السعودية تزعزع استقرار الشرق الأوسط
قال السفير الأمريكي السابق في السعودية ومؤلف كتاب «دبلوماسي الصحراء: في داخل السعودية بعد 11/ 9»، روبرت جوردان، بأن التركيز على الهجوم ضد المنشآت النفطية السعودية يجب ألا يحجب دور الرياض بتدهور الوضع، بما في ذلك الحرب الكارثية في اليمن. وفي المقال الذي كتبه ونشرته مجلة «بوليتيكو» اتهم جوردان الكونغرس بمساعدة السعودية على زعزعة استقرار الشرق الأوسط، مطالبا إياه بالتوقف عن مساعدتها. وقال جوردان إن هجوم 14 سبتمبر ضد المنشآت النفطية السعودية، كشف عن المدى الذي وصل إليه الشرق الأوسط في اتجاه الحرب، مستدركا بأن التركيز على العدوان الإيراني يجب ألا يحجب الدور السعودي في تدهور الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب الكارثية في اليمن. ويرى الكاتب أن المسارعة لإمداد السعودية بالدعم العسكري سيعطي الإشارة الخاطئة للسعودية، التي أضرت سلوكياتها خلال الأعوام الماضية بالموقف الدولي لأمريكا، وهددت الأمن القومي الأمريكي.
وذكر جوردان أن الكونغرس يدرس حاليا مشاريع لوقف الدعم الأمريكي للحملة التي تقودها السعودية في اليمن، ويجب أن يعلق صفقات السلاح مع السعودية وأشكال الدعم الأخرى، وليس فقط المساعدة في وقف الحرب المرعبة في اليمن، لكن أيضا التوضيح للسعودية بأن عليها تجنب أي خطوة قد تقود إلى حريق إقليمي واسع. وأضاف السفير الأمريكي: «أعلم من تجربتي الشخصية تعقيدات العلاقات الأمريكية السعودية، فقد عملت سفيرا في الرياض ما بين 2001 - 2003، وحتى الآن فإن هذه ربما تعد من أصعب المراحل في العلاقات الثنائية بين بلدينا منذ تسعة عقود، وواجهت في فترة عملي حالة الإنكار السعودية بأن 15 مهاجما شاركوا في 11/ 9 هم مواطنون سعوديون، وغضوا الطرف عن التهديد الذي يمثله التطرف الديني على بلدينا، وكما هو الحال الآن، فإن قادة السعودية رفضوا الاعتراف بالمخاطر التي شاهدها الجميع بوضوح، لكن الآن فإن المخاطر النابعة من السعودية لا تأتي من المواطنين المتشددين، بل من القيادة السعودية ذاتها».
ولفت جوردان إلى أن من بين التحركات الصارخة التي اتخذتها القيادة السعودية خلال السنوات الماضية تحركين ثبتا في أذهان المشرعين والرأي العام الأمريكي، وهما الحملة الكارثية التي قادتها في اليمن، وجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، وتقف القيادة السعودية الحالية وراء هذين العملين، وفي اليمن لم تؤد حرب السنوات الأربع إلى أي تقدم ضد الحوثيين، مع أن القتال تسبب بمقتل آلاف المدنيين، وهدد الملايين بالجوع والمرض، واستخدمت الغارات السعودية والإماراتية، الذخيرة الأمريكية لاستهداف المدنيين بطريقة غير قانونية، وهذا رغم التدريب والدعم الأمريكي الطويل للجيش السعودي». وذكر جوردان أن آخر مقال كتبه خاشقجي حذر فيه السعودية من مواصلة حرب اليمن، ودعاها لإنهائها بطريقة سلمية قبل أن تدمر سمعتها، لقد التقيت أول مرة بجمال عندما كنت سفيرا، وكان يفخر ببلده، ونبعت دعوته للإصلاحات واحترام حقوق الإنسان من رغبته برؤية بلاده مزدهرة، لكنه قتل بطريقة وحشية على يد عملاء سعوديين لانتقاده القيادة السعودية.
وقال الكاتب: كان على إدارة ترامب شجب العملين، حرب اليمن وقتل خاشقجي، والحد من الدعم العسكري للسعودية، إلا أن ترامب وقف مع القيادة السعودية المتهورة، ولم ينتقد انتهاكات بلادها الرهيبة، وزاد من بيع السلاح الذي قتل آلاف المدنيين الأبرياء في اليمن. وأشار إلى أن الوضع القائم يشكل تحديا للرياض وواشنطن، فالحرب في اليمن عززت علاقات الحوثيين مع إيران، بشكل وفر لها حليفا لديه الاستعداد لضرب السعودية ومصالح أمريكا في المنطقة، وعلاوة على هذا فإن الحرب في اليمن منحت تنظيم القاعدة وداعش الفرصة لتعزيز مواقعهما في اليمن وتخطيط هجمات في المستقبل ضد الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية، بل إن الحرب في اليمن أثرت على الشراكة بين السعودية والإمارات وحلفائهما في اليمن، الذين شاركوا معا في قتال الحوثيين، ثم بدأوا الآن يقاتلون بعضهم، وفي ضوء هجوم 14 سبتمبر، فإن على الكونغرس مقاومة الضغط لاتخاذ مواقف متشددة، وعليه مواصلة الضغط، وليس التوقف، للحد من الدعم العسكري الأمريكي للسعودية، ويقوم الكونغرس حاليا بمناقشة قرارات للدفاع من شأنها تعليق الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، وتقديم نوع من المحاسبة لجريمة قتل خاشقجي، بما في ذلك وقف مؤقت لبيع القنابل للسعودية والإمارات.
وأكد السفير السابق على أن تفعيل هذه الإجراءات هو إشارة إلى أن قيم أمريكا ومبادئها ليست للبيع، وستساعد على خفض التوتر في المنطقة لا صب الزيت على النار المتقدة، والوقت حان للتحرك قبل أن يؤدي سوء السلوك السعودي إلى حرب مع إيران تكون أكثر كارثية من الحرب الحالية في اليمن.
وقال جوردان أن وقف صفقات السلاح للسعودية سيكون مجالا لتخفيف التوتر، وإرسال رسالة للسعودية بأنها لن تستطيع الانتصار عسكريا في الحرب، ففي العام الماضي أدى وقف أمريكا عمليات تزويد الوقود للمقاتلات السعودية في الجو لإقناع الرياض بدعم وقف محدود لإطلاق النار ولأغراض إنسانية في ميناء الحديدة، ووقف السلاح سيقنع الرياض بالعودة لطاولة المفاوضات قبل أن يتطور النزاع بشكل يجعل من تحقيق السلام أمرا مستحيلا. وأوضح الكاتب أنه في التعامل مع السعودية وجد الرؤساء الأمريكيون، من روزفلت إلى ريغان، طرقا مختارة للتعاون مع السعودية وحماية المصالح الأمريكية في الوقت ذاته، ومن الناحية المثالية سيعمل الكونغرس والرئيس في مجال السياسة الخارجية، لكن عدم استعداد الرئيس للحد من سلوك السعودية يعني أن الكونغرس يتحمل الآن المسؤولية للتحرك، ولا يستطيع اليمن الانتظار حتى تصحيح الوضع في إدارة جديدة.
وختم جوردان: في حال فشل الكونغرس في التحرك فإن السلاح الأمريكي سيقتل مزيدا من الأبرياء في اليمن، وتتراجع فرص السلام، وسيتجرأ الطغاة في العالم على ممارسة عمليات قتل، مثل جريمة خاشقجي، وستظل الحرب في اليمن مساحة لتقوية الإرهابيين وتقويض استقرار المنطقة.
ارسال التعليق