آل سعود والإمارات مقابل تركيا.. علاقة مستمرة يلازمها التوتر
التغيير
لم تتوقف حالة التوتر بين نظام آل سعود والإمارات من جهة وتركيا من جهة أخرى، إذ تتسم العلاقات بسلسلة اضطرابات متواصلة، وخلافات قائمة على العديد من قضايا الشرق الأوسط، رغم الاتفاقيات الاستراتيجية والتجارية المتبادلة الموقعة.
وشهدت الفترة الأخيرة خلافات بارزة بين الطرفين، كانت ذروتها بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بإسطنبول في أكتوبر 2018، وآخرها الخلاف حول ليبيا.
وترتبط المملكة وتركيا بالعديد من الاتفاقيات، أبرزها التي وقعت في أبريل 2016، حول مذكرة تفاهم لمجلس تعاون استراتيجي مع أنقرة، لتوحيد المواقف السياسية والاستراتيجية والأمنية بين البلدين، والتوافق على طريقة التعاطي مع الأزمات في سوريا والعراق واليمن، وفي الحرب على الإرهاب.
ورغم شدة الخلافات والبيانات الإعلامية النارية المتبادلة بينهم فإن آل سعود والإمارات لا تزالان تحافظان على "شعرة معاوية" في العلاقات مع تركيا، خاصة الاقتصادية منها، والإبقاء على السفراء، وتبادل البرقيات الرسمية بين الزعماء، وعقد اللقاءات.
آخر تلك الإجراءات التصعيدية كانت حجب السلطات التركية مواقع إخبارية للسعودية والإمارات، الأحد (19 أبريل الماضي)، بعد أيام من حجب مواقع حكومية تركية في مملكة آل سعود.
وجاءت خطوة حجب المواقع الإعلامية بعد أربعة أسابيع من اتهام الادعاء التركي 20 سعودياً بقتل الصحفي خاشقجي في قنصلية آل سعود في إسطنبول.
علاقات آل سعود مع التركية
بدأت العلاقات التركية مع آل سعود في عام 1932، بعد إنشاء المملكة الجديدة، ولكنها تدهورت في التسعينيات عندما انحازت الرياض إلى جانب سوريا في العديد من النزاعات مع أنقرة المجاورة.
وكانت أفضل أحوال تلك العلاقات حين زار العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، تركيا في (8 أغسطس 2006)، وهو ما شكل نقطة تحول مهمة في تاريخ العلاقات، حيث شهد خلالها توقيع 6 اتفاقات بين أنقرة والرياض.
وبحلول عام 2015، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرياض، ووقع البلدان اتفاقية التعاون الاستراتيجي، وبعدها في (أبريل 2016) زار الملك سلمان بن عبد العزيز تركيا، ووقع البلدان معاهدة لتأسيس مجلس التنسيق التركي السعودي، وعقد المجلس اجتماعه الأول برئاسة وزيري خارجية البلدين، في أنقرة.
أما على الصعيد العسكري والصناعي فأحرز البلدان تطوراً ملحوظاً، حيث شاركت القوات المسلحة التركية في مناورات استضافتها الرياض، فيما تلقّى عناصر من القوات الجوية بنظام آل سعود تدريبات في ولاية قونية وسط تركيا.
وحول العلاقات التجارية فقد وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 5 مليارات دولار، وتولت شركات تركية مشاريع مهمة في مملكة آل سعود، ضمن إطار "رؤية 2030"، وسط توقعات بالمشاركة في المزيد من هذه المشاريع.
في السياق ذاته تعد تركيا وجهة مفضلة للسيّاح السعوديين، فيما يحتل المستثمرون السعوديون المراتب الأولى ضمن استثمارات العقار في تركيا.
ورغم تلك العلاقة القديمة فإنها مؤخراً ساءت، وكان أعنفها حين وصف محمد بن سلمان، في مارس (2018)، تركيا بأنها من "مثلث الشر" إلى جانب إيران والإخوان المسلمين، كما زادت تدهوراً بعد اغتيال خاشقجي واتهام أنقرة مسؤولين سعوديين بالوقوف وراء الحادثة.
وكان آخر الخلافات التركية مع آل سعود اتهام وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، في (فبراير 2020)، تركيا بـ"تمويل ورعاية المليشيات المتطرفة في الصومال وليبيا وسوريا".
العلاقات التركية الإماراتية
تمر العلاقات التركية الإماراتية بأسوأ حالاتها هذه الأيام، رغم ضخامة التبادل التجاري بين البلدين، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية السنوية 9 مليارات دولار أمريكي، ولكن ذلك لم يشفع لتخفيف حدة التوتر الدبلوماسي.
وبدأت العلاقات تأخذ منحنى سلبياً بين البلدين بسبب المواقف المختلفة إزاء الأزمة المصرية وتداعياتها، حيث ساندت تركيا حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي الشرعية في مصر، في حين دعمت الإمارات الحكم العسكري في ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتوسعت الفجوة وازداد التوتر في علاقات تركيا والإمارات خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة مع اتهام أنقرة لمحمد دحلان، النائب الفلسطيني المفصول من حركة فتح، المقيم حالياً في أبوظبي، بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.
ومن أبرز التصريحات الخلافية بين أنقرة وأبوظبي ما قاله وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 16 فبراير الماضي: إن "الإمارات تسعى للنيل من تركيا وإثارة الفوضى بداخلها".
وفي مقابلة بثتها قناة "الجزيرة" قال الوزير التركي: إن "أبوظبي تسعى لإثارة البلبلة وزرع الفتنة وإلحاق الضرر بتركيا".
وأدرجت تركيا دحلان في قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، وعرضت 700 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليه.
ورغم تلك الخلافات فإن العلاقات التركية الإماراتية لم تنقطع، كما لم يتوقف المسؤولون عن عقد الاجتماعات، التي كان من أبرزها اجتماع في ديسمبر من عام 2019، حين عقد لقاء جمع مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، مع السفير التركي لدى الإمارات، جان ديزدار.
وأوضحت أن اللقاء بين "ديزدار" تطرق إلى "مجمل القضايا الإقليمية، وعدد من المسائل والملفات التي تهم البلدين، فضلاً عن العلاقات الثنائية".
وركز الجانبان، حسب "وام"، على "أهمية العمل معاً لزيادة التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين والتعاون في مجالي السياحة والثقافة"، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام طرح تساؤلات وفرضيات عدة.
وذكرت "وام" أن السفير التركي نقل تهنئة الحكومة التركية بمناسبة اليوم الوطني الـ48 للإمارات.
وكذلك، تعد الأزمة الليبية من أكثر القضايا الخلافية بين البلدين، حيث هاجمت الإمارات، في بيان لها نشر الخميس (30 أبريل الماضي)، تركيا، معلنة رفضها القاطع للدور العسكري التركي الذي يعرقل فرص وقف إطلاق النار، ويجهض جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي شامل.
منظومة لا تجد ترجمة
في هذا الشأن يقول الخبير في الشأن السياسي التركي، سعيد الحاج، لوسائل إعلامية إن هناك مجموعة من المصالح "الحقيقية والحيوية" التي تجمع بين تركيا ومملكة آل سعود، ويوضح أن هذه المصالح تبدأ بالنشاطات "التجارية والاقتصادية البينية، مروراً بقضايا العالم الإسلامي".
لكن هذه المنظومة من المصالح لا تجد ترجمة مباشرة لها في العلاقات بين البلدين، التي يغلب عليها في السنوات الأخيرة - باستثناء فترة قصيرة - الفتور أحياناً والتوتر والتصعيد في كثير من الأحيان". ووفق قول الحاج فإن "ثمة رواسب تاريخية سلبية وانطباعات مسبقة ألقت دوماً بظلالها على العلاقات الثنائية بين الرياض وأنقرة. كما أن البلدين يمثلان نموذجين متباعدين وأحياناً متناقضين في أسلوب الحكم وشكل الدولة وعلاقة الدين بالدولة... إلخ".
ذلك كله، وفق المحلل السياسي، "يجعل السمة الأبرز للعلاقات بينهما هي التنافس، لا سيما التنافس كنموذج، وكذلك على قيادة العالم الإسلامي، بعد التقدم الكبير الذي أحرزته تركيا على هذا الصعيد، والصورة النمطية التي قدمتها عن نفسها مؤخراً".
لكن، ورغم كل ما سبق، يبقى السبب الرئيس للتوتر بين الطرفين هو الافتراق - وأحياناً التناقض - في الرؤى حول مختلف قضايا المنطقة، وخصوصاً ما بعد عام 2011، إذ يقف كل منهما في أحد طرفي المعادلة، وفق ما يرى المختص بالشأن التركي، الذي يضيف بالقول: "ليس من المبالغة إن قلنا إنهما يقفان في محورين متواجهين في المنطقة مؤخراً".
أحد هذين المحورين هو "محور الثورة المضادة، كما يسمى في العالم العربي، والمكون من آل سعود والإمارات ومصر بشكل أساسي"، موضحاً أن هذا المحور "يقف على النقيض من تركيا في مصر، وبدرجة أقل في اليمن، وبشكل غير مفهوم في سوريا؛ حيث تجمعهما - يفترض - مصلحة مشتركة، في حين يبدو الجانبان في مواجهة غير مباشرة وغير معلنة في ليبيا مؤخراً".
من هذا التصور يمكن القول إن العلاقات التركية مع آل سعود ليست في أفضل حالاتها، رغم حرص الطرفين على عدم تحويلها لمواجهة مباشرة. ويستدرك الحاج قائلاً: "لكن الحملات الإعلامية الموجهة، خصوصاً من الخليج تجاه تركيا، تعدُّ مؤشراً مهماً على التوجهات السياسية في هذا الخصوص".
ويبدو أن الفتور السابق في العلاقات قد تحول إلى حالة من التوتر في السنوات القليلة الأخيرة، بحسب رأي المحلل الحاج، "حيث ترى أنقرة الدعم المقدم للمليشيات الكردية في الشمال السوري عبثاً بأمنها القومي، بينما ترى الرياض بأن أنقرة استهدفتها في قضية مقتل الإعلامي جمال خاشقجي".
لكنه يجد أن "العلاقات بين البلدين غير مرشحة للوصول إلى قطيعة كاملة، فأبعادها لا تصب في مصلحة الطرفين. كما أنه لا مؤشرات على حصول انفراجة قريبة في تلك العلاقات"، مضيفاً: "لعل في قرارات حظر بعض وسائل الإعلام مؤخراً مؤشراً واضحاً على ذلك".
من جانب آخر؛ فإن النظرة التركية للعلاقات مع آل سعود تختلف عنها مع الإمارات، ويرى سعيد الحاج أن "الردود التركية أكثر حدة تجاه أبوظبي؛ إذ ترى أن هناك جهداً إماراتياً مباشراً معادياً لها.. فنرى أن أنقرة تتهم أبوظبي بالوقوف خلف بعض المحطات والأحداث المهمة في السنوات القليلة الأخيرة، ومن ضمنها أحداث جزي بارك عام 2013، والمحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016، فضلاً عن الحملات الإعلامية المستمرة ضدها، وكذلك دعم خليفة حفتر في ليبيا في مواجهة حكومة الوفاق الشرعية التي تدعمها أنقرة".
ولذلك، وبينما تتورع تركيا عن تصعيد التوتر مع آل سعود بشكل مقصود، يقول الحاج، "ترتفع حدة خطابها ضد الإمارات، ومن ذلك بيان وزارة خارجيتها الأخير الذي دعا أبوظبي لـ"وقف مواقفها العدائية ضد تركيا والتزام حدودها"، بعد أن كانت أصدرت مذكرة توقيف بحق دحلان المحسوب على الإمارات"، وفق قوله.
ارسال التعليق