الفكر السياسي
الحقوق في القرآن الكريم -الفصل الثاني -من اين يستمد القانون شرعيته
الفصل الثاني
اعتبار القانون وقيمته
منشأ قيمة القانون بعد الاذعان بضرورة وجود القانون للحياة الاجتماعية للانسان، يطرح هذا السؤال نفسه: ما هو ملاک صحة القانون واعتباره؟ ففي العالَم ثمَّة قوانين وانظمة حقوقية متعددة تختلف فيما بينها في وجوه کثيرة، فعلى أيِّ أساس ينبغي الحکم بشأنها واضفاء الاعتبار والقيمة علی بعضها، وسلب الاعتبار والقيمة عن البعض الآخر؟يُعدُّ هذا السؤال من أعقد الاسئلة في هذا الحقل من المعرفة البشرية، واکثرها جدلاً، فيتطلب البحث والنقد للآراء المتعددة في هذه المسألة بصورة تفصيلية مجالاً آخر. نسعی هنا الی الاشارة الی النقاط الأساسية لکي ترسم لنا خطوطاً واضحة ومرشدة للدراسات التطبيقية.يمکن القول: إنَّ أعرق اختلاف ـ في هذا المجال ـ هو الاختلاف في أنَّ القوانين الحقوقية ـ بقطع النظر عن جعل الجاعل ووضع الواضع ـ هل لها واقعية ونفس أمرية أم لا؟إنَّ المذاهب والرؤي المتنوعة بهذا الشأن تنقسم الی مجموعتين کبيرتين:مجموعة تعتقد أن القوانين الحقوقية کالقوانين الطبيعية أو العقلية تحکي عن مجموعة من الواقعيات نفس الأمرية، وعليه لا يوجد تعبير صحيح نطلقه علی شخص بانه المقنن وواضع القانون، لِأنَّ الحقائق الحقوقِيّة يمکن الکشف عنها، ومن يقوم بذلک هو «القانوني» او کاشف القانون وليس واضع القانون.و مجموعة أخری تقول: يوجد فرق ذاتي وماهوي بين القوانين الحقوقية وبين القوانين الطبيعية او العقلية، فقوام القوانين الحقوقية يکون بالاعتبار والانشاء والامر والنهي. ولا تخبر هذه القوانين عن الواقع، وواضعها لا يکشف عن شئ بل يعتبر وينشئ، بعکس القوانين التکوينية والحقيقية التي لا ترقی اليها يد الجعل والوضع ولا يد النسخ والرفع.المجموعة الاولی تنقسم في نفسها الی مجموعات فرعية، مجموعة منها تعتقد بوجود «حقوق طبيعية» أي تعتقد بوجود الواقعيات نفس الأمرية الحقوقية في الطبيعة، وهي المنشأ لاعتبار القانون، وعليه تعتبر القوانين الحقوقية من سنخ القوانين الطبيعية، وتعتقد: کما انه لجسم الانسان واقع طبيعي وتحکمه قوانين الطبيعة ويتم کشفها من قبل علماء الاحياء وتوضع في خدمة الاطبّاء، ويقوم هؤلاء بامر ونهي المريض علی اساسها، فان المجتمع الانساني له واقع طبيعي أيضاً وتحکمه القوانين الطبيعية، وعلی أساس الکشف عنها فقط يمکن وضع وتدوين قانون لجميع أبناء المجتمع.و کما ان الأطباء لا يجعلون القانون فان المقنِّنين أيضاً لا يضعون القانون، بل ان المجموعتين تدعوان ـ علی اساس المعلومات التي يستقونها من اقسام من القوانين الحاکمة علی الطبيعة ـ للالتزام ببعض الامور.ان الاختلاف بين المقننين ناشئ أيضاً من أن الکثير منهم لا يتوفقون للکشف عن الواقعيات التکوينية ونفس الامرية کما هو المطلوب.و في هذا السياق يکون واجب الناس هو اعتبار الأوفق في الکشف عن الحقائق العينية والخارجية مطاعاً ومتّبعاً والإقرار بنظامه الحقوقي والعمل به، وفي التعبير القائل «الانسان مدني بالطبع» إشارة الی هذا الميل الطبيعي لمعرفة القوانين الحقوقية.و تقول مجموعة أخری : صحيح أن الحقوق لها واقع نفس أمري إلّا أنَّ القوانين الحقوقية ليست من سنخ القوانين الطبيعية بل من سنخ القوانين العقلية. نعلم أن للعقل قسمين من الاحکام او الادراکات، أحدهما الاحکام النظرية التي تبتني عليها جميع العلوم النظرية لدی البشرية، وبدونها لا يتمّ بناء أي فرع من فروع الحکمة النظرية، وثانيهما الاحکام العملية التي تمثل قاعدة العلوم العملية کافّة، وقد اقيمت فروع الحکمة العملية علی أساس منها.کما أن أحکام العقل النظرية تنقسم الی احکام بديهية ونظرية (غير بديهية) ولا بد ان تنتهي الاحکام النظرية الی الاحکام البديهية وإلّا فقدت صحتها واعتبارها، فإنّ احکام العقل العملية تنقسم أيضاً الی مجموعتين: بديهية ونظرية ويجب استنتاج الأحکام النظرية من البديهيات. والمقننون يقومون ـ في الواقع ـ بهذا الدور، يعني أنّهم يستنتجون ويکتشفون ـ علی اساس البديهيات العقلية العملية ـ أحکاماً تنظِّم السلوک الجماعي للآدميين، فالحقوق الواقعية نفس الامرية إذن من الواقعيات نفس الأمرية للعقل العملي.في هذا السياق يعتقد بعض فلاسفة الحقوق ـ ذوو الاتجاه الديني ـ بوجود «حقوق الهية» وقد قاموا ـ في الحقيقة ـ بالجمع والتلفيق بين الحقوق الطبيعية والحقوق العقلية وبعض اصول العقيدة للأديان الالهية. يقول هؤلاء: صحيح أن مجموعة من الواقعيات الطبيعية يمکن ان تکون سنداً للحقوق، وهکذا العقل الانساني حيث له أحکام عملية يمکن الانتفاع منها کثيراً في الحقوق، ولکن بما ان الله سبحانه قد خلق عالم الطبيعة وسلّط نظام العلة والمعلول علی الظواهر الطبيعية کافّة، وهو الذي تفضل علينا بقوة اسمها العقل وألهمه احکاماً، فانه من الجائز نسبة کل ذلک اليه وبالتالي اعتبار الحقوق إلهية، وکما هو الملاحظ لا يمکن اعتبار هذا القول قولاً ثالثاً في المسألة.علی أي حال فان وجه الاشتراک بين هاتين المجموعتين او المجموعات الثلاثة وبين المجموعات الفرعية المحتمل وجودها الی جانبها هو ان جميعها تعتبر للحقوق واقعا نفس أمري، ولذا اعتبرت الحقوق احد اقسام الحکمة والفلسفة أي من العلوم الحقيقية.و تقف مجموعة ثانية کبيرة بوجه المجموعة الکبيرة الأولی وتنکر تماماً وجود واقع نفس أمري للحقوق، وتنقسم الی عدّة مجموعات فرعية. تعتقد هذه المجموعة إن القوانين الحقوقية لا ينبغي اعتبارها من طراز القوانين الطبيعية والعقلية نظيرة لها، لأن القوانين الحقوقية لا واقع وراءها، بل واقعيتها جعلية واعتبارية يضفيها المقنّن عليها، وقبل وضعها لا موقع لها في الواقع، وبعد نسخ أو إلغاء قانون موضوع فانه يختفي ويعدم بالمرّة ولا يبقی له أي قيمة واعتبار، وعليه فان القوانين الحقوقية أمور اعتبارية مجردة، وقوامها باعتبار المعتبر فقط.و بعض هؤلاء ادعی مبالغة وافراطاً ان قوام القوانين الحقوقية بانشائها، أي حتی بعد وضع القانون، لا يمکن اعتباره صحيحا أم لا في ظرف الاعتبار، مطابقاً للواقع ام لا، لان الانشاء لا يحتمل الصدق والکذب، والخبر وحده هو قابل لهما، وما يمکن قوله هو ان القانون الفلاني مراد لدی أي شخص، وبما أنَّ رغبات وحاجات الناس متضادة ومتزاحمة ولا يستطيع الجميع ـ طبعاً ـ تلبية الحاجات والعمل بالرغبات فلا بد من العمل بنحو يعدّل رغباتهم لديهم، ويرفع حاجاتهم حسب المقدور، وتتحقق أکثر مقاصدهم لکي يتحقَّق ـ إلی حدٍ ما ـ الرضا العام.و المقنن الکفوء واللائق في الحقيقة هو أنْ يکون ما يأمر به وينهی عنه والزاماته وتکاليفه بنحو تحقق التعادل الاجتماعي عند تنفيذها من قبل الناس ويحظى أبناء المجتمع بأعلی درجات الانسجام فيما بينهم. إنَّ الهدف من القانون هو تحقق هذه الامور وليس ماهيته شيئاً اکبر من الانشاء.من بين هذه المجموعة ـ التي لا تعتقد بواقع ونفس الامر للحقوق ـ اشتهر مذهبان: الپوزيتيفيستيک (Positivistic) والتاريخي.بهذا انقسم فلاسفة الحقوق في حل مسألة ماهية المنشأ لاعتبار القانون الي مجموعتين کبيرتين. مجموعة تعتقد بواقعية ونفس أمرية للحقوق، ومجموعة لا تعتقد باية واقعية للحقوق وتري أن قوامها بالجعل والوضع والأمر والنهي. لا إفراط ولا تفريط أي الاتجاهين ينبغي قبوله؟ هل للحقوق واقعية نفس أمرية أم ان قوامها بالانشاء والاعتبار فقط؟ الاتجاهان يقفان في الظاهر علی طرفي الافراط والتفريط، فالمناسب هو ان نسلک طريقاً وسطاً.إنَّ قول الذين يعتقدون بان قوام الحقوق هو الانشاء والاعتبار لا غير مرفوض، لان الجميع يقرّون حتی هؤلاء يذعنون ـ لا شعوريا ـ بان المقنن يجب ان يلاحظ المصلحة الاجتماعية أو يلتزم بالعدالة ويعمل بالحق، في حين لا يمکن ـ وفق قواعد هذه المجموعة ـ التحدث عن المصلحة والعدالة ـ فان مثل هذه التعابير تحکي هذه الحقيقة، وهي ان القوانين المعتبرة والمعمول بها في المجتمع تکون ذات تاثير واقعي وتکويني علی حياة الافراد، ولا يمکن انکار الآثار الطيبة او السيئة التي تترتب علی تطبيق القوانين الاجتماعية.و کنموذج: لو اعتبرت «الحرية الجنسية» أمراً مشروعاً وقانونياً في مجتمع ما، فان عواقب تکوينية وخيمة ستترتب علی ذلک، إذ إنَّ ثمة علاقة العلِّيَّة والمعلولِيَّة بين هذا القانون وبين الآثار السلبية الناجمة عنه، وبعبارة اخری ان لهذا القانون مفسدة واقعية شعرنا بذلک أم لا، شئنا أم أبينا.ما يقال: إنَّ القانون الفلاني يضرُّ بالمجتمع أو ينفع، يفيد بوضوح أوّلاً: إنَّ لِاعتبار وتطبيق القانون نتائج تکوينية حقيقية في الحياة الاجتماعية لافراد الانسان، وثانياً: ينبغي أنْ يکون هدف المقنّن ضمان المصلحة الواقعية لابناء المجتمع، ولا يتحقق هذا الهدف بوضع أي قانون کان، فبعض القوانين يُحَقِّق الهدف المذکور جيداً فيقال إنّها قوانين نافعه مفيدة، وبعض آخر عاجز عن ذلک أو يسدُّ طريق تحققها، مثل هذه القوانين تکون ضارة، وبعبارة أخری لا يمکن النظر الی الحقوق کتوافق محض وبدون أساس، فيجب وضع القوانين الحقوقية والاجتماعية علی اساس المفاسد والمصالح الواقعية.في هذا السياق وضعت مجموعة من القوانين مع الالتفات الکامل للمفاسد والمصالح ولذا تعتبر صحيحة، بينما سنّت مجموعة أخری بدون ملاحظة للمصالح والمفاسد ولذا تعتبر خاطئة وغير صحيحة، القوانين إذن فيها الصحيح وغير الصحيح.و حالة الندم التي تنتاب المقنين أحياناً من وضع قانون ما ومبادرتهم لالغائه ونسخه لوقاية المجتمع من اتساع رقعة الاضرار الناجمة من تنفيذه ومصادقتهم علی قانون جديد، تشير الی ان القانون ايضاً يمکن أنْ يکون خطأ وغير صحيح، ويکون ذلک حينما لا يواکب ولا يوافق المصلحة الواقعية. باختصار: إن الإنشاء والاعتبار، الجعل والوضع والأمر والنهي هي بعض افعال الانسان التي تلاحظ الواقعيات نفس الأمرية، ولو لم تؤدَّ علی اساس واقعي لم يتحقق هدف الحقوق، وبعبارة أوضح: إنَّ الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية، وهذه الملاکات ليست تابعة لعلم وجهل وارادة وعدم إرادة أي انسان أو فئة، إذن حتّى لو تم بيان القانون بصورة انشاء محض، فانه يلاحظ الواقع الخارجي أيضاً تحت غطاء الإنشاء والوضع.لا يُتوهّم من هذا الکلام إنَّنا نتقبل عقيدة أنصار الحقوق الطبيعية أو العقلية أو الالهية بصورة کاملة، او نعتقد ببطلان عقيدة مذهب >الپوزيتيفيستيک< والمذهب >التاريخي< طراً، فلا شک أنّ کل نظام حقوقي يستنتج من مجموعة من المفاهيم الاعتبارية، وکلما دار الحديث عن قانون حقوقي کان الکلام عن الامور الاعتبارية التي وضعها واضع بشري أوفوق البشر، ويکون معتبراً ـ الی حدٍ ما ـ لمدّة، وکثيراً ما يتعرّض اللاحقة أو تلک الشريعة نفسها، إلّا أن النقطة المهمة هي أنَّ المصالح والمفاسد ثابتة في المرحلة السابقة لاعتبار القانون، وبتعبير متأخري الاصوليين الاسلاميين يمکن القول ان المصالح والمفاسد الواقعية او ملاکات الاحکام (اُسس الحقوق) أحکام شأنية، أي هي قانون لکنها لم تصل الی مرحلة الفعلية، وقانونيتها الفعلية تبدأ عند انشائها وتبلّغ عن طريق المرسل وتصل الی الناس، وعندها يتبدل الحکم الشأني الی الحکم الانشائي، ثم الی الحکم الفعلي والمنجز. الرؤية المعتدلة يمکن القول: إِنَّ رؤيتنا المختارة رؤية وسطية ومعتدلة لا افراط فيها ولا تفريط، إذ إنّها لا تنفي الترابط والعلاقة الواقعية بين السلوک الاجتماعي لافراد الانسان وبين النتائج المترتبة عليها ولا تغفل عن دور الاعتبار في نظام حقوقي.نعم، هناک واقع وراء الاعتبار لا يقع ـ طبعاً ـ في دائرة الحقوق، بل مقدَّم عليه، وهو السند لصحته وصلاحه.و للمتکلِّمين الاسلاميين کلام شهير من المناسب ذکره لتوضيح الموضوع بصورة أفضل، إنَّهم يقولون: «الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية» ويعني إنّ التکاليف التي وضعت من قبل الله تعالی في الشريعة المقدسة ألطاف الله بحق عباده لکي يتعرفوا علی واجباتهم العقلية.توضيح ذلک: لو امتلک العقل البشري القدرة والکفاءة في معرفة وتمييز المصالح والمفاسد الواقعية لأدرک درجة التاثير الايجابي للصلاة، الصوم، الحج، الزکاة والواجبات الشرعية الاخری في اکتمال النفوس ونيل السعادة الابدية، ولأدرک کيف يجر الربا، القمار، شرب الخمر والمحرمات الالهية الاخری أفراد الانسان الی التسافل معنويا ويفسد حياتهم، عندئذ يعمل الانسان بالواجبات تلقائياً وبدون أمر ونهي إلهي ويحترز عن المحرمات. ولکن العقل البشري قاصر ـ في اغلب الموارد ـ عن إدراک وفهم المصالح والمفاسد ولو ترک افراد الانسان مع هکذا عقل قاصر عن معرفة الحقائق لضلّوا وتاهوا، ولم يفلحوا في مسيرتهم، وعجزوا عن تحصيل المزيد من مصالحهم الدنيوية والاخروية، وقد منّ الله تعالی علی عباده بان ارسل الرسل وانزل الکتب، وانقذهم من الحيرة والتيه وهداهم الی طريق الکمال والسعادة باوامره ونواهيه وإلزاماته وتکاليفه.و القوانين الحقوقية في الاسلام بوصفها جزءاً من الاحکام الشرعية ليست مستثناه من هذه القاعدة، أي انها مستندة الی المصالح والمفاسد الواقعية، ولکن بما ان العقل الانساني لا يکفي للکشف عن المصالح والمفاسد، وکثيرا ما يضعف دافعه للعمل باحکامه شرّع الله سبحانه القوانين الحقوقية، وأنزلها مقرونة مع الترغيب والتحذير، وأعلم افراد الانسان بالعقوبات المترتبة علی مخالفة تلک القوانين، لکي يعملوا جيداً بواجباتهم، ويکون لهم دافع قوي لِاطاعة القوانين الاجتماعية، وهذا يمثِّل غاية في اللطف والرحمة والرعاية لِلعباد.باختصار: إنّ الرؤية التي نتبناها، والتي تقوم علی أساس من أصول عقيدتنا الإسلامية ـ في مسألة وجود اسناد تکويني للحقوق وعدمه ـ هي أن جميع القوانين الحقوقية اعتبارية ولکنها ذات جذور في الواقعيات نفس الأمرية، وتکون تلک الواقعيات اسس الحقوق لا نصّها. منشأ اعتبار القانون وشرعيته المعتقدون بالواقعية نفس الأمرية للحقوق، ويرون المقنن ـ في الحقيقة ـ کاشفاً عن مجموعة القوانين التکوينية الواقعية، أي أنصار الحقوق الطبيعية والعقلية يصرِّحون بان اعتبار القانون أمر ذاتي له، وليس قابلاً للجعل من قبل شخص ما فهو کالقوانين الهندسية التي لها اعتبار ذاتي، ولم تعتبر من قبل شخص أو أشخاص مثل>اقليدس<، وقوانين الهندسة حتی لو اکتشفها غير >اقليدس< لکانت معتبرة. إن اعتبار کل حکم تکويني وحقيقي يکون من قبل نفس الحکم، فان دل علی الواقعيات بشکل صحيح کان معتبراً وصحيحاً، وإنْ لم يتطابق مع الامور الخارجية لم يکن معتبراً وصحيحاً. فعند هؤلاء تکون الأحکام الحقوقية مثل الاحکام التکوينية والحقيقية، وعليه لو کانت صادقة في الکشف عن الواقع فانها معتبرة وصحيحة، وإلّا فانّها غير معتبرة، ولکن بما أنّ الناس يجهلون صحّة الأحکام الحقوقية وسقمها فانهم يضطرون لانتخاب «مقنن» اکثر خبرة وعلماً من بين الحقوقيين، ويطالبونه بالکشف عن المصالح والمفاسد الواقعية لوضع القانون المناسب لتنظيم شؤونهم الاجتماعية، وما ذلک سوی رجوع الی المختص، ويسري ذلک في مشکلات الحياة کُلِّها، فردية کانت او اجتماعية.و في المقابل يقوم انصار الحقوق الالهية بسلب أي اعتبار ذاتي من القوانين الحقوقية ويقولون: إنّ اعتبار القوانين الحقوقية تنشأ من الله تعالی ، فانه هو الواضع لها وهو المنشأ لاعتبارها، وعليه يتوقف اعتبار النظام الحقوقي الحاکم علی المجتمع علی انتهائه بالله سبحانه.و فلاسفة الحقوق التحققية والتاريخية يجعلون الناس بديلاً لله سبحانه ويقولون: إذا رضي الناس بقانون فانه معتبر بذلک، ولو وضع قانون ـ مع ملاحظة جميع المصالح والمفاسد ـ ولکنه لم يتطابق مع رغبة الناس فانه ساقط من درجة الاعتبار تماما، وبتعبير أوضح ان شرعية القانون هي عين قبوله.
ارسال التعليق