الاخبار
الدراز والعوامية: اذا الشعب يوما أراد الحياة ......+ فيديو
جمال حسن
ليس من الصدفة أن يكون التوقيت واحد وشكل الهجوم واحد والهدف واحد، بين ما يدور في الدراز غربي العاصمة البحرينية المنامة وبين ما يدور في العوامية بالمنطقة الشرقية حيث الهجوم المباغت للمئات من أفراد القوات الأمنية الخاصة مدعومين بعشرات السيارات العسكرية والآليات المصفحة وعشرات المسلحين ليعيثوا الفساد والدمار ويستبيحوا النفوس دون أدنى رحمة، قسم في مهاجمة الأحرار من أبناء البحرين المعتصمين في "ميدان الفداء" بالدراز فجراً، والقسم الآخر مستغلة ظلام الليل لمهاجمة وأعتقال عددا من النشطاء ودعاة حرية الرأي بهدف إخلاء قسري لحي"المسورة" - مسقط رأس عالم الدين الشهيد الشيخ نمر باقر النمر الذي أعدمته السلطات السعودية بقطع الرأس حرابة بداية العام الماضي بتهمة "الخروج على الولي" - والتي صدر قرار من وزارة الداخلية بهدمها حيث قطع عنها التيار الكهربائي دون سابق إنذار وبحماية قوة عسكرية كثيفة مدججة بالسلاح. الهجوم الأخير على المجتمعين بصفوف متراصة في ساحة الاعتصام حول منزل المرجع الديني البحريني الشيخ عيسى قاسم للحيلولة دون إعتقاله من قبل السلطات الخليفية بعد أن أصدرت أمراً ملكياً بإسقاط الجنسية عنه بدوافع سياسية طائفية بحتة، خلف عشرات الجرحى والمصابين بالدراز إثر إستخدام القوات المهاجمة للرصاص الحي والأسلحة المحرمة دولياً كالغازات السامة ورصاص الشوزن نقل البعض الى المستشفيات في حالة حرجة، الى جانب اعتقال عدد من الشباب النشطاء؛ كان قد سبقه هجوم آخر قبل أسبوعين على حشود المتواجدين في "ميدان الفداء" أصيب ايضاً عدد من الشباب المستميت بالدفاع عن رمز البحرين الوطني والديني وأنموذج حراكه السلمي .
المنطقة الشرقية هي الأخرى شهدت قبل شهر هجوماً آخر لاعتقال شباب بتهمة تورطهم في إختطاف قاضي دائرة الأوقاف والمواريث في القطيف الشيخ محمد الجيراني من أمام منزله ببلدة تاروت - حسب اعلان وزارة الداخلية، وهو ما نفاه عوائل المتهمين بل والمتهمون انفسهم بالصوت والصورة وجهات عديدة في المدينة كاشفين عن أن هؤلاء الثلاثة يعدون من أبرز النشطاء المعارضين لأسرة آل سعود الحاكمة . الصمود والمقاومة، التعاون التآزر، الاستبسال والتضحية؛ هي منار ومشاعل الحركة الشعبية السلمية المعارضة لسياسة البطش والتمييز الطائفي التي تنتهجها سلطات المملكة الكبرى ويتبعها نظام أختها الصغرى أنبطاحاً جاعلاً من البحرين ساحة إختبار لسياسة ولي العهد السعودي محمد بن نايف وزير الداخلية في إمتحان السبل الكفيلة لردع الحراك الشعبي المطالب بحرية الرأي والإصلاح والتغيير والمساواة والعدالة بين مختلف طبقات المجتمع بعيداً عن التمييز الطائفي والعرقي وتكفير الآخر . عشرات الآلاف من الرجال والنساء والشباب والشيوخ وحتى الأطفال من أصلاء الشعب البحريني وأصحاب الأرض نزلوا الى شوارع مختلف المناطق والبلدات دفاعاً عن رمزهم الوجودي الديني والوطني، لابسين الأكفان إستجابة لدعوة علمائهم والقوى الوطنية المعارضة، رافعين شعار "لا نرهب الموت" وواضعين أغلى ما يملكونه بين كفيهم ليقدمونه على طبق الاخلاص قرباناً للدين والشريعة والعزة والكرامة وإحقاق حقوقهم المسلوبة، غير مبالين بإستهدافهم من قبل أزلام أسرة آل خليفة بمختلف الأسلحة البريطانية المحرمة دولياً والتي تخلف الكثير من العاهات راح ضحيتها عشرات الأبرياء حتى الأطفال الرضع الذين لم تتجاوز أعمارهم الأشهر الأولى خنقاً بالغازات السامة بسبب إستخدامها المفرط من قبل قوات النظام الخليفي على المناطق الآهلة بالسكان ظلماً وجوراً . التحركات العسكرية المريبة والمتراكمة التي تقوم بها الحكومة السعودية مستهدفة مدينة العوامية هذه الأيام، بإعتبارها قلب التحركات الشعبية المطالبة بالحقوق المسلوبة منذ عام 2011، تمهد لمداهمات عسكرية غير مسبوقة، حيث شددت من تواجدها العسكري، وزادت من إقامة نقاط التفتيش على مداخل المدينة الثائرة التي يقطنها عشرات آلاف السعوديين الأصلاء، بذريعة هدم حي"المسورة" ذلك المعلم التاريخي التراثي والثقافي الهام - كما أفعال السلطة في هدم الأثار الاسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة بذرائع التوسعة - لما ينطوي عليه من تجاوز على القوانين المحلية والدولية التي تمنع هدم التراث الثقافي؛ بهدف إركاع وإذلال أبناء العوامية أولاً والمنطقة الشرقية برمتها ثانياً كي لا يعلو صوت فوق صوت القبضة الحديدية للسلطة الجائرة وسلبها للموارد النفطية وثروات المنطقة وحرمان أهلها من أبسط حقوق العيش والمواطنة بسياسة البطش الطائفي القائمة منذ الدويلة الأولى لآل سعود على بلاد الحجاز، والتي تزداد ديكتاتورية وظلماً وفرعنة وتمييزاً وحقداً وكراهية للمواطن الآخر . سياسة النفاق والبطش الطائفي القائمة في البحرين ضد الغالبية المطلقة من أصحابها الأصليين، هي إنعكاس للصورة ذاتها التي يعاني منها أهلنا وأشقاؤنا في المنطقة الشرقية، حيث الاعتقال والتعذيب والقتل والتشريد والتبعيد وسحب الجنسية على الهوية الطائفية (مجلس الشورى السعودي(غير المنتخب) يدرس مقترح وزير الداخلية بسحب الجنسية من المعارضين) لا يختلفان لا بالصورة ولا بالطريقة المستبدة في التعامل مع أبسط مطالب الشعب الذي يعاني الحرمان المدقع فيما يعيش على كنز كبير من الذهب الأسود . أهالي الدراز ومنذ أكثر من 140 يوماً يعانون "حصار في أسوأ صوره" حيث محرومون من سبل العيش الكريم، حيث تمنع السلطات الأمنية شركات المواد الغذائية من دخول البلدة التي يقطنها حوالي 30 ألف نسمة لتزويد المحلات التجارية، لكن سكانها وأهالي البلدات المجاورة يتجاوزون هذه المحنة العصيبة ويواصلون إعتصامهم المقام حول منزل قيادتهم الدينية والوطنية بتعاطفهم وتعاونهم وتكاتفهم وتضحياتهم بالغالي والنفيس لردع أي مكروه تنوي القيام به سلطة المنامة ضد الشيخ عيسى قاسم مهما كلفهم ذلك من الأثمان . أكثر من ٦٠٠ أسرة تسكن قرية "المسورة" هي الاخرى تعاني المرّ حيث حرمانها الكهرباء وتضييق الخناق السلطوي على الآلاف من سكانها لترك منازلهم عنوة دون توفير بديل مادي مجزي أو عيني كبيوت بديلة، تأتي إنتقاماً من أبناء العوامية على خلفية المواقف الثورية المعارضة للدكتاتورية السعودية والمتعاطفة مع المعتقلين وعوائل الشهداء ؛ لكن سرعان ما أطلق أبناء المنطقة "لجنة مساندة الأسر المتضررة"، تعمل على تأمين سكن للأسر المتضررة بشكل عاجل واستقبال جميع أنواع التبرعات النقدية والشقق والمنازل السكنية الفارغة حتى انتهاء المشكلة. التكاتف والتعاون والتعاطف الأهلي هذا يعيد للأذهان تشكيل "لجان حماية المواطن" وتضحيات أفرادها في الدفاع عن الأهالي أمام الارهاب التكفيري المدعوم من السلطة وشخص ولي العهد "بن نايف"، بعد أن عصفت بالمنطقة سلسلة تفجيرات انتحارية العام الماضي إستهدفت المساجد ودور العبادة والحسينيات راح ضحيتها عشرات الشهداء الأبرياء... ولعل الأمور لن تقف عند هذا الحد إذا ما واصل النظامان البحريني والسعودي الظلم والجور والتمييز الطائفي لتتسع رقعة الحراك ولن يتمكن أحد من التصدي له، وكما قالها الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي: إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
ارسال التعليق