الذي لم يقله بن سلمان في واشنطن وسيعلنه ترامب بالرياض
علي الدربولي
الخلفية الفكرية للأمير هي خلفية إسلامية-وهابية، نشوءا وتربية على المستوى الوطني، ونفوذا على مستوى الدول الإسلامية ولكن : هل يستطيع الأمير أن ينفد بجلد فكره هذا من سمة التطرف،أو (مثلبته): تكفيرا وإقصاء للآخر المخالف، حتى لو كان مسلما على غير مذهب، ما اتسم به الفقه الوهابي؟
صدّر الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” ولأول مرة بهذا الوضوح، عبر مجلة ذي-إتلانتيك الأسبوعية في عام 2016، نقدا عميقا للسعودية عبر استهدافه الفكر الوهابي المنتج للتطرف، الذي تعمل السعودية على تشميله مجتمعات أكبر الدول الإسلامية في آسيا، وحمل السياسة السعودية مسؤولية ذلك. لكننا، وفي نفس السياق أيضا، نرى بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة أن مسؤولين في البيت الأبيض يقولون بأن الرئيس “ترامب” يأمل بتعاون السعودية في مكافحة التطرف …. لكن المفارقة تتركز في أن الرئيس ترامب:
سلك سلوكا سياسيا غير الذي سلكه سلفه “أوباما” فلم تكن من تسويقاته السياسية أثناء حملته الإنتخابية، تلك الإتهامات الحادة للمملكة السعودية بخصوص رعايتها للفكر الإرهابي مثلا، بل كان يركز على المال، وهو الرأسمالي الذي يريد أن ينتقل إلى (العولمية) الرأسمالية، دامجا مصالحه الخاصة بمصالح الدولة، لذلك كان المال هدفه الرئيس، وكان هدفه تحصيل بدل حماية ورعاية بمليارات الدولارات الأميركية من السعودية ودول الخليج التي تقبع تحت عباءة أميركا بوجهيها السياسي والعسكري.
أعتقد هنا، في هذا السياق، أن الحملة التي قامت بها السعودية لتحسين صورتها، في أميركا خصوصا، قد نجحت عندما كان المال والتلويح به العصب الرئيس لتلك الحملة…وأن زيارة الأمير السعودي الناجحة لأميركا و تخصيص السعودية بأول زيارة للرئيس الأميركي خارج بلاده، يفصحان بالقدر الكافي عن مرتسمات نجاح السعودية بجذب (الكاوبوي) الأميركي إلى حيث يهوى. طبعا بمساعدات (لوبيات) ضغط أميركية تاريخية، سياسية واقتصادية، ربما كان على رأسها منظمة (أيباك) الصهيونية، وما يرجح ذلك هو ذلك الإنجراف السعودي الرسمي تجاه (إسرائيل) ما يمكن أن يكون بمثابة الثمن الذي على السعودية دفعه لقاء دفن تداعيات تنظير الرئيس السابق”أوباما” بخصوص دور السعودية في عملية أخذ الإسلام يمينا إلى حيث تتلبسه مفاهيم التطرف والتكفير والإرهاب؟!
في السياسة: رأينا الأمير “محمد بن سلمان” في المقابلة الأهم مع الصحفي السعودي المقرب من دائرة القرار “داوود الشريان” يوم الثلاثاء بتاريخ 2/5/2017م قد رجح مقاربة الملف الإقتصادي أولا، عبر الإنفتاح الكبير والطاغي عليه، بحيث فهم منه أن إفقار، إذا لم نقل إفلاس، المملكة من شبه المستحيل، بحسب الأمير، نظرا لوفرة الثروات الباطنية التي ستأخذ حيزا وافيا من خطط الإستثمار، ومعها مبيع 5% من الأسهم خاصة المملكة من جملة أسهم شركة”أرامكو”، والتي يتوقع أن تكون عائدات الثروة الاستراتيجية على المدى الطويل حوالي الـ(تريليون ونصف التريليون) من الدولارات.؟!. في هذا المناخ بذرت بذور الوعود بالرفاه المؤمل للشعب السعودي…فهل حقا وعموما، سيتفاعل الشعب السعودي لوعود، ويتحرر من العبء النفسي الذي بدأ يضغط على وعيه منذ بداية أحداث (الربيع الأحمر العربي)؟ كلنا يعلم كيف أن الملك السعودي الراحل “عبد الله بن عبد العزيز″ كيف عاد على عجل إلى البلاد من رحلة له في الخارج، بغية فتح كيس (بيت المال) ونثر النقود على شكل رواتب إضافية ومنح لمعظم أفراد الشعب السعودي العامل، والمعتبر بحكم العامل، بحيث لم يكن لذلك تفسير مقنع سوى أن هذا (الفيض) النقدي ليس سوى تلويحا بعصا المال لشراء صمت وتفاعل الشعب مع الأحداث العظيمة التي تدور حوله في دنيا العرب؟ ولقد نجح الملك في حينه، حيث أفلحت حتى تاريخه هذه الحركة الإستباقية لسياسة المملكة، ولتحصينها من الإهتزاز، كان التدخل السياسي-المذهبي التحريضي في سورية وإعلان الحرب على اليمن، ليتحقق المراد، وهو عسكرة الشعور الشعبي المتأجج وحسم خياراته عبر حشو دماغه بمقولة: أن السعودية ونظامها الملكي أولا ومن بعد ذلك الطوفان، ولو أدى الأمر إلى هدر ثروات المملكة عن بكرة أبيها- والتي من المفترض أن تكون ثروات الشعب- في شراء الأسلحة بمليارات الدولارات، لتغذية الحرب،بدل برامج الأرتقاء بالمستوي المعيشي لعامة الشعب وتغذية السلم؟!، وليس تغذية وسائل بث دعاية ضخمة يقصد منها إخافة المواطن السعودي مما يجري حوله من صراعات، على اعتبار أن أمن هذا المواطن لا يتحقق إلا إذا تم الذهاب إلى مواطن الخطر التي تهدد المملكة، والمفترضة ربما(تاريخيا) في الدول العربية ذات الأنظمة السياسية المعادية أو النقيضة للنظام الملكي،وقبلها ذات المذاهب الإسلامية المختلفة؟! وعلى هذه القاعدة رأينا كيف أن “إيران” بالنسبة للأميرفي مقابلته التلفزيونية ، قد فاقت في عدائها للسعودية، كما يحسب السعوديون، كل عدو آخر، حتى(إسرائيل)، ولعلها باتت العدو الوحيد الذي يجب الذهاب إليه وقتاله في عقر داره، قطعا لدابر تمدد مذهبيته، وتضييقا على نفوذه، وكأنما المملكة لا تعمل على نفس الشيء. هذا إذا ما سلمنا ،جدلا، بالمنطق السعودي؟!مذهبيةً، ونفوذا.؟!
لنقرأ مثل هذه الفكرة، أو هذا التوجه في غير مكان:
يقول قس كنيسة سان أنطونيو”حجر الزاوية” في تكساس الأميركية المدعو “” Hagee John”جون هاحي:
أولاعن الإسلام:
في 20 سبتمبر 2006/ طبعة الهواء النقي الوطني للإذاعة العامة/ ناقش “هاجي” الإسلام قائلا: “أولئك الذين يعيشون في القرآن لديهم ولاية الكتاب المقدس لقتل المسيحيين واليهود … فإنه يعلم ذلك بشكل واضح جدا. ” ثم توجه إلى وصف التهديد العسكري الذي يطرحه أولئك الذين يتبعون الكتاب الإسلامي بحسب تعبيره: “هناك 1.3 مليار شخص يتبعون العقيدة الإسلامية، لذلك إذا كنت تقول أن هناك 15 في المئة فقط الذين يريدون المجيء إلى أمريكا أو غزو إسرائيل لسحقها ، فإنك تتحدث فقط عن 200 مليون شخص، وهذا أكثر بكثير من هتلر واليابان وإيطاليا وجميع قوى المحور في الحرب العالمية الثانية كانت تحت السلاح .”
* أراه هنا يحسن الظن بالمسلمين فيما يتعلق بردة فعلهم بحده الأقصى، الذي يقدر بأنه حتى تاريخه لن يحصل، على ظلم (إسرائيل) للفلسطسينيين، أما بالنسبة لتهديد أميركا فهذا أمرلا يعدو كونه (تحمية) وشحن غرائز عدوانية ضد المسلمين يراد منها أن تصب لصالح أي عدوان قامت وستقوم به (إسرائيل) ضد العرب والمسلمين، وبيت القصيد هنا هو”إيران”؟!
ثانيا عن غزو إيران:
وفي نفس سياق دعمه لـ(إسرائيل) يقول القس الأكبر “جون هاجي”عبر شبكات البث التلفزيوني والإذاعي التي تدخل بيوت /150/ مليون عائلة أميركية:
“حان الوقت لأن تتبني أميركا كلمات السيناتور “جوزيف ليبرمان” وتفكر بتوجيه ضربة عسكرية استباقية ضد إيران لمنع حدوث محرقة نووية في إسرائيل وهجمات نووية في أميركا”
في هذا الصدد أعتقد أن الرئيس الأميركي سوف يتبع الأسلوب الذي يوفر عليه كثيرا من المال، وبنفس الوقت كثيرا من الدم الأميركي، عندما يشجع السعودية ومن (تمون عليهم من المسلمين)على (غزو) إيران بالطريقة التي تتفق واقتراح القس الكبير “جون هاجي”. هل ستتم مناقشة هذا الأمر إبان زيارته إلى المملكة في نهاية هذا الشهر؟ الجواب الراجح نعم، إذا ما اعتبرنا ما أعلن عنه الأمير ولي ولي العهد الملكي وزير الدفاع السعودي، مقدمة تشجع الرئيس “ترامب” على مناقشة موضوع (غزو) إيران في عقر دارها.؟! عندها يتحقق لعتاة داعمي (إسرائيل) ما يخططون له، ومن ثم ينحرف الجهد العالمي عن محاربة الإرهاب (الداعشي) إلى محاربة (الإرهاب) الإيراني… القصة التي سوف لن تنتهي إلى يوم القيامة. والله أعلم ؟!
لهذا السبب ولغيره كانت استراتيجية الحليف الأكبر ، في دعم الجماعات المسلحة في تلك البلدان التي تعارض مشروعه، ومدها في حربها، خاصة في سورية، بالمال والسلاح والرجال، عن طريق دول حليفة، أو مباشرة عن طريق شخصيات سعودية، اجتماعية و دينية شبه رسمية.
*شدد الرئيس الأميركي “ترامب”في مؤ تمر صحفي، أجراه الخميس الفائت، على أن جولته الخارجية الأولى ستبدأ بزيارة المملكة العربية السعودية مضيفا”أن المملكة راعية أقدس الموقعين الإسلاميين ، ومن هناك بالضبط سنبدأ مع حلفائنا المسلمين(ماعدا إيران طبعا)إنشاء أرضية جديدة للتعاون ودعم جهود مكافحة الإرهاب والتطرف وظواهر العنف”
بالضبط هذا الذي لم يتحدث عنه الأمير الشاب”محمد بن سلمان” في المرة الأولى حين زيارته الأخيرة إلى أميركا، اقله إعلاميا، وفي المرة الثانية حين أجرى مقابلته الهامة مع الصحافي “داوود الشريان” على شاشة فضائية إم بي سي السعودية الخاصة.
إضاءة:
*إن إعلان الرئيس الأميركي عن نيته بحث أفضل السبل والتحالفات لمكافحة الإرهاب والتطرف وظاهرة العنف إبان زيارته للمملكة السعودية، يشي بأمرين :
الأول :
هو أن الرئيس في الملف الإقتصادي قد حصّل (دفعة على الحساب) اثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان لأميركا، إذ كان أول غيث ذلك استعداد السعودية على لسان (مليكها المستقبلي) لاستثمار مايتي مليار دولار في أميركا. إلا أنه سيطلب المزيد أثناء زيارته هو للمملكة السعودية. تقول صحيفة الوطن الكويتية الصادرة يوم السبت 6-5-2017 ” أن واشنطن تعمل لإبرام عقود مبيعات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات مع المملكة العربية السعودية”
الثاني: بعد أن يتم تأمين الشق الإقتصادي المرضي بالنسبة لرجل الأعمال رئيس الدولة “ترامب” سيكون لا بد من الإعلان عن العزم على تشكيل التحالفات الضرورية والعريضة مع المسلمين، بغية مكافحة الإرهاب؟!، علما أن استجابة المملكة العربية السعودية لوحدها لهذا المرمى، ستكون كافية، لو فعلت! لأن منابع التطرف بأشكاله التي تغزو العالم باسم الإسلام، تستقر مرجعياتها في الربوع الجغرافية للمملكة، حيث يقوم على تغذيتها أشخاص المؤسسة الوهابية التاريخيين، والذين لا يمكن بمجرد جرة قلم أميركي أو غيره، وبكل بساطة، أن يذعنوا لما يدور في أذهان من يريد امتطاء حصان العولمة عبر تدمير قوام فكرهم المتشدد الذي يعتبرونه المدخل الوحيد والناجز لإحياء الإسلام، خلافة ومنهجا.؟!
ما تقدم بخصوص مكافحة الإرهاب، ربما كان كافيا لإحجام ولي ولي العهد السعودي عن التعرض الصريح له، في كل مقارباته السياسية لهذا الملف؟! بانتظار أميركا كي تأخذ قصب السبق في هذا المضمار، الأمر الذي يشكل مظلة سياسية كافية بالنسبة للسعوديين كي ينضموا إلى حرب “ترامب” المعلنة على الإرهاب. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى،ربما ، لا تريد المؤسسة السياسية في السعودية الإصطدام مع المؤسسة الوهابية، فكان التلويح بالعصا الأميركية خير مخرج، من حيث كون ذلك تخفيضا لنسبة الإحراج الذي لا بد ستحس به تلك المؤسسة، عندما تطلق أول رصاصة، بدون دافع سياسي، على جسد الإرهاب.
*الأمر الذي يترسخ الآن هو:
حرف الجهد العالمي-الإسلامي على وجه الخصوص- عن محاربة إرهاب(داعش وجبهة النصرة) ومرجعية ذلك قرارات الأمم المتحدة، إلى محاربة”إيران” دون أي مرجعية، لأمرين:
-تدمير بنية الإتفاق النووي معها، بحسب ما ترغب “إسرائيل”
-إزالة عقبة التهديد المذهبي من طريق الوهابية السعودية، بحسب ما تسوق وترغب “السعودية.
-غياب القضية الفلسطينية عن حروف اللغة السياسية العالمية، وخلجات الضمير العربي-الإسلامي غيابا أعمى؟!
ارسال التعليق