الأزمة الخليجية.. مناورات قطرية وتصلب سعودي
بدا واضحاً منذ اليوم الأول أن قرارات وردود أفعال الإدارة القطرية حيال التصعيد السعودي تجاهها ستراعي قدر الإمكان أن يكون التراجع والانحسار القطري نسبياً، يحفظ ماء الوجه أمام هجوم اقتصادي وسياسي كبير، ويستبقي ما كوّنته الإمارة من “صورة” وانطباع معنوي بالقوة تتصور إدارتها أنهما ترسخا لدى قطاع كبير من العرب، في الوقت الذي لم يقنع فيه الانطباع الذهني الإيجابي للدور القطري سوى قطاع من الشريحة العُمرية الشابة، التي مثّل الربيع العربي مرجعية أيديولوجية لها بمعزل عن واقع الصراع الإقليمي الذي جاء الدور القطري فيه.
وبالتغاضي عن كون التناقض بين النظامين القطري والسعودي لم يكن رئيسياً في يوم من الأيام، في ظل انعدام الحريات السياسية الطبيعية في قطر، التي أقامت شرعية إعلامية لها بناءً على الديمقراطية ونشرها في ربوع العالم العربي، متشابهة في هذا مع نظام آل سعود إلى حد كافٍ من التشابه، وفي ظل انفتاح كلاهما على الكيان الصهيوني وعلى القواعد العسكرية الأمريكية المرابطة في أرضيهما.
تعلن قطر كلما سنحت الفرصة أن الحوار هو خيارها الأول والدائم بموازاة امتناعها عن اتخاذ اجراءات واضحة للمصالحة، وبعد لقائه مع وزير الخارجية القطري، مع ترتيب للقاء بالمعسكر الآخر (المملكة والإمارات) هذا الأسبوع، قال وزير الخارجية البريطاني، إن الأولوية هي لامتناع جميع الأطراف عن التصعيد، مشيداً بالدور الكويتي للوساطة، وواصفاً قطر بأنها “شريك لانجلترا في مكافحة الإرهاب”، وحث إياها على “بذل المزيد من الجهد للتصدي للجماعات المتطرفة وأخْذ مخاوف جيرانها على محمل الجد”، بينما أصرّ وزير الخارجية القطري على نفي دعم بلاده للإخوان المسلمين قائلاً إنها دعمتهم “عندما كانوا في السلطة واستمر دعم قطر لمصر وتونس بعد خروج الإخوان من السلطة فيهما”، الأمر الذي يكذّبه الواقع بوضوح نظراً للعداء الحاسم الذي عبّرت عنه الإدارة القطرية تجاه إرادة ملايين المصريين، وحصرها لما حدث في الثلاثين من يونيو عام 2013 في إطار أنه مجرد انقلاب على شرعية سياسية بسبب خلاف سلطوي، فضلاً عما تنكره قطر من دور تخريبي بالغ الوضوح ويعلمه الجميع لها في ليبيا، مما يؤثر على الأمن القومي المصري مباشرةً ويهدد الأمن القومي لدول شمال إفريقيا على وجه العموم في ظل فوضى السلاح والموت هناك.
كما أضاف الوزير القطري بخصوص حركة حماس – متناقضاً مع نفسه وسياسات بلاده – أن قطر تتعامل مع دول لا مع أحزاب، وأن التعامل مع حماس تم ويتم باعتباره استضافة للمكتب السياسي لها لدعم التفاوض بين الفلسطينيين، ثم أكد أن حماس حركة مقاومة وليس تنظيماً إرهابياً دون أن يقدم تفسيراً لعلاقة بلاده المتميّزة على المستويين العربي والإسلامي مع الكيان الصهيوني.
مع انفتاح الدوحة على الوساطات المتعددة لحل الأزمة من عدة أطراف وفي مقدمتهم الكويت، لم تلتزم حتى اللحظة بأي من المحددات المطلوبة سعودياً وإماراتياً، وأبقت على موقفها المعلن بأنه على من يوجه الاتهامات إثباتها بدليل واضح، وأبقت على خطاب سياسي يركز على استعدادها للدخول في محادثات وصفتها بأنها يجب أن “تتوافق مع القانون الدولي”، ما يشير إلى نيّة قطرية في مواجهة غير حادة توازت مع لقائين مع وزيريّ الخارجية البريطاني والفرنسي خلال جولة أوروبية مضاف إليها زيارة إلى موسكو، أثمرا عن خطاب بريطاني وفرنسي هادئ، رغم تصريح مصادر فرنسية لجريدة الشرق الأوسط السعودية أن اتجاه باريس هو أن تحل الدول الخليجية مشاكلها بنفسها بدلاً من أن يتدخل آخرون للحل، وتصريح قطري بأن الدوحة مستعدة للجلوس والتفاوض حول أي شأن متعلق بأمن الخليج، وأنها “تتفهم هواجس الدول الخليجية إذا كانت تتعلق بشؤونهم الداخلية وإذا كانت لديهم افتراضات أن السياسة القطرية تؤثر على على أمن دولهم”، في استمرار لموقف الدوحة الذي يتجاهل مظاهر التناقض الثانوي والصراع التي تشمل مجمل سياساتها في المنطقة، ويركز ضمنياً على كونها لا تدعم الإخوان المسلمين في الداخل الخليجي ولا تسبب تهديداً مباشراً حقيقياً للأمن القومي لدول الخليج.
على جانب آخر، سحبت قطر قواتها العسكرية المرابطة على الحدود بين جيبوتي وأريتريا في أعقاب تخفيض جيبوتي للتمثيل الدبلوماسي معها، في سياق ما تمارسه مملكة آل سعود من نفوذ في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي وعلى أغلب الدول الفقيرة التي تدين أغلبيتها السكانية بالمذهب السنّي للإسلام، الأمر الذي جاء بالتزامن مع إعلان الكيان الصهيوني نيّته وقف ترخيص مكتب قناة الجزيرة، الذراع الإعلامية الطولى لقطر، في تل الربيع المحتلة (تل أبيب)، ولقاء لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مع السفيرين السعودي والإماراتي والقائم بالأعمال البحريني بمقر وزارة الخارجية في أنقرة، عبّر خلاله الوزير عن أن القاعدة العسكرية التركية المستحدثة في قطر تهدف إلى المساهمة في “استقرار أمن المنطقة” وليس لخدمة دولة بعينها، مؤكداً أن القاعدة ليست موجهة إلى دول الخليج التي يُعَد أمنها من أمن تركيا.
بقلم : محمود عبدالحكيم
ارسال التعليق