ابن سلمان سيبقى ولكنّه لن يكون كما كان وعليه التمعن بالاغتيالات كي لا يتورّط
بدأت إسرائيل عبر مَنْ يُطلِقون على أنفسهم “خبراء” في الشؤون العربيّة وبضعة مُستشرِقين يعملون في الإعلام العبريّ والغربيّ على حدٍّ سواء، بدأت بعملية “تطهير” لمَنْ يُسّمونه بالـ”حليف الأكبر للدولة العبريّة”، أيْ وليّ العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، المُتورِط، بحسب الشبهات، في جريمة قتل الصحافيّ المُعارِض جمال خاشقجي. وغنيٌ عن القول في هذا السياق إنّ دولة الاحتلال كانت من بين الدول القليلة التي التزمت الصمت المُطبق حيّال الجريمة البشعة، تمامًا كما فعلت عندما اتهمت بريطانيا روسيا بمُحاولة اغتيال الجاسوس السابق، سيرغي سكريبال، أيْ أنّ تل أبيب، تعمل بحسب مصالحها التكتيكيّة والإستراتجيّة، ولا تتشدّق في هاتين القضيتين، اللتين باتتا قضيتا رأي عامٍ، عن حريّة الصحافة وحقوق الإنسان، فها هو مُحلّل الشؤون الإستراتيجيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، د. رونين بيرغمان، يتوجّه مُباشرةً لابن سلمان ويقول له: في المرّة القادِمة، عندما تُخططون لاغتيال شخصٍ، عليكم أنْ تتوجّهوا لدولٍ تعرف كيف تقوم بذلك، في إشارةٍ واضحةٍ لإسرائيل، ومن ناحية أخرى، د. بيرغمان، صاحب الباع الطويل في المؤسسة الأمنيّة بتل أبيب، تبرئّة (الموساد) من التورّط بقتل خاشقجي، بالإضافة إلى أنّ مقولته تؤكّد مدى استفحال العنجهيّة الإسرائيليّة، والنظرة الفوقيّة مُقابِل دونيّة العرب، الأمر الذي يؤكّد أنّ المُجتمع الإسرائيليّ ما زال أسير مقولة رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق شامير:”العرب هم نفس العرب، والبحر هو نفس البحر”.
على صلةٍ بما سلف، قالت الخبيرة الإسرائيليّة في شؤون الشرق الأوسطـ، شيمريت مئير، في مقالة تحليل نشرته في صحيفة “يديعوت أحرونوت”” إن قضية خاشقجي تأبى أنْ تهدأ بسبب الماكينة الإعلاميّة القطريّة والتركيّة التي تكتب عن القضية بدون انقطاعٍ، وتؤثر على الإعلام الغربيّ الذي أصبح هو الآخر يُتابِع القضية بصورةٍ مُكثفّةٍ ومُتواصلةٍ كأنّها مسلسل دراميّ.
وتابعت أنّ بن سلمان يُحاوِل في الوقت الراهن إعادة الأمور إلى مجراها، ويبث للعالم أنّ القضية مجرّد أزمة وليست قضيةً كونيّةً، بدءًا من مصافحته لنجل خاشقجي وتعزيته، مرورًا بمشاركته في المؤتمر الاقتصادي في الرياض وظهوره منفرج هناك.
وأوضحت المُستشرِقة: يبدو أنّ وليّ العهد سيتجاوَز الأزمة ويُحافِظ على منصبه، لكنّه لن يكون نفس الشخص قبله، والسعودية لن تكون نفس السعوديّة، مُضيفةً: واحدة من نتائج الأزمة هي تراجع المكانة الدوليّة للمملكة وصورتها، فإذا كانت دول الغرب تُبرِر علاقاتها مع المملكة بالإشارة إلى المساهمة السعودية الكبرى لاستقرار المنطقة، فهذا أصبح ادعاءً ضعيفًا، لافتةً إلى أنّ الخطوات الضخمة التي استثمرها وليّ العهد لتحسين صورة السعودية في العالم تهاوَت، فالعالم لا ينظر إليها على أنّها مركز للإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في العالم العربيّ في الراهن.
وأشارت إلى أنّ أحد المُتضررين الكبار في الولايات المتحدة من القضية هو جاريد كوشنر، صهر ترامب، الذي عوّل كثيرا على ابن سلمان، واستثمر جهودًا كبيرة في بناء وتطوير العلاقات بين إسرائيل والسعودية، لتكون أساس “صفقة القرن”، مُقلّلة في الوقت عينه من احتمالات وقوف ابن سلمان بعد أزمة خاشقجي خلف الصفقة، مُشدّدّةً على أنّ ماكينة الدعاية القطرية ستنقّض على الفرصة لتصوره القائد الذي باع فلسطين، وفق تعبيرها.
وعن الموقف الإسرائيليّ، أوضحت إنّ ابن سلمان قال إنّه لن ينسى مَنْ وقف إلى جانب المملكة أثناء الأزمة ومن تخلّى عنها، وعلى الأغلب إسرائيل ستكون في الشق الجيّد في هذه المعادلة، مُضيفةً أنّها تعتقد أنّ إسرائيل يجب أنْ تُحافِظ على السريّة بشأن العلاقات مع السعودية وتبقيها علاقات عملية في الحاضر، وخلُصت إلى القول: لا أعتقد أن هناك دولة أخرى في العالم تسعى لتسويق علاقاتها مع النظام السعودي (بعد أزمة خاشقجي)، وعلى إسرائيل ألّا تكون استثناءً في هذا المشهد.
إلى ذلك، نقل المحلّل السياسيّ بن كسبيت من صحيفة (معاريف) عن مسؤولٍ أمنيٍّ إسرائيليٍّ رفيعٍ، قوله: نتعامَل هنا مع أميرين شابين نسبيًا (في إشارة إلى ابن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد). ويُظهِر ابن سلمان جرأةً غيرُ مألوفةٍ، وربمّا مغامرةً أكثر ممّا ينبغي، وهو يتخذ قرارات كانت تُعتبر قبل سنةٍ أوْ اثنتين قرارات جنونية، ويطيح الدبلوماسية السعودية إلى مستويات مختلفة تمامًا، وإنّه لأمر مُثير كيف سينتهي هذا الأمر، على حدّ تعبيره.
ومع كلّ هذه الإشارات كان السفير الأمريكيّ السابِق في تل أبيب، دوان شابيرو، وهو يهوديّ الأكثر “جرأةً” و”شفافيّةً” في طرح الموضوع، عندما كتب في مقالٍ نشره الأسبوع الماضي في (هآرتس) العبريّة: تورّط ابن سلمان في مقتل خاشقجي كارثة بالنسبة إلى إسرائيل، محذرًا من أنّه وضع السعودية في موضع عدم الثقة تحت سلطته، كما قوّض أيّ إجماعٍ دوليٍّ محتملٍ للضغط على إيران، بحسب قوله.
ارسال التعليق