السعودية تتحكم بالمجلس العسكري السوداني
دخل صراع القوى السوداني بين الثوار المدنيين والجيش أسبوعه الثالث. وتم تنحية رئيس البلاد “عمر البشير” بنجاح، وخلفه بعد ذلك الجنرال “عوض بن عوف”، الذي تنحى لاحقا لصالح حاكم السودان الحالي بقوة الجيش، الجنرال “عبد الفتاح البرهان”.
ورغم أن القيادة الجديدة أعلنت إصلاحات، إلا أن الناس يواصلون التظاهر في الشوارع، ويقولون إنهم سيواصلون الاحتجاج حتى يتم تلبية مطالبهم. وأثارت حالة عدم اليقين هذه عصبية وتوتر وراء البحر الأحمر. فبعد فترة وجيزة من الإطاحة بـ”البشير”، أعلنت حكومتا الإمارات والسعودية عزمهما دعم الجيش السوداني. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن البلدان تخصيص مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار للسودان، بما في ذلك مبلغ نقدي قدره 500 مليون دولار يتم إيداعه مباشرة في البنك المركزي السوداني. وسيتم تسليم الباقي في صورة أغذية وأدوية ومنتجات بترولية.
علاقات الرياض مع السودان
يقول المحلل السياسي والخبير في القرن الأفريقي، “توبياس سايمون” إن السعودية حافظت على اهتمامها بالسودان لفترة طويلة. وأضاف لـ”دويتشه فيله”: لقد دعمت حكومة الرياض النظام السابق نظام البشير. وتمكنت دائما من شراء الموالين هناك.
وفي بداية العام، حول السعوديون نحو 2.2 مليار دولار إلى نظام “البشير”. ويرتبط السودان بالمملكة أيضا اقتصاديا وعسكريا أيضا؛ حيث تشارك الخرطوم في تحالف عربي بقيادة السعوديين في اليمن ضد التمرد الحوثي.
ووفقا للخبير في شؤون الشرق الأوسط “ديفيد كيركباتريك”، فإنه بحلول 2018، كان نحو 14 ألفا من الجنود السودانيين قد شاركوا في معارك ضد الحوثيين. ويعتبر هذا الصراع، الذي يدور في أقصى الجنوب من شبه الجزيرة العربية، حربا كلاسيكية بالوكالة.
المتظاهرون متشككون
ويقول “سايمون”: يريد السودان مواصلة المشاركة في هذه الحرب. ويؤكد البرهان أن الجنود السودانيين ما زالوا حاضرين في التحالف العربي، وهو أحد الأسباب وراء التعهد السعودي بدعم الجيش السوداني. لكن المتظاهرين ما زالوا يشككون في نوايا الرياض. وقال عضو الحزب الشيوعي السوداني علي مهجود نظيف إنه من المعقول أن تسعى السعودية لتحقيق مصالحها الخاصة. لكنه يشك في أن المجلس العسكري الانتقالي سيكون قادرا على اتخاذ قرارات السياسة الخارجية بشكل مستقل. وقال: نعرف أن البرهان من بين آخرين شاركوا في نشر المقاتلين السودانيين في اليمن. لقد أظهرت هذه المجموعة التزامها بمصالح السعودية.
كراهية الرياض للإسلام الثوري
ووفقا لمراقبين آخرين، من المحتمل أن تسعى السعودية والإمارات لهدف آخر في الخرطوم. وعن ذلك، قال مدير الأبحاث بمعهد الشؤون الدولية والاستراتيجية ومقره باريس، كريم بيطار، لـ”دويتشه فيله”: تملك كلتا الدولتين كرها طبيعيا للحركات الشعبية. وهما مهتمتان بالحفاظ على الوضع الراهن. إنهم يخشون أن يمتد أي تمرد أو أي حركة احتجاج وطنية إلى مناطق أخرى. وفي محاولة لقمع الثورة الاجتماعية في البلدان الإسلامية، تتكاتف السعودية مع الأنظمة الاستبدادية المحافظة الأخرى، مثل الحكومة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يقوم حاليا بحملة قمع ضد جماعة الإخوان المسلمين. وكانت الجماعة وصلت إلى السلطة في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 2011. ومع ذلك، تمت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013 في انقلاب عسكري. وتم انتقاد نهج حكومة السيسي المتشدد دوليا. ولاقت السعودية توبيخا كذلك بسبب حملة القمع ضد المعارضين، لا سيما في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018.
استراحة من الماضي
ولم يتضح بعد كيف ستتدخل السعودية في السودان. ويعتقد “سايمون” أنه من الممكن تماما أن تتراجع الرياض في الوقت الحالي. ومن الواضح أن المتظاهرين سيستمرون في متابعة أهدافهم؛ فهم يريدون أن يعهدوا بالسلطة إلى حكومة مدنية.
ومع ذلك، هم لا يريدون فقط التأكد من ألا تحتفظ الحكومة العسكرية الانتقالية بالسلطة لفترة طويلة من الزمن، لكنهم يأملون أيضا في منع ممثلي النظام القديم من العودة. ويقول “سايمون”: باختصار، يريدون استراحة نظيفة من الماضي.
ارسال التعليق