اتفاقية تيران وصنافير أعادت لأذهان المصريين صدمات الماضي والحاضر (مترجم)
تحتفل وسائل الإعلام المصرية والمؤسسات الحكومية وعدد كبير من المواطنين بالثورة الثانية في البلاد. قبل أربع سنوات، أطاح الجنرال عبد الفتاح السيسي بالرئيس محمد مرسي بعد انتفاضة شعبية كبيرة ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين. وارتفعت شعبية السيسي بين عشية وضحاها وأصبح ينظر إليه من قبل جميع المصريين باعتباره بطلا أنقذ الهوية القومية لمصر.
اليوم، السيسي، الذي أصبح رئيسا للبلاد منذ انتخابه في 2014، يجد نفسه في مواجهة ساخنة مع المواطنين المصريين. وحتى استطلاعات الرأي الموالية للحكومة تشير إلى أن الدعم الذي كان يحظى به قد تراجع.
حتى الآن، تميز عهد السيسي باعتقالات جماعية واحتجاز للمعارضين من جميع أنحاء الطيف السياسي؛ والعديد من الهجمات المروعة على المسيحيين وثغرات أمنية أسفرت عن وفيات بين المدنيين والشرطة والجيش؛ وتدهور في الوضع الاقتصادي. وقد أدت هذه الظروف إلى توجيه الانتقادات، ولكن قمع النظام إلى جانب وضع البلاد غير المستقر كانا السبب في عدم وجود احتجاج شعبي صارخ ومستمر.
ورغم ذلك، فإن خطة الحكومة المصرية لنقل جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية قد حفزت الاحتجاجات على نطاق واسع ومستمر. ويرجع ذلك إلى أنه بقدر ما كانت الأمور سيئة بالنسبة إلى منتقدي السيسي والمعارضين السياسيين، لكن العديد من المواطنين المصريين كانوا لا يشاركوهم مخاوفهم بنفس الدرجة. لكن الأمر مختلف عندما يتعلق بالأرض، حيث أنها قضية ترتبط في الشعور الجمعي لدى المصريين بالكرامة والصدمة التاريخية.
بدأت هذه المشكلة في أبريل 2016 عندما وقع السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود اتفاقية ترسيم حدود بحرية جديدة بين البلدين في خليج العقبة ومضيق تيران. وشملت الصفقة نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية.
على الفور تقريبا، اندلعت مظاهرات في القاهرة وأماكن أخرى، وردت الحكومة باعتقالات. إلا أن عرض القوة لم يردع الناس. في 14 شهرا منذ توقيع الاتفاق، احتج المصريون والمحامون والمؤرخون والشخصيات العامة والشخصيات الإعلامية على تلك الاتفاقية على أنها غير وطنية وغير قانونية. وردا على هذا الغضب، أصر السيسي وحكومته أن الجزر لم تكن قط أراضٍ مصرية في المقام الأول.
إن التوتر بين حكومة السيسي وبين من يعارضون اتفاقية نقل السيادة على الجزيرتين متأصل في قيم الدولة القومية الحديثة. في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، قام المؤرخون والسياسيون والفنانون والناشطون القوميون بتغذية سرد تاريخ ومصير مشترك لسكان أرض مصر.
وبعد وصول الضباط الأحرار إلى السلطة في عام 1952، تحول الجندي المصري المكلف بحماية حدود مصر إلى رمز قومي آخر. جمال عبد الناصر، أول من قام داخل المجلس الحاكم بتعبئة تلك القيم وعمل على تضمينها في الثقافة الشعبية للبلاد.
على هذا النحو، فإن نقل سيادة تيران وصنافير إلى السعودية هو، بالنسبة للكثيرين، خيانة محيرة لبديهية الوطنية والقومية المتمثلة في أن الأرض المصرية مقدسة وترتبط ارتباطا وثيقا بفخر الأمة.
ومع التصديق على اتفاقية الجزيرتين، قام السيسي الذي سعى بوعي إلى تنمية فكرة أنه يمثل الإرث الشرعي للضباط الأحرار، بعكس ما فعله عبد الناصر الذي أمم قناة السويس في يوليو 1956 وأعلن أن موارد مصر ستستخدم لمصلحة المصريين، مما أكد وضعه وصورته كبطل قومي.
أثناء فترة حكم مرسي، قيل إن الإخوان قد خرقوا تلك القيم الأساسية في صفقات مزعومة لبيع أجزاء من أراضي منطقة قناة السويس. ومع نقل سيادة الجزيرتين أصبح أمرا واقعا، انقلبت الطاولة الآن وتلاشى التشبيه بعبد الناصر. وتحولت اتفاقية الجزيرتين إلى رمز قوي لنقاط الضعف المهلكة للنظام في مصر.
كما استدعت تلك الصفقة صدمات وطنية لدى المصريين في الماضي والحاضر. في يونيو 1967، خسرت مصر جزءا كبيرا من أراضيها أمام إسرائيل. وقد جاءت حرب أكتوبر 1973 لتكون لحظة فخر مبهرة خفت بريقها بحقيقة أن شروط معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تحد من السيادة المصرية على أراضيها.
الآن نقل جزيرتي تيران وصنافير، الذي في المقام الأول أمر متعلق بالأرض، يزيد طبقة إضافية من التعقيد، حيث يثير أيضا مسألة مكانة مصر في الشرق الأوسط الحديث. المصريون يميلون إلى تخيل بلادهم في المملكة الوسطى، ولكن الحقيقة كانت أكثر قسوة.
فعلى الرغم من كافة سماتها التاريخية بوصفها وارثة حضارة عظيمة، وأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، والرائدة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا في الشرق الأوسط، فإن مصر حتى الآن بلد فقير وتعتمد منذ فترة طويلة على حسن النية في الآخرين، وغير قادرة على إبراز قوتها خارج حدودها.
صفقة تيران وصنافير تذكر أيضا بالزيارة التي قام بها عبد الناصر بعد نكسة 1967 إلى العاصمة السعودية الرياض ليطلب من منافسه السعودي الملك فيصل المساعدة الاقتصادية. وفي ذلك الحين كان هذا الأمر له نفس الدلالة ، كما هو الحال الآن مع معارضي اتفاقية تيران وصنافير: تراجع مصر كقوة إقليمية لصالح السعوديين الذين يفتقرون إلى التاريخ والثقافة مقارنة بالمصريين. وموافقة إسرائيل على نقل السيادة على الجزيرتين، وفقا لأحكام اتفاقات كامب ديفيد، أضاف مزيدا من الإهانة لهذا الجرح لدى المصريين الذين ما زالوا يعتبرونها عدوا على الرغم من معاهدة السلام.
وكانت ثورة 25 يناير 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك بمثابة لحظة التمكين للعديد من المصريين الذين يتطلعون إلى عهد جديد يلبى مطالبهم بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. لكن الأمر لم ينجح كما كانوا يأملون واستمرت السياسة والأنماط السلطوية المألوفة.
بقلم : شيماء محمد
ارسال التعليق