أمريكا والنفط وآل سعود.. "مثلث حب" يوشك على الانهيار
التغيير
نشرت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن تراجع الولايات المتحدة من اعتمادها على النفط السعودي نتيجة كوفيد-19، الأمر الذي جعلها تعيد التفكير في علاقتها مع آل سعود.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن العلاقة بين الدولة التي تملك أكبر احتياطي نفط في العالم والدولة التي تعتبر أكبر قوة عسكرية في العالم يعود إلى 75 سنة. وبعد كل هذه العقود، يبدو أن العلاقة بين السعوديين والأمريكيين القائمة على تبادل النفط مقابل الأسلحة والحماية، قد طرأت عليها الكثير من التغييرات.
وذكرت الصحيفة أنه في عالم يعاني من أزمة كوفيد-19 لا تحتاج الولايات المتحدة إلى استيراد الكثير من النفط، مما جعلها تعيد التفكير في علاقتها بنظام "بات الدفاع عنه أكثر صعوبة" بسبب صورته وطبيعته وسلوكه.
في هذه الحالة، ستكون انتهاكات حقوق الإنسان والمسؤولية غير الواضحة عن هجمات 11 سبتمبر والحرب غير المبررة في اليمن، فضلا عن قضية اغتيال جمال خاشقجي في سفارة آل سعود في تركيا كافية للتخلي عن آل سعود، علما بأن التعطش للنفط هو الذي جعل واشنطن تتغاضى عن كل ذلك في المقام الأول.
الآن، قد تكون حرب أسعار النفط التي تؤججها الرياض القطرة التي أفاضت الكأس. وحسب بروس ريدل، المحلل السياسي المخضرم السابق في وكالة المخابرات المركزية، أنه "بعد كل شيء، ربما لم نعد بحاجة إلى السعوديين"
وأوردت الصحيفة أن حرب الأسعار الأخيرة بين مملكة آل سعود وروسيا، التي اندلعت عندما رفضت موسكو خفض إنتاجها وواجهتها الرياض من خلال إغراق السوق بالنفط منخفض التكلفة حتى لا تخسر حصتها السوقية، تضر بشدة بمصالح دول ثالثة. فبالنسبة لاقتصاديات دول مثل نيجيريا أو فنزويلا أو أنغولا أو الإكوادور، فقد وصل سعر النفط إلى مستويات سلبية.
وباعتباره مصدرا أساسيا للدخل بالنسبة للعديد من الدول، سُجلت وفرة في إنتاج النفط في ظل تراجع الطلب وغياب المشترين. وقبل بضعة أيام، شُحن حوالي 40 مليون برميل (ما تستهلكه إسبانيا في شهر واحد) في ناقلات كانت تبحر في أعالي البحار في انتظار الحصول على إذن من ميناء لتفريغ حمولتها.
سعر النفط آخذ في التراجع
أوضحت الصحيفة أنه بما أن إنتاج الآبار لا يمكن إيقافه بين عشية وضحاها، فإن الذهب الأسود يستمر في التدفق ولا تزال عمليات التخزين متواصلة، بينما يستمر في فقدان قيمته. إلى جانب ذلك، لم تكن الاتفاقية التي وقعتها الدول المنتجة الرئيسية قبل أسبوعين كافية لوقف انهيار الأسعار ووقف الأزمة، حيث كانت الولايات المتحدة من أكبر الخاسرين.
وأفادت الصحيفة بأن هذا الوضع كشف عن مدى هشاشة بعض التحالفات، ويمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في نوع العلاقة التي تريدها مع آل سعود.
قبل صفقة إنعاش الأسعار، أجرى مجموعة من ممثلي الولايات النفطية محادثة هاتفية لمدة ساعتين مع وزير الطاقة السعودي، وقد خلص أحدهم إلى قول: "إنهم يشنون الحرب علينا بينما تحمي قواتنا آبارهم. ليست هذه هي الطريقة التي يتعامل بها الأصدقاء مع الأصدقاء. أفعالهم لا تُغتفر ولن تنسى".
وأضافت الصحيفة أن الرياض هي المشتري الرئيسي للأسلحة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وهي عميل مدلل بشكل خاص من قبل واشنطن التي وافقت على بيعها لأنظمة دفاع متقدمة سبق أن رفضت بيعها إلى دول أخرى.
في المقابل، يعتبر النظام السعودي، الذي تحكمه عائلة مكونة من 15 ألف عضو يديرون البلاد بمزيج من التعصب الديني وقوانين العصور الوسطى وتجاهل الديمقراطية وحقوق الإنسان، عميلا مهما وصديقا جيدا وحليفا مخلصا لترامب.
ولكن، لا تتقاسم الطبقة السياسية الأمريكية بأكملها التعاطف الخاص بالرئيس الأمريكي الحالي تجاه آل سعود. ففي إحدى المناسبات، وصف جو بايدن مملكة آل سعود بأنها "منبوذة" دوليا ووعد بقطع الإمدادات العسكرية عن الرياض إذا وقع انتخابه.
يمكن أن تساعد مقارنة العلاقة بين البلدين في فهم السياق الذي أنشئ فيه التحالف بين ديمقراطية غربية ومملكة ثيوقراطية، الذي دام لعقود.
تاريخ علاقة معقدة
أشارت الصحيفة إلى أن أسوأ فترات هذه العلاقات تعود إلى سنة 1973، عندما اتخذت واشنطن موقفا واضحا تجاه إسرائيل في الحرب المصرية الإسرائيلية، فأصدر الملك فيصل على خلفية ذلك قرارا يقضي بحظر النفط على الولايات المتحدة.
آنذاك، دعا وزير الخارجية كيسنجر، الذي يكره آل سعود، ريتشارد نيكسون لغزو شبه الجزيرة العربية أو على الأقل التخلص من أحد الشيوخ، فقط لاستعراض قوتهم. في النهاية، هدأت الأوضاع وعاد البنزين السعودي ليملأ من جديد خزانات السيارات الأمريكية.
بعد فترة وجيزة، بدأ السعوديين بتصدير الوهابية، وكان أبرز مؤيدي هذا المذهب أسامة بن لادن، الراعي لحركة طالبان الأفغانية وهجمات 9 سبتمبر.
وقد أثارت الاتصالات بين هؤلاء الإرهابيين ومسؤولين في حكومة الرياض موجة من الدعاوى القضائية ضد عائلة آل سعود المالكة بشأن الأضرار التي لحقت بالمواطنين الأمريكيين، ما ساهم في تشويش العلاقات المعقدة بالفعل بين البلدين. ولكن يبدو أن هذا الفصل من تاريخ العلاقات قد طوي في سنة 2005 خلال فترة حكم جورج بوش. ولكن اختلف الأمر عندما وصل باراك أوباما إلى السلطة.
وأوردت الصحيفة أنه في نظر السعوديين، كان رد إدارة أوباما على "ثورات الربيع العربي"، والحرب في سوريا ونفوذ إيران في العراق فاترا في أحسن الأحوال.
وقال علي الشهابي، وهو سعودي بارز يترأس جماعة ضغط في واشنطن: "كانت شبه الجزيرة العربية في حالة حب مع الولايات المتحدة منذ 60 سنة، لكن أوباما حطم قلوبنا".
العلاقة مع ترامب
أكدت الصحيفة أن ترامب مثل منذ البداية "الأمل الأبيض العظيم" بالنسبة للسعوديين. لأول مرة في التاريخ، لم تكن أول رحلة دبلوماسية دولية للرئيس المنتخب حديثا إلى دولة مجاورة مثل المكسيك أو كندا، بل إلى مملكة آل سعود.
لكن في الوقت الحالي، أثارت كل من مملكة آل سعود وروسيا حربا اقتصادية على النفط ألحقت ضررا كبيرا بالولايات المتحدة. في المقابل، يرى كثيرون أن ذلك يعد بمثابة انتقام من هجوم الطائرات دون طيار الجريء على حقول النفط العربية الصيف الماضي، الذي دمَّرت حوالي 5 بالمئة من الطاقة الإنتاجية للرياض.
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن عالما أقل اعتمادا على النفط هو عالم أقل اعتمادا على مملكة آل سعود، التي لم تعد تبيع الجزء الأكبر من إنتاجها للولايات المتحدة، وإنما إلى الدول الآسيوية.
ولذلك، يدرس بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قوانين لتغيير "التحالف الخاص" لبلادهم مع الرياض، متسائلين عما إذا كان من المنطقي أن تدافع القوات الأمريكية عن "عائلة من أصحاب المليارات المتعصبين دينيا الذين لا يشاركون الولايات المتحدة الأمريكية القيم نفسها".
ارسال التعليق