السعودية تدفع الثمن!!
عندما تنقل وكالة الأنباء العالمية "رويترز" عن مسؤول أميركي كبير قوله "إن الولايات المتحدة الأميركية على وشك استكمال سلسلة من صفقات الأسلحة للمملكة العربية السعودية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار، ويمكن أن ترتفع القيمة الـ300 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة لتعزيز قدراتها الدفاعية في وقت تحافظ على التفوق الإسرائيلي العسكري"، فإن علينا أن نصدقها، وأن ننتظر الإعلان الرسمي أثناء زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض السبت المقبل.
في علم الصحافة، لا تأتي مثل هذه التسريبات من قبيل الصدفة، ولا تتعلق مطلقا بمهارة الصحافي الذي جاء بها، فالمخبر الصحافي يكون مجرد المتلقي في هذه الحالة، وان هناك طرفاً اختار إيصال الخبر أو المعلومة في الوقت المناسب له، ولتحقيق الغرض الذي يريده.
إختيار الرئيس ترامب للعاصمة السعودية الرياض لكي تكون محطته الخارجية الأولى بعد توليه الحكم، لم يكن بسبب مكانتها الدينية أو السياسية، أو تزعمها للعالم الإسلامي، وإنما لأنها تستطيع دفع الثمن، أو الرسوم المطلوبة، لا أكثر ولا أقل، وها نحن نتعرف عليه من خلال ما نشرته هذه الوكالة العالمية.
***
لا نجادل في أن السعودية بحاجة إلى الأسلحة، ولكن ليس بهذه النوعية، وليس بهذا الثمن، فالصفقة لا تضم طائرات أميركية من طراز إف 35 الحديثة المتطورة على سبيل المثال لا الحصر، وإنما عقود صيانة، ومنصات سفن، ومظلة صواريخ دفاعية، مثل باتريوت، ولهذا حرص المسؤول الكبير الذي سرب هذا الخبر إلى التأكيد بأن هذه الصفقة لن تمس التفوق العسكري الإسرائيلي.
لا نفهم لماذا يتم التأكيد باسم إسرائيل في هذه الصفقة، والحرص على التأكيد بأن أميركا حريصة على استمرار تفوقها العسكري، فالقدرات العسكرية السعودية، وفي العهد الحالي على الأقل، ليست مخصصة لخوض حرب في فلسطين لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للمقدسات، وإنما لحروب "مفترضة" ضد إيران، ونقول مفترضة، لأن إدارة الرئيس ترامب تستخدم الخطر الإيراني كـ"فزاعة" لحلب الأموال السعودية.
الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، والملك المتوج، لم ينطق مطلقاً باسم إسرائيل أو فلسطين منذ توليه مهام منصبه في أي من تصريحاته ومقابلاته التلفزيونية، ونتحدى أن يأتي من يقول لنا عكس ذلك؟
الرئيس ترامب طالب السعودية ودول الخليج بدفع ثمن الحماية الأميركية لها، فهو يرى كرجل أعمال، وتاجر، أن هذه الحماية لا يمكن أن تكون مجانية، ولهذا جرى الاتفاق، مثلما هو الحال في كل الصفقات التجارية، على طريقة الدفع، وطريقة الدفع هنا تتم عن طريق صفقات، بعضها عسكري، مثلما هو الحال في صفقة الأسلحة هذه، والبعض الآخر استثماري، حيث تعهد الأمير بن سلمان اثناء زيارته إلى واشنطن قبل شهرين، بضخ 200 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية الأميركية على مدى أربع سنوات، هي مدة إدارة الرئيس ترامب الأولى، وربما الوحيدة.
السؤال هو من أين ستأتي الأموال التي ستمكن القيادة السعودية من الإيفاء بهذه التعهدات، تسديد ثمن الصفقات العسكرية؟ فبيع 5 بالمئة من أسهم شركة آرامكو لا يغطي ربع هذه التعهدات، ثم أن العجز في ميزانية السعودية للعام الحالي يقدر بحوالي 84 مليار دولار، يضاف إليها حوالي 13 مليار دولار هي قيمة التراجع عن قرار وقف العلاوات والبدلات لموظفي الدولة.
***
ماذا عن مشاريع البنى التحتية السعودية؟ ماذا عن رفاهية المواطن السعودي؟ ماذا عن دعم السلع والخدمات الأساسية؟
إنها أسئلة صعبة ومحرم طرحها، خاصة من قبل الاقتصاديين السعوديين وأهل الخبرة، لكن يمكن الإجابة بكل بساطة، والقول إنه في ظل تآكل الاحتياطات المالية نتيجة الإسراف في الانفاق العسكري والحربان في سوريا واليمن، والطابور الطويل من الحكام الطامعين بالأموال، ليس أمام قيادة المملكة إلا أحد خيارين، الاقتراض والمزيد منه، من الداخل والخارج، عبر طرح سندات للخزينة السعودية، أو تسييل الأصول، وبيع الشركات العامة في إطار سياسة "تخصيص"، وطرح 5 بالمئة من أسهم آرامكو هي الخطوة الأولى في سلسلة من خطوات مماثلة، تشمل شركات كبرى مملوكة للدولة والشعب والقائمة طويلة.
المملكة العربية السعودية تفقد حالياً أمرين مهمين، الأول هيبتها، أو معظمها، والثاني قوتها المالية الناعمة، وهذه خسارة كبرى من الصعب تعويضها في جميع الأحوال.
بقلم : عبد الباري عطوان
ارسال التعليق