أربع أسباب وراء الغرام السياسي بين السعودية واليونان
يخفي التقارب المتسارع بين السعودية واليونان الأسباب الحقيقية للغرام السياسي بين بلدين لم يتمتعا عبر تاريخهما الحديث بالكثير من المصالح المشتركة.
وعلى الرغم من عدم وجود مناطق تماس جغرافية بين البلدين، يتسارع التقارب بينهما خلال الشهور الماضية وهو تقارب محمل بالكثير من الرسائل السياسية.
ورغم هذا التقارب، يبقى من اللافت للنظر غياب البعد الاقتصادي في العلاقات المعززة بين البلدين، بالنظر إلى مشاركة 3 مستثمرين سعوديين فقط في اليونان، بحسب بيانات عام 2015.
وفي فبراير/شباط الماضي، شهدت العاصمة السعودية الرياض، قمة جمعت الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، وابنه "محمد بن سلمان"، مع رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، ومستجدات الأوضاع في المنطقة.
وفي مايو/آيار الجاري، أقر مجلس الوزراء السعودي، رسميا، اتفاقية للتعاون في مجال خدمات النقل الجوي مع اليونان.
وتبدو خلف الكواليس أسباب عدة وراء هذا التقارب، الذي قد ينضج مستقبلا ليتحول إلى تحالف وثيق بين البلدين، ربما يشمل الكثير من المجالات.
تركيا في الخلفية:
يبدو تركيا حاضرة بقوة في خلفية هذا التحول في العلاقات السعودية اليونانية التي انتقلت فجأة من مرحلة السبات العميق لتكتسب زخما غير مسبوق.
وتحاول الرياض نسج علاقات قوية، مع خصوم تركيا في المنطقة، مثل اليونان وقبرص، ردا على الموقف التركي المتشدد ضد السعودية منذ جريمة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" بقنصلية المملكة بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018، ومطالبات أنقرة للرياض بتسليم المتورطين لمحاكمتهم على أراضيها.
ويعد الموقف التركي الداعم لقطر في مواجهة الحصار الرباعي المفروض من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ يونيو/حزيران 2017، دافعا ثانيا، وراء التقارب السعودي اليوناني، بالنظر إلى توتر العلاقات بين تركيا واليونان.
ولا ينفصل التحرك السعودي، عن السعي المصري الدؤوب منذ سنوات لصناعة تحالف ثلاثي مع اليونان وقبرص في منطقة شرق المتوسط؛ لمواجهة تمدد النفوذ التركي، وحصار طموحات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".
وفي هذا السياق عينت الرياض أول سفير لها في نيقوسيا، عاصمة قبرص، في سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد ذلك بأيام زار وزير الخارجية السعودي السابق، "إبراهيم العساف"، الجزيرة، وأعلن دعم الرياض لما سماه "مشروعية قبرص وسيادتها"، وهو ما بدا انحيازا تاما إلى قبرص اليونانية في نزاعها مع تركيا بشأن مستقبل الجزيرة المقسمة بين البلدين منذ العام 1974.
إيست ميد:
ويعد مشروع خط أنابيب "إيست ميد"، سببا آخر لحالة الغرام بين السعودية واليونان، حيث تعوم منطقة شرق المتوسط على بحيرة من الغاز يقدر مخزونها بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليارات برميل من احتياطيات النفط.
ويهدف المشروع العملاق إلى نقل الغاز الطبيعي إلى القارة الأوروبية بداية من عام 2025، بتكلفة نحو 7 مليارات دولار، وسط محاولات يونانية لاستمالة السعودية كطرف داعم للمشروع.
ويعد المشروع حال تنفيذه، ورقة ثانية بيد اللاعب السعودي لمناكفة تركيا، والتأثير سلبا على خط السيل التركي الناقل للغاز الروسي إلى أوروبا، بقدرة 31 مليار متر مكعب سنويا.
ويحظى "إيست ميد" بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة و(إسرائيل)، وقد يقلل مستقبلا من اعتماد الأوربيين على خط "السيل التركي".
وإزاء ذلك، عجلت أنقرة بتوقع اتفاقية مع حكومة "الوفاق" الليبية (معترف بها دوليا) لترسيم الحدود البحرية، ما يمنح أنقرة حق التنقيب في مواقع شرقي جزيرة كريت اليونانية، التي سيمر عبرها خط غاز "إيست ميد".
وبعد توقيع الاتفاق مع ليبيا، قال "أردوغان" إن "حكومات كل من اليونان، وإسرائيل، ومصر، وقبرص اليونانية لا تستطيع اتخاذ خطوة بدون موافقة تركيا".
منتدى الغاز:
ويرتبط الغرام السعودي اليوناني، بدور ومستقبل "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي يضم "مصر، اليونان، قبرص، الأردن، فلسطين، إسرائيل، إيطاليا"، ويستنثي تركيا من عضويته.
ولا شك أن السعودية تريد عبر تحالفها مع اليونان، أن يكون لها كلمة مسموعة بشأن سياسات المنتدى الطامح إلى إقامة سوق إقليمية للغاز، وخفض تكاليف البنية الأساسية، وتحويل المنطقة إلى مركز كبير للطاقة.
ويقول مراقبون، إنه ليس من مصلحة الرياض دعم إنشاء سوق طاقة شرق المتوسط؛ لأن هذا قد يضر بمصالحها الاقتصادية في سوق الطاقة، لكن اتجاها آخر يرى أن المملكة قد توظف المنتدى لخدمة أهدافها في تقوية منافسي الغاز الطبيعي القطري.
صواريخ "باتريوت":
في فبراير/شباط الماضي، أعلن المتحدث باسم الحكومة اليونانية "ستيليوس بيتساس"، أن اليونان ستنشر أنظمة "باتريوت" لحماية منشآت وبنى تحتية ذات صلة بقطاع الطاقة السعودي، وذلك ضمن مبادرة مشتركة مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وأضاف "بيتساس" أن الهدف من هذه الصواريخ هي حماية منشآت الطاقة وتوطيد العلاقات اليونانية السعودية، مشيرا إلى تحمل الرياض كافة النفقات.
وستقوم أثينا بنشر 130 جنديا يونانيا على الأراضي السعودية؛ لمراقبة وإدارة عملية نشر النظام الدفاعي، في أول حضور عسكري يوناني خارج منطقة المتوسط منذ عقود.
وإضافة إلى ذلك ستقوم اليونان بدور الوسيط لتزويد السعودية بأنظمة دفاعية، عبر إبرام صفقات مع (إسرائيل) ودول أوروبية، بحسب مجلة "إسرائيل ديفنس" العبرية.
وترجح "إسرائيل ديفينس" أن إدخال الأسلحة الإسرائيلية سيتم من خلال "وسيط أوروبي"، وسط توقعات بأن تكون أثينا بوابة جديدة للتطبيع الخليجي الإسرائيلي، وفتح الأسواق الخليجية أمام الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
وتأمل اليونان عبر لعب هذا الدور، الحصول على دعم اقتصادي سخي من السعودية، يطيل أنفاسها في صراع النفوذ مع تركيا حول مصادر الطاقة في البحر المتوسط.
مقابل ذلك، ستحصل السعودية على علاقة وثيقة مع خصم لدود لتركيا، وحليف قوي لـ(إسرائيل)، ووسيط أوروبي جيد.
في ضوء ذلك، يمكن القول إن تشابك المصالح الحدودية والأمنية يغيب تماما عن علاقة الود والغرام الناشئة بين الرياض وأثينا، لكن ملفات سياسية وإقليمية حاضرة بقوة وراء تلك العلاقة، ترتبط بشكل أساسي بلعبة المناكفة السياسية، وصراع النفوذ مع أنقرة.
ارسال التعليق