السعودية تتقاعس عن دفع مستحقات المستثمرين في مجال التكنولوجيا
سلّطت مجلة فوربيس الأميركية الضوء على تقاعس السعودية دفع التزاماتها المالية تجاه الشركات الناشئة التي جاءت للرياض بوعود الثروة التكنولوجية التي سبق أن أصدرتها الحكومة.
تستذكر المجلة ما قاله وزير الاتصالات السعودي عبد الله السواحة عندما اعتلى منصة مؤتمر Leap tech في الرياض في فبراير/شباط المنصرم للتفاخر بطموحات السعودية التكنولوجية، حيث كان محور العرض يدور حول هدف البلاد من إنشاء 300 شركة ناشئة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي في ثلاث سنوات فقط.
وقال في كلمته: "في العام الماضي، أعلنا عن أكبر مسرع توليد للذكاء الاصطناعي "غايا" (Gaia)، وهذا العام بالشراكة معكم قررنا رفع قيمته إلى مليار دولار تحت رعاية صاحب السمو الملكي".
ووفقاً لمقابلة المجلة مع سبعة من المؤسسين الذين خاضوا برنامج غايا؛ أكدوا أن الحكومة السعودية كانت بطيئة للغاية في التزاماتها المالية - هذا إذا كانت قد التزمت من الأساس. حيث توقع كل مؤسس أن يحصل على 40 ألف دولار من المنح الحكومية و100 ألف دولار إضافية من الاستثمار في الأسهم من شركة New Native، وهي شركة تسريع الشركات الناشئة التي كانت تدير برنامج غايا.
للتوضيح، فإن الهدف من "غايا" كان جذب بعض من أهم مؤسسي الذكاء الاصطناعي، حيث كان من المفترض أن يقوم المؤسسين المشاركين بتسجيل شركة في السعودية والحصول على تأشيرة إقامة لتشجيعهم على البقاء ومواصلة بناء شركاتهم بعد انتهاء البرنامج.
وقد بلغ إجمالي المنح التي لم تتلقاها الشركات الناشئة 4.2 مليون دولار. وقد أفاد خمسة من المؤسسين، ممن أنفقوا عشرات الآلاف من الدولارات على السفر والإقامة للمشاركة في البرنامج الذي استمر 10 أسابيع في الرياض في عامي 2023 و2024، أنهم لم يتلقوا أي أموال على الإطلاق. مقابل ذلك استحصل الفوج الأول من المستثمرين فقط على مبلغ الأربعين ألف دولار من أصل 100 ألف دولار الموعود بها.
وقال أحدهم للمجلة "لقد توقف هؤلاء المؤسسون عما كانوا يفعلونه لقضاء بضعة أشهر في المملكة وأنفقوا أكثر من 20 ألف دولار، وهم يشعرون بالمرارة الشديدة بشأن هذا الأمر"، مؤكداً أن "هذا يبدو سيئا بالنسبة للحكومة السعودية."
قال سايمون أولسون، المؤسس المشارك لشركة New Native، إنه على الرغم من أن لديه خيار الاستثمار في شركات غايا الناشئة، إلا أن الاستثمار لم يكن مضمونًا. قال أولسون: "أعلم أن الأمر ليس مثاليًا وأن هناك الكثير من الأشياء التي نعمل على تحسينها بمرور الوقت في تلك المنطقة"، وتابع "لقد واصلنا دعم هذه الشركات برأسمالنا الخاص وندير البرنامج بدون تكلفة على الشركات الناشئة."
كما لفتت المجلة إلى أن الأحلام السعودية للمؤسسين الذين شاركوا في برنامج جايا قد تلاشت أيضًا. فقد قال مؤسسو غايا إن بعض الشركات الناشئة المشاركة قد انهارت، أو توقفت، في حين أن الكثير منها لا يزال يعاني من إفلاس.
ويبدو أن هذا الإخفاق لن يكون الأخير، لا سيما مع تكشفات انهيار مشروع "ذا لاين" الضخم الذي كان الترويج له يستند بشكل كبير على طوله وكيف سيبدو شكله من الأقمار الصناعية وكيف سيكون علامة فارقة "للسعودية".
وكالة بلومبيرغ عن تراجع عدد السكان الذي كان من المقدّر أن يستوعبها "ذا لاين" -جزء نيوم الأساسي- بما نسبته 75% مقارنة مع الأرقام الأولى التي رُوّج لها.
ووفقا لأشخاص مطلعين على الأمر أفادوا للوكالة أنه بعد أن "كانت الحكومة تأمل في وقت ما أن يكون هناك 1.5 مليون ساكن يعيشون في ذا لاين.. لكن الآن، يتوقع المسؤولون أن يستوعب المشروع أقل من 300 ألف ساكن بحلول ذلك الوقت".
ونتيجة ذلك هو تقلّص مساحة المشروع المُزمع، فبعد أن كان المقرر أن يغطي في النهاية مساحة صحراوية بطول 170 كيلومترًا على طول الساحل، ولكن مع الانسحاب الأخير، يتوقع المسؤولون إكمال 2.4 كيلومتر فقط من المشروع بحلول عام 2030.
وتشير بلومبيرغ وفقًا لوثيقة اطلعت عليها؛ إلى بدء مقاول واحد على الأقل في فصل جزء من العمال الذين يوظفهم في الموقع تبعاً لهذه التبدّلات.
وقال الأشخاص المطلعون على الأمر إن خطط التقليص في ذ لاين تأتي في الوقت الذي لم يوافق فيه صندوق الثروة السيادية للبلاد بعد على ميزانية نيوم لعام 2024 ويظهر أن الحقائق المالية للاستثمارات التي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات بدأت تثير القلق على أعلى المستويات في الحكومة السعودية في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق برنامج رؤية 2030 الطموح، وهي المبادرة الشاملة المكلفة بتنويع اقتصادها.
إلى جانب ما نشرته بلومبيرغ عن استثمار السعودية في شركة لوسيد بوصفها "أكثر رهانات ابن سلمان خطورة حتى الآن". ففي حين أن هذا الاستثمار أتى ليُظهر للعالم كيف يمكن لـ"مملكة" مبنية على النفط أن تجتذب رأس المال الأجنبي لتصبح مركزًا عالميًا لصناعات المستقبل، إلا أن الواقع على المدى القصير أكثر تعقيدا، حيث تستهلك شركة لوسيد بشكل متزايد الأموال السعودية للبقاء في مجال الأعمال، دون تحقيق مكاسب تُذكر. حيث كشفت الوكالة أن لوسيد حصلت على تمويل بقيمة مليار دولار من الحكومة، و 5.4 مليار دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ارسال التعليق