من الإعلام
اسلام ابو العز يتوقع:لقد ولى زمن حصول آل سعود بالمال على كل ما يريدون من مصر
أثار قرار السعودية بقطع المساعدات المالية عن لبنان أسئلة عن احتمال تكرار هذا مع مصر، التي تتلكأ في التماهي مع السياسة التي تنتهجها الرياض في المنطقة، من اليمن إلى سوريا.
ومعروف ان القاهرة حظيت بأكبر قدر من «المال السياسي» السعودي وخاصة في السنوات الثلاث الماضية، حيث بلغت المساعدات المالية التي قدمتها الرياض إلى الحكومة المصرية في هذه الفترة بين 15 و20 مليار دولار، وانقسمت إلى منح وقروض وودائع مالية لتحسين موقف مصر الائتماني، بالإضافة إلى الاعتمادات النفطية المفتوحة.
هذه الأموال لم تجعل مواقف القاهرة الخارجية على توافق تام مع سياسة الرياض، خاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية. ومنذ العام الماضي، كان التباين بين البلدين بخصوص سوريا يتخذ منحنى تصاعدياً إلى أن أعلنتها مصر صريحة قبل أيام عن رفضها لأي تدخل عسكري بري من جانب السعودية في سوريا، هذا بالإضافة إلى التلكؤ الذي اعتمده النظام المصري بشأن تعديل موقف القاهرة حيال جماعة «الإخوان المسلمين»، وتحسين العلاقات مع تركيا، وقبل كل هذا تحفظ مصر عن السير في ركب السياسات السعودية المليئة بعقد التحالفات العسكرية، بداية من تحالف «عاصفة الحزم» وصولاً إلى «التحالف الإسلامي».
باختصار لم تحصل الرياض على ما أرادته بالكامل من القاهرة في مقابل المساعدات المالية التي ضختها طيلة السنوات الثلاث الماضية.
وعلى اتساع سرد سيرورة المال السياسي السعودي ودوره في داخل المملكة وخارجها وتطوره ودرجات توزيعه بين القنوات الرسمية وغير الرسمية ـ هيمنة المال السعودي على وسائل الإعلام العربية، والسعي لنشر المذهب الوهابي حول العالم كما اظهرت وثائق «ويكيليكس الخارجية السعودية» وتمويل الجماعات الإرهابية منذ ثمانينيات القرن الماضي ـ يبدو من الأجدى التركيز على مسار العلاقات المصرية ـ السعودية ودور المال السياسي فيها منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وحتى عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وفي حين كانت العلاقات بين الرياض والقاهرة في عهد حسني مبارك قائمة على الشراكة تحت مظلة السياسات الأميركية، بالإضافة إلى اعتبارات ثنائية منها على سبيل المثال حفظ السعودية على ظهير استراتيجي أمام إيران، حافظ نظام مبارك على سياسة إمساك العصا من المنتصف واتخاذ المواقف من زاوية تقاطع المصالح بين مصر والسعودية.
اما في عهد السيسي، وفي ظل تبدل المنظومة والسياسات بعد وفاة الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز، صارت السياسة المصرية تقوم على التحاق القاهرة بمواقف الرياض الخارجية، حتى في ما يتجاوز مبدأ تقاطع المصلحة، عبر القبول بها بدافع الامتنان للمساعدات المالية، حتى وإن خالف ذلك مصلحة مصر في ما يتعلق بقضايا داخلية وخارجية.
أصل هذا التحول جاء نتيجة الارتجال السعودي في تعويض الغطاء السياسي الأميركي الذي كانت تحظى به الرياض، وتقلصه في عهد إدارة باراك أوباما وتعاطيها مع المنطقة ومتغيراتها بعد العام 2011 بشكل لم يكن دائماً على وفاق مع مصلحة الرياض، سواء في ما يتعلق بـ «الربيع العربي» وصعود نجم جماعة «الإخوان المسلمين» وقطر وتركيا، أو في رغبة واشنطن في تجنب الحرب مع إيران وتسوية الملف النووي.
هنا بدأت السعودية، وللمرة الأولى في تاريخها، تنتهج سياسة خارجية قائمة على الاعتماد على نفسها ـ كما تصورت ـ كقوة إقليمية تشكل التحالفات وتتخذ المبادرات تجاه ما لا يوجد توافق فيه بينها وبين واشنطن التي تعمل حالياً على الانسحاب من الدور التنفيذي لسياساتها في الشرق الأوسط واعتماد ذلك على الوكلاء والحلفاء المحليين طبقاً لأولوياتها وليس أولوياتهم.
وفي هذا السياق تلقفت السعودية ما حدث في مصر في الثلاثين من حزيران العام 2013، ورمت بثقلها السياسي والإعلامي والمالي وراء السلطة الجديدة في مصر، بغية إعادة التوازن لصالحها في المنطقة بعد «خسارتها» لمصر منذ العام 2011 لصالح المحور الإخواني ـ القطري ـ التركي، وقررت إعادة معادلة العلاقات بين القاهرة والرياض إلى ما قبل هذا التاريخ، أي مرحلة مبارك، وتكريس مبدأ الشراكة وتقاطع المصالح، وهو ما كان يُرضي كلا من السلطة الجديدة في مصر التي احتاجت الى الدعم المالي والسياسي السعودي، وطموحات السعودية في ظل متغيرين اولهما استيعاب ما حدث بعد العام 2011 وظهور محور منافس يهدد نفوذها حتى في منظومة التعاون الخليجي، وثانيهما إدارة واشنطن ظهرها أمام المطالب والتخوفات السعودية عشية تسوية الملف النووي مع إيران.
لكن هذا التلاقي التام بين القاهرة والرياض لم يستمر أكثر من عام، بسبب ارتباطه بشخص الملك عبدالله، فعقب وفاته والانقلاب داخل البيت السعودي وانعكاس ذلك على السياسات الخارجية واتجاه بوصلة الرياض للتعاون مع قطر وتركيا، بدأ التباين في الاتساع بين مصر والمملكة، خاصة أن الأخيرة أخذت تدير علاقتها مع الأولى من منطلق التبعية وشراء المواقف لا الشراكة، انطلاقاً من وجوب امتنان القاهرة للمساعدات السعودية وربطها مستقبلاً بمدى استجابتها للمطالب التي تحددها السعودية، وكل ذلك في ظل عشوائية وفشل السعودية في اليمن وسوريا، وهو ما فضلت القاهرة أن تواجهه بالمماطلة والتسويف، خاصة في ما يتعلق بمسألة إرسال قوات مصرية إلى اليمن أو سوريا أو المصالحة مع «الإخوان المسلمين» وتطبيع العلاقات مع تركيا.
هذا الامر خلّف عند السعوديين تذمراً لم تخفه الابتسامات أمام الكاميرات ولا التصريحات الديبلوماسية التي طالما أكدت على وحدة موقف البلدين.
هذا الغضب ليس منبعه فقط ضعف استجابة القاهرة لمطالب وتوجيهات الرياض، ولكن لأن القدرة المالية للمملكة النفطية لم تعد كما كانت، وأن إغداق الأموال بلا حساب أصبح طي الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعانيها السعودية منذ العام الماضي، وهو ما ترجمته العملية تنحصر في «ترشيد» المال السياسي، الذي يقود الى معادلة جديدة مفادها أن أي إنفاق في هذا الصدد ينبغي أن يصاحبه مقابل سياسي حاسم، خاصة أن الرياض تشعر حالياً بوحدتها في ورطة اليمن التي تدخل عامها الثاني من دون أي إنجاز سعودي، وكذلك قرب خروجها من سوريا بلا تحقيق أي مكاسب، وأخيراً خسارتها القدرة على إدارة دفة سياسات المنطقة في الهامش الذي خلفته سياسات إدارة أوباما.
الرسائل التي تضمنتها قرارات السعودية الأخيرة تجاه لبنان ترجمها البعض إلى تبني المملكة النفطية معادلة صفرية مفادها «من ليس معنا فهو ضدنا ومحروم من أموالنا»، وفي طليعة مستقبلي هذه الرسالة مصر بالطبع، التي يرى فيها السعوديون عبئاً مالياً لا يأتي من ورائه الاستفادة المطلوبة.
لكن بالتدقيق في تداعيات هذه الرسالة نجد أن السعودية أول من سيُضر من جراء تغيير سياساتها الداعمة للقاهرة، سواء كان هذا بترك فراغ قد يستغله خصومها، وبالتالي فقدانها للظهير الاستراتيجي التاريخي منذ ثمانينيات القرن الماضي، أو حتى على مستوى حاجة الرياض إلى الإبقاء على علاقتها مدفوعة الثمن مع القاهرة في ظل التوافق الدولي والإقليمي على ما يخالف هوى المملكة وخاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية.
وفي هذه الحالة ستسير العلاقات بين البلدين وفق تحدي واستجابة كل منهما إزاء المتغيرات في العلاقات بينهما، وفي المنطقة بشكل عام.
ومن ناحية أخرى يُستشف من تلكؤ القاهرة إزاء المطالبات السعودية أن الأولى تراهن على تغير في المشهد الإقليمي يُرجع العلاقات بين البلدين إلى مربع الشراكة وليس التبعية، وهو ما حدث على صعيد الأزمة السورية، ما جعل مصر مؤخراً تعلن بشكل قاطع رفضها لأي عمل عسكري سعودي في سوريا ـ بغض النظر عن جدية التهديد السعودي ـ وهو ما قد يتكرر في ملفات أخرى ضغطت فيها الرياض على القاهرة طيلة السنة الماضية، وعلى رأسها المصالحة مع جماعة «الإخوان المسلمين» وإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا.
وبشكل عام، فإن احتمالية التصادم بين مصر والسعودية والمتمثلة هنا في إجراء مشابه لما أقدمت عليه المملكة تجاه لبنان تبقى ضعيفة على المدى القريب، خاصة وأن البلدين لا يمتلكان حتى الآن بدائل عن بعضهم البعض.
ارسال التعليق