فورين أفيرز: التطبيع السعودي مع اسرائيل يرفع مستوى التورّط الأميركي في المنطقة
شدد مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز”، على ضرورة تخلي قادة الولايات المتحدة الأمريكية عن السعي إلى إنجاز اتفاق تطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي و”السعودية” من أجل مكاسب سياسية، لافتا إلى أن واشنطن تغرق عبر هذا النهج في وحل المنطقة التي أراد الرؤساء المتعاقبون الابتعاد عنها.
وأشار المقال الذي أعده كل من الزميل في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فريدريك ويهري، والأستاذة المساعدة في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، جنيفر كافاناغ، إلى أنه عندما يغادر الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في أوائل العام المقبل، فمن المتوقع أن يفعل ذلك دون أن يحقق بندا مميزا في أجندته للشرق الأوسط: التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والسعودية، مختوم بضمانة أمنية أمريكية رسمية للرياض.
إنه “ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقية المراوغة معرضة لخطر أن يلتقطها خليفته مرة أخرى، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر”.
وأضاف أنه “أثناء وجوده في منصبه، كان الرئيس السابق دونالد ترامب من بين أكبر مؤيدي السعودية، وقد أشار بالفعل إلى رغبته في توسيع ما يسمى باتفاقيات أبراهام.
وقد تضطر نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، إلى إحياء الاتفاق أو بعض أشكاله، سواء من أجل الاستمرارية أو لأن التوصل إلى صفقة كبرى في هذه المنطقة المضطربة سيكون إنجازا في السياسة الخارجية لسياسي عديم الخبرة نسبيا”.. وتابع: “لكن بالنسبة لهاريس أو ترامب، فإن الاستمرار في رفع شأن هذا الاتفاق الإقليمي سيكون خطأ فادحا.
لن ينهي الترتيب المقترح الحرب في غزة، أو يحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو يمنع تغلغل الصين في الشرق الأوسط، أو يواجه إيران ووكلاءها المتشددين. بدلا من ذلك، من خلال إلزام واشنطن بالدفاع عن دولة عربية قمعية للغاية ولديها تاريخ من السلوك المزعزع للاستقرار، فإن الإنجاز الرئيسي للاتفاق سيكون زيادة تورط الولايات المتحدة في منطقة حاول الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون الابتعاد عنها”.
وأشار معدا المقال، إلى أن “السعي الأحادي وراء هذه الصفقة السيئة، أدى إلى إعماء صناع السياسات الأمريكيين عن محركات أخرى أكثر أهمية للصراع في المنطقة، وتسبب في تأخير الولايات المتحدة للجهود الرامية إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل لإنهاء حربها في غزة.
وعلى هذا فإن الرئيس الأمريكي القادم لا بد وأن يتخلى عن الاتفاق المقترح ويركز بدلا من ذلك على سياسة الشرق الأوسط في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأكثر أهمية بالنسبة للمنطقة”.
وذكر المقال أنه “برغم أن الاتفاق الإسرائيلي السعودي لم يكتمل بعد، فإن الخطوط العريضة له أصبحت واضحة بالفعل.
فوفقا لشروط الاتفاق المقترح، فإن السعودية سوف تعترف رسميا بإسرائيل في مقابل التزام إسرائيل بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
وسوف تتعهد الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية ضد أي هجوم خارجي ودعم البرنامج النووي المدني للرياض، وسوف يمنح السعوديون واشنطن إمكانية الوصول العسكري الجديد إلى المياه الإقليمية والمجال الجوي للمملكة.
كما تتعهد الرياض بتقييد القواعد العسكرية الصينية والتعاون الأمني في السعودية، بما في ذلك التخلي عن شراء التكنولوجيا والأسلحة الصينية المتقدمة والحد من بعض الاستثمارات الصينية في الاقتصاد السعودي”.
وشدد المقال، على أن “إبرام الاتفاق له جاذبية واضحة لكل من القادة الإسرائيليين والسعوديين.
وقد يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق باعتباره انتصارا سياسيا بعد مواجهة انتقادات محلية شديدة لفشله في منع هجمات حماس المروعة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وإطالة أمد الحملة العسكرية في غزة.
كما يظل ولي العهد السعودي والزعيم الفعلي محمد بن سلمان عازما على توقيع نسخة ما من الاتفاق لأنها توفر للمملكة الحماية وفوائد اقتصادية كبيرة وهيبة كونها من أقرب حلفاء الولايات المتحدة”.
أما بالنسبة لواشنطن، فقد يبدو أن “التطبيع الإسرائيلي السعودي يوفر وسيلة لتعزيز حل الدولتين – وبالتالي إنهاء الصراع الذي امتص موارد الولايات المتحدة واهتمامها – مع منع النفوذ المتزايد للصين في الشرق الأوسط.
ولكن عند الفحص، لن يحقق التطبيع أيا من هذه الأهداف”، وفقا للباحثين. وأوضح المقال أنه “بادئ ذي بدء، لن تكون الصفقة هي الطريق إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كما تأمل واشنطن.
ببساطة، لا يوجد دليل على أن نتنياهو – أو أي حكومة إسرائيلية – ستقدم وتلتزم بالتنازلات اللازمة لإنشاء دولة فلسطينية، والتي طالبت بها الرياض كشرط مسبق، بغض النظر عن الفوائد الاقتصادية والأمنية التي قد يجلبها التطبيع السعودي.
بالإضافة إلى ذلك، انخفض الدعم الشعبي الإسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية منذ هجوم حماس: فوفقا لاستطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في ربيع عام 2024، فإن أكثر من ربع الإسرائيليين يؤيدون الآن مثل هذا الترتيب”.
وحتى لو توصلت إسرائيل و”السعودية” إلى اتفاق ما، فوفقا للباحثان أن “احتمالات أن يؤدي ذلك إلى خلق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضئيلة.
فوفقا للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن أغلبية الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة يؤيدون الكفاح المسلح ضد إسرائيل.
وبعض الإسرائيليين مسلحون ومتطرفون وقد يحاولون أيضا تخريب مثل هذه الصفقة”.
ولفت المقال، إلى أن “الواقع أنه حتى صفقات التطبيع التي وقعتها إسرائيل بالفعل تبدو على أرض مهتزة. فبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، اندلعت الاحتجاجات في المغرب والبحرين ضد اتفاقيات أبراهام.
ويواجه القادة العرب والإسرائيليون صعوبة في الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها بالفعل. وسيكون من الصعب عليهم بشكل خاص الالتزام بالتزامات جديدة”.
كما أن الصفقة، حسب المقال، لن تمنح الولايات المتحدة “أي ميزة حقيقية على الصين في الشرق الأوسط. فقد عملت السعودية على توسيع علاقاتها مع مجموعة من القوى الخارجية، بما في ذلك الصين وروسيا، في مجال الطاقة والتجارة لتجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة.
وتعتقد الرياض أن تنوع الشركاء من شأنه أن يجتذب فرصا اقتصادية أفضل ويسمح بالوصول إلى تكنولوجيا وأنظمة عسكرية أكثر تقدما، وخاصة في المناطق التي تفتقر فيها الولايات المتحدة إلى ميزة تنافسية.
على سبيل المثال، تعمل الصين والسعودية معا في مشاريع البنية الأساسية والتكنولوجيا وكذلك في مبادرات الطاقة المتجددة.
لن يحظر الاتفاق هذا النشاط، وبالتالي من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في كلتا الحالتين”.
وأشار معدا المقال، إلى أنه “من شأن الاتفاق أن يمنع الأنشطة العسكرية لبكين من خلال منع الصين من بناء قواعد عسكرية في السعودية والحد من شراء السعودية للأسلحة الصينية وتكنولوجيا المراقبة المحلية.
لكن هذه تنازلات تكاد تكون بلا معنى: فالروابط العسكرية ليست المصدر الرئيسي لنفوذ بكين المتزايد في السعودية أو في الشرق الأوسط الأوسع.
اليوم، ليس للصين وجود عسكري دائم أو قواعد عسكرية مخططة في السعودية، وليست موردا رئيسيا للأسلحة للمملكة، ونادرا ما تدرب الدولتان قواتهما معا.
والأمر الأكثر أهمية هو أن الشراكات الاقتصادية والتجارية التي تشكل المحركات الحقيقية للنفوذ الإقليمي للصين ستُترك دون أن تُمس إلى حد كبير”.
ولفت الباحثان، إلى أن “الجهود الأمريكية لدفع الصين للخروج من دول الشرق الأوسط الأخرى لم تنجح.
في الإمارات المجاورة، على سبيل المثال، أعلنت شركة مايكروسوفت مؤخرا عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة جي 42، وهي شركة إماراتية للذكاء الاصطناعي، بوساطة من الحكومة الأمريكية.
وفي مقابل أموال مايكروسوفت، وافقت جي 42 على بيع استثماراتها الصينية وإزالة التكنولوجيا المنتجة في الصين من أنظمتها لصالح المكونات والخدمات الأمريكية.
ولكن منذ إعلان مايكروسوفت عن الاستثمار، ظهرت تعقيدات”.
وتابعا: “على سبيل المثال، على الرغم من أن جي 42 قلصت علاقاتها مع الشركات الصينية، فإن الشركات الإماراتية الأخرى لم تفعل ذلك.
ونتيجة لهذا، فإن المواهب والمعرفة التي تكتسبها جي 42 من شراكتها مع مايكروسوفت يمكن أن تتدفق بسهولة إلى الشركات في الإمارات التي لديها علاقات أعمق مع المستثمرين الصينيين، مما قد يفشل الغرض من القيود”.
وشدد المقال، على أن “شروط الصفقة الأمريكية السعودية المقترحة مختلفة تماما عن تلك بين مايكروسوفت وجي 42، بالطبع، ولكن بعض التحديات نفسها تنطبق”.
وأشار إلى أن “محاولة الحد بشكل انتقائي من التكنولوجيا والاستثمارات الصينية داخل السعودية ستكون صعبة، ومن المرجح أن تحافظ بكين على وجود كبير وأحيانا يصعب اكتشافه في المملكة.
وحتى في ظل الاتفاق المحتمل، على سبيل المثال، من المرجح أن تحتفظ الصين باستثماراتها في الموانئ السعودية، والتي قد تستخدم في العمليات العسكرية تحت الرادار أو لإعادة تزويد السفن العسكرية الصينية بالوقود أو الإمداد.
وبالتالي فإن الاتفاق يشكل وسيلة رديئة لحرمان الصين من موطئ قدم في المملكة”. وأكد الباحثان، أن “الفوائد العسكرية المزعومة للولايات المتحدة من التطبيع الإسرائيلي السعودي مبالغ فيها أيضا.
من الناحية النظرية، من شأن الاتفاق أن يوفر للولايات المتحدة بعض المزايا العسكرية الهامشية عندما يتعلق الأمر باحتواء إيران.
قد تستخدم واشنطن الوصول الجديد إلى المياه والمجال الجوي السعودي لتحسين قدرتها على تعقب وتعطيل الميليشيات الإيرانية واعتراض شحنات الأسلحة المتجهة إلى وكلائها.
ولكن في الممارسة العملية، ستكون المكاسب العسكرية ضئيلة”. وذكر المقال، أن السعودية، مثل دول الخليج العربية الأخرى، تسعى إلى تجنب الصراع المفتوح مع إيران أو وكلائها، وبالتالي كانت مترددة في مساعدة الولايات المتحدة في صد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أو العمل ضد الوكلاء الإيرانيين في أماكن أخرى من المنطقة.
من غير المرجح أن يغير الاتفاق هذه الحقيقة.
وحتى لو فعل ذلك، وفقا للمقال، فإن “الوصول الإضافي في السعودية لن يمنح واشنطن الكثير من الدعم: غالبا ما أثبتت محاولة ردع نشاط الميليشيات منخفضة الكثافة من خلال عروض أكبر للقوة الصلبة الأمريكية أنها مخيبة للآمال.
لقد أصبحت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ماهرة في إلحاق الضرر بإسرائيل والقواعد الأمريكية في العراق وسوريا مع ضبط النفس الكافي لتجنب عبور الخطوط الحمراء الأمريكية أو إثارة التصعيد”.
وشدد المقال، على أن “حملة الولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين على الشحن التجاري على مدار العام الماضي هي مثال على ذلك. حتى كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين اعترفوا بأن العملية كانت فشلا مكلفا لأن الحوثيين نجحوا في توزيع أسلحتهم وأفرادهم”.
وأوضح أن “واشنطن ليست مقيدة بقدراتها أو قدرتها على الوصول.
لقد قررت أن إجراء عملية برية أكبر، والتي ربما تكون ضرورية لوقف هجمات الحوثيين بالقوة، لا يستحق المخاطرة بأرواح الأمريكيين أو حرب أوسع نطاقا.
مع هذه التجربة في المرآة الخلفية، فمن المشكوك فيه أن الوصول العسكري الإضافي في المنطقة سيجعل الولايات المتحدة أكثر أمانا”.
وأشار المقال، إلى أنه “ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن اتفاقية التطبيع من شأنها أن تغرق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في وقت حيث يجب على البيت الأبيض إعطاء الأولوية للتحديات العالمية الأخرى، مثل مواجهة بكين في بحر الصين الجنوبي.
وعلى الرغم من تلقيها ملايين الأطنان من الأسلحة المتقدمة من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، فإن السعودية تحتاج إلى مساعدة خارجية للدفاع عن نفسها”.
وفي حالة اندلاع حرب، حسب المقال، “فمن المرجح أن تثبت أنها تشكل عبئا على واشنطن أكثر من كونها شريكا قيما.
وينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في مساعدة السعودية في تطوير القدرات المتخصصة التي تحتاجها لحماية نفسها، مثل أنظمة الدفاع الجوي.
ولكن ينبغي لها أن تتجنب الالتزام الشامل بإرسال قوات ومعدات أمريكية للدفاع عن النظام من العدوان الخارجي.
وقد يثني مثل هذا التعهد الرياض عن السعي إلى المصالحة مع جيرانها ويشجع المملكة على المخاطرة”.
ومن شأن الاتفاق أيضا، وفقا لما أورده المقال، أن “يلحق الضرر بالشرق الأوسط بطرق أكثر دهاء.
فقد أدى السعي الدؤوب إلى التطبيع الإسرائيلي السعودي إلى صرف انتباه واشنطن عن مساعدة المنطقة في إحراز تقدم بشأن مصادر الصراع والتطرف الفعلية.
على سبيل المثال، لإنهاء الحرب في غزة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط أكبر وأكثر مباشرة على إسرائيل.
وبدلا من ذلك، تصرف المسؤولون الأمريكيون وكأنهم قادرون على حل الصراع من خلال التلويح بجزرة التطبيع”
ارسال التعليق