يوسفواعتقال 7 آخرين من رفاقهم بعد محاولتهم مغادرة البحرين للإفلات قبضة السلطة التي تمارس أبشع صور التنكيل والتهميش والإفقار ضد الشعب الأصيل بكل فئاته.
قوات درع الجزيرة والفتك بالمدنيين
من “الرياض” إلى البحرين نظامٌ دموي واحد قائم على خنق الحريات العامة وقمع كافة أساليب التعبير التي تقرّها القوانين والإتفاقيات الدولية، في طليعتها المادة الـ19 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على حرية الرأي والتعبير، نظام رغم ما يواحهه من العجز المالي يخصص أكبر اعتماداته للإنفاق العسكري لمحاربة شعبه والقضاء على كافة أشكال المعارضة.
قوات درع الجزيرة ذات الأغلبية الساحقة من القوات “السعودية” التي دخلت إلى البحريم عام 2011، بفرق المشاة والمدرّعات والمدفعية الثقيلة وعناصر الدعم القتالي عيّنت وجهتها جيداً لإستكمال قمع المدنيين البحرانيين بحجة حماية المنشآت الاستراتيجية وحماية الأمن والنظام، فتحوّلت إلى مصدر الإرهاب الأوّل ضد ثورة الأهالي، وراح عناصرها يرتكبون جرائم القتل والإعدام المباشر بالرصاص الحي والنهب والإعتقال والإخفاء القسري واستباحة حرمات الناس واغتصاب النساء وهدم المساجد والحسينيات ومنع وصول الجرحى إلى المستشفيات وتدمير المرافق الصحية والتعليمية، إذ راح مئات البحرينيين ضحيّةً لهذه الإعتداءات وجُرح آلاف المواطنين فيما اختفى العشرات منهم مع ساعات الهجوم الأولى على دوار اللؤلؤة حيث مقر الاعتصام المركزي للثورة.
تدمير مرافق العبادة
إن جحود السلطات الخليفية في البحرين المدعومة بقوات درع الجزيرة لم يقف عند الضربات العسكرية الموجهة إلى صدور المتظاهرين العزل من النساء والأطفال والشيوخ, إنما تعداه إلى هدم مساجد الطائفة الشيعية ذات الجذور التاريخية، حيث قامت بتدمير حوالي أربعين مسجداً منذ العام 2011، ومن أبرز تلك المساجد التي تعرّضت للهدم مسجد الشيخ أمير محمد بربغي الذي بُني قبل أكثر من 400 عام ومسجد الشيخ عابد في جزيرة سترة، ومسجد الرسول الأعظم في بلدة كرزكان، وفي نويدرات هُدم مسجدا مؤمن وسلمان الفارسي، كما هُدم مسجد العلويات في بلدة الزنج، أما في بلدة الكورة فقد هُدم مسجد الكويكبات.
وشرعت القوات الخليفية بجيوش المرتزقة إلى تخريب الحسينيّات وهدم المضائف الحسينيّة كما منعت المشاركة في المواكب العزائيّة وحرق المصاحف وتكسير التُّرب الحسينيّة بالإضافة إلى التضييق على أداء المواطنين لصلاة الجمعة وخصوصاً في منطقة الدراز التي تشهد فرض حصار خانق على حركة دخول وخروج المواطنين، حيث نفذت القوات الأمنية هجوماً عسكرياً دموياً على البلدة، في 23 مايو 2017 لفض اعتصام أمام منزل الشيخ عيسى قاسم، واعتدت على الرجال والنساء والأطفال، حيث سقط العشرات بين شهداء وجرحى فيما طالت الاعتقالات آخرين لا تزال المحاكم السلطوية حتى اللحظة تغلّظ أحكامهم، فيما تستمر بفرض حصار عسكري على الدراز وعلى منزل الفقيه الشيخ عيسى قاسم الذي يعاني من وضع صحي حرج.
الإدانات الدولية
المنظمات الحقوقية والإنسانية بدورها عملت دائماً على توثيق جرائم النظام البحريني بالمشاركة مع قوّات درع الجزيرة وجيوش المرتزقة المستجلبين من اليمن والعراق والأردن فضلاً عن الباكستان والهند, إذ أدانت كل من منظمة “العفو الدولية” ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان” في وقت لاحق استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين في البحرين، كما أدانت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان “موجة أحكام الإعدام غير المسبوقة في تاريخ البحرين”، ومن جهتها قالت رئيسة منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب المحامية ميّ الخنساء في العام المنصرم، أن مشاركة قوات أجنبية إلى جانب القوات البحرينية في الجرائم المرتكبة بحق الشعب في البحرين يُعدّ اختراقاً للقانون الدولي، وبالتالي فإن ارتكابها لتلك الجرائم يجعل منها مجرّد قوى إرهابية أو عصابات غير رسمية بحسب القانون الدولي، ومن أبرز الدول التي اعترضت على دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين هي إيران إذ قدّمت شكوى إلى مجلس الأمن الدولي منذ دخول القوات بإعتبارها غزواً صريحاً للبحرين.
ورغم وحشية وقسوة ما واجهه البحرانيون فقد ازادادوا صلابة وتمسكاً بمطالبهم فارتدوا أكفان الموت ونزلوا إلى الساحات بعزمٍ لا نظير له، واجهوا الرصاص بصدور عارية فجُرحوا واستشهدوا على مسمع ومرأى الإعلام الدولي، ينكبّون على الموت منذ لحظة اشتعال الثورة في 14 فبراير عام 2011 ولا زالوا يواصلون نضالهم بإكتساح الساحات والتظاهرات وتنظيم الإعتصامات وشتّى أشكال التعبير المتاحة، ثورة ظنّت السلطات أنها ستخمد بعد أشهر قليلة من استعانتها بقوات درع الجزيرة للقضاء على المتظاهرين، وهاهي الثورة توقد شعلتها الثامنة!
بقلم : سناء أبراهيم و زينب فرحات
ارسال التعليق