التعاون السعودي الإسرائيلي في استهداف المعارضين السياسيين
التغيير
مؤخراً، انتشرت معلومات في صحف عالميّة مهمة أكّدت أنّ المملكة وحليفتها الإمارات استخدمتا برنامج "بيجاسوس" الصهيونيّ للتجسس على المعارضين لتلك الأنظمة الاستبداديّة، وقد استهدف برنامج التجسس كلاً من الصحافيّ المغدور في قنصلية بلاده بإسطنبول، جمال خاشقجي، والصحفي الفلسطيني عزام التميمي، والأكاديمية والمُعارضة مضاوي الرشيد، ونجل خاشقجي عبد الله، وكشف تحليل لهاتف الرشيد وجود أدلة عن محاولة اختراق في نيسان 2019 دون أدلة عن اختراق ناجح لبرنامج التجسس الإسرائيلي.
في الوقت الذي يتم الحديث فيه بكثرة عن تعاون مكثف بين الكيان الصهيونيّ الغاصب وكل من المملكة والإمارات وبالأخص في مجال التجسس على المعارضين، ذكرت الكاتبة المعارضة، مضاوي الرشيد، أنّ محاولات اختراق السلطات هاتفها، بسبب دورها في "فضح ممارسات وجرائم حكام آل سعود"، مشيرة إلى أنّها باتت عرضة للأذى وانتهاك الخصوصية، وأن الرياض وتل أبيب وأبو ظبي غدت جوقة من القوى المهلكة التي تعمل على إحباط كل سعي من أجل الديمقراطيّة في المنطقة.
تؤكد الوقائع الجديدة أنّ بن سلمان، يقوم منذ سنوات بتكثيف التعاون مع الكيان الصهيونيّ الغاشم في مجال تقنيات التجسس، والتعاون مع "إسرائيل" في مجال الأمن والتقنيات، لأهداف كثيرة على رأسها إخفاء تورطه في جريمة قتل وتقطيع الصحافي البارز، جمال خاشقجي، لأنّ العائلة المالكة في بلاد الحرمين ترتعب من أدنى انتقاد لها، ولا توفر جهداً في التجسس على حسابات المستخدمين العاديين والبارزين، ومن ينسى فضائح تجسس نظام آل سعود على موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر"، واختراق حسابات لمعارضين، عندما قامت السلطات في المملكة عبر عملاء لها داخل شركة تويتر، بكشف آلاف الحسابات التي تنتقد نظام آل سعود وأفراداً في عائلة آل سعود، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى رفع دعاوى ضد الانقلابيّ ابن سلمان، ومسؤولين استخباراتيين في المحاكم الأمريكيّة.
إضافة إلى ذلك، شكّلت المملكة والإمارات و"إسرائيل" جبهة من القوى العدوانيّة التي تستهدف إخماد المعارضين وإحباط كل سعي من أجل الديمقراطيّة في المنطقة، إذ تقدم تل أبيب المعلومات، بينما يقدم الآخرون الأموال، ولا يشكل تخصيص جهاز الأمن التابع للعدو المجرم، وتنامي الشركات الخاصة التي يؤسسها عملاء سابقون في مؤسسات الدفاع والمخابرات الصهيونيّة، تهديداً فقط للفلسطينيين في الأراضي المحتلة وغزة والضفة الغربية المحتلة، لكنه أيضاً تهديد للمجتمع الخليجيّ، مع مبيعات برنامج التجسس الصهيونيّ للأنظمة الدكتاتوريّة في أرجاء الوطن العربيّ.
من ناحية أخرى، تحظى تل أبيب بإمكانية الوصول إلى الدوائر الاستخباراتيّة الداخلية والدول العميقة في دول الخليج، ما يمكنها من الاحتفاظ بها كرهائن للمستقبل، حيث تدعم الأنظمة المستبدة في شبه الجزيرة العربية، ظناً منها أن ذلك يضمن أمنها للأبد، إلا أن "إسرائيل" مخطئة في ذلك، وإن التطبيع مع عدو العرب والمسلمين الأخطر عمل غير أخلاقيّ، ويرسخ ما يطلق عليه "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" ونظام الفصل العنصريّ (الأبارتيد) لدى العدو، حتى لم يعد بإمكان أي قدر من الدعاية إنقاذها، ولا مفر من أن تتكثف المعارضة الشعبية القوية لتطبيع الأنظمة العربيّة مع القتلة في الأيام المقبلة.
مع تصاعد خيانة الإمارات عبر بالتطبيع مع العدو الصهيونيّ القاتل، بعد أن تحالف حكامها مع أشدّ الكيانات إجراماً واحتلالاً تحت ذرائع واهية اصطدمت مع كل القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة، تلعب أبو ظبي دوراً أساسياً في حكاية المراقبة التي تمارسها الشركات الصهيونيّة الخاصة، وقد افتتن محمد بن سلمان بنظيره الإماراتيّ محمد بن زايد، وغدا خاضعاً لتأثيره القويّ، حيث يجمع بين الاثنين كرههما للديمقراطيّة والتعددية السياسيّة وحرية التعبير وحقوق الإنسان، وكلاهما من أركان محور الشر الذي تشرف عليه التكنولوجيا الصهيونيّة الهدامة، التي تدعي أن غرضها هو مساعدة الحكومات في إلقاء القبض على المجرمين والإرهابيين، إلا أنها وببساطة تستخدم تلك الأنشطة ضد المعارضين السلميين.
وقد حصلت المنظمة غير الحكومية "فوربيدن ستوريز"، والتي يقع مقرها في العاصمة الفرنسيّة باريس، والمتخصصة في الدفاع عن الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، على أكثر من 50 ألف رقم هاتف تُستهدف عالمياً من قبل برامج تجسس تابعة للعدو لمصلحة زبائن "إن إس أو"، والذين هم في الأساس حكومات، قامت هذه المنظمة بتحذير منصات إعلامية متعددة، وبمساعدة من منظمة العفو الدولية أطلقت مشروع "بيجاسوس".
وبسبب غياب أيّ نية لحكام آل سعود بالسماح لأفضل وألمع المواطنين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، تزداد فضائح نظام آل سعود بحق مواطنيه ويعري ما يوجهه من تهم زائفة لهم، وخاصة أنّ تلك الأحكام لا تفي بضمانات الإجراءات القانونيّة الواجبة، والأسوأ من ذلك هو أنّ أحكام السجن الصادرة بحقهم يتم تأييدها أو حتى زيادتها بشكل ملحوظ بعد الطعن في إدانتها عند الاستئناف، في إجرام ممنهج ينفذه النظام الحاكم بحق شعبه.
وفي ظل غياب القانون الذي يحمي خصوصيّة المواطنين ، ينتهج مستبدو العائلة الحاكمة في المملكة سياسة "إرهاب الدولة" (أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها) بحق مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والفاعلين السياسيين في الداخل والخارج، وبالأخص منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، بدعم من والده الملك سلمان، حيث توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار واصحاب الرأي وحتى الأمراء، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة الحاكمة، ما دفعه لسجن واعتقال الكثيرين.
ولا يخفى على أحد أنّ النظام الملكيّ الجاثم على قلوب المواطنين لن يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد التي تحولت إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، حيث يقوم ابن سلمان باعتقالات تعسفيّة في كل مرة يشعر فيها بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع ولهذا قام مراراً بجرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في المملكة ، وترى تحليلات سياسيّة أنّ خوف العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، هو ما يزيد من حملات بن سلمان المسعورة ضد المعارضين المؤثرين.
و يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه في هذا البلد المستبد هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقه المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعل الكثيرين يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها، لأنّ السلطات في المملكة جعلت هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
ولا يخاف حكام آل سعود من شيء أكثر من حرية الرأي والتعبير، لأنّهم يدركون جيداً حجم "المعارضة الدفينة" التي تشكل جمراً تحت الرماد في البلاد وخارجها، وهذا ما يدفعهم للتعامل بإجرام غير مسبوق مع قضيّة التعبير عن الرأي وإظهار أيّ نقد أو معارضة سلمية، وهذا ما كرسه بن سلمان من خلال البطش والقمع الممنهج الذي وصل حد اعتبار أي تعبير عن الرأيّ بمثابة مساس بالنظام العام، وجريمة قصوى تستوجب أشد العقاب الذي يصل إلى التقطيع وإخفاء الجثث.
في الختام، بفضل برامج التجسس الصهيونيّ والتواطؤ الإماراتي واختراقات المملكة ، سوف يتوجب على المنفيين خارج تلك البلدان العميلة والقمعيّة البحث عن أساليب آمنة لتبادل المعلومات والقيام بالتعبئة، وبما أن الكثير منهم لجأوا إلى الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وعدد آخر من الدول الأوروبيّة، فإن تلك الدول تتحمل مسؤولية حمايتهم من تجسس نظام آل سعود والإسرائيليّ، وإلا فإن ثمة خطر حقيقيّ من تكرار "مأساة جمال خاشقجي"، وينبغي تنشيط الدبلوماسيّة لوقف محور الشر الجديد من نشر مزيد من التخويف والقمع والاغتيال، وإذا لم ينجح ذلك الأسلوب ينبغي انتهاج أسلوب فرض العقوبات، على الأقل في المملكة المتحدة حيث يقيم العديد من معارضي نظام آل سعود.
ارسال التعليق