السعودية والصراع العربي ـ الإسرائيلي 1967 ـ 1970
أيدت السعودية القيادة السياسية المصرية في خطواتها السياسية والعسكرية عشية نشوب حرب 1967، تحسباً لحدوث انتصار عربي قد تتهم بعده المملكة ـ إذا لم تؤيد مصر وسوريا ـ بابتعادها عن المعركة ومع هذا فإن الموقف السعودي لم يتبلور في صورة عمل عسكري رغم الإعلان عنه. وقد أتاحت هزيمة حزيران (يونيه) 1967 ظروفاً موضوعية للسعودية لممارسة دور فاعل في القضايا العربية، لكن ذلك الدور اقتصر على عرقلة اجتماع أو المشاركة في عقد قمة عربية واستغلال الهزيمة التي لحقت مصر في الحصول على مكاسب خاصة بها وبطموحاتها في السيطرة على اليمن وشؤون الجزيرة العربية ودولها كلها. كما كان موقفها من ضخ النفط هو الاستمرار في بيعه للدول الأوروبية والولايات المتحدة وذلك بدعوى أن الحصول على العائدات النفطية سيمكن العرب من الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي.
السعودية والصراع العربي ـ الإسرائيلي 1967 ـ 1970
حسن أبو طالب*
تعد الفترة الممتدة ما بين حرب 1967 وحتى اندلاع الأزمة الأردنية ـ الفلسطينية في أيلول (سبتمبر) 1970. واحدة من أكثر الفترات العربية خصوبة من حيث الأحداث والتطورات التي شكّلت فيما بعد أساس العديد من الأفكار والسياسات العربية. ومع ذلك فإن الدراسات الخاصة بالعلاقات العربية سواء باللغة العربية أو باللغات الأجنبية يكاد ينصبّ اهتمامها الأكبر على دراسة حرب 1967 من زاوية كونها هزيمة عسكرية وسياسية للقيادة الناصرية، التي كانت تتولى عبء قيادة المنطقة العربية. ومن ثم فإن أدوار الأطراف العرب الآخرين في هذه الحرب سواء قبلها أو أثناءها، تكاد تكون مبعدة عن البحث والتمحيص، على الرغم من أن أدوار العديد من هذه الأطراف ساهمت بنسب مختلف في الهزيمة السياسية والعسكرية التي حلت بالدول العربية الثلاث في العام 1967.
إلى جانب هذا الاعتبار فإن الهزيمة وإن بدت في نتائجها المباشرة هزيمة لعدد محدود من الدول العربية. فإنها تعد واحدة من أهم الأحداث التي أصابت المنطقة العربية ليس فقط في عقد الستينيات بل أيضاً طوال عقود أربعة تمثل عمر الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وما زالت آثارها ماثلة للعيان على الصعد العسكرية والسياسية والفكرية والقيمية، بل هي في تقييمات العديد من الدارسين منبع الكثير من التطورات
التي شهدتها المنطقة العربية فيما بعد.
لقد شهدت الفترة التالية للهزيمة خطوات عديدة على صعيد العمل السياسي الجماعي العربي، وعلى صعيد بروز أفكار جديدة تتعلق بأفضل السبل لإدارة الصراع مع إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي العربية. وأدت هذه التطورات إلى إحداث ردات فعل عربية مختلفة وكان للسعودية موقف خاص إزاء هذه التطورات وإزاء جملة القضايا التي برزت خلال هذه الفترة الزمنية.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال هذه المرحلة الزمنية كان قد تأكد إلى حد ظاهر وملموس، الكثير من عوامل الاستقرار السياسي والاقتصادي للنظام السعودي الحاكم بعد أن حُسم الصراع بين فيصل وسعود لصالح الأول الذي صار ملكاً في أيلول (سبتمبر) 1964. لقد أتاح هذا الاستقرار للمملكة ولفيصل شخصياً، ممارسة دور أكثر تأثيراً في القضايا العربية، وساعد على ذلك أن آثار الهزيمة لم تنل من بلاده ومن أوضاعها الاقتصادية والسياسية مثلما الحال في سوريا والأردن ومصر، وبصفة خاصة الأخيرة في ظل قيادتها الناصرية التي لم تعد كالسابق حجر الزاوية في السياسات العربية، في الوقت نفسه الذي بدأ فيه سعي السعودية لأن تكون فاعلاً رئيسياً في تلك السياسات. وفي هذه الدراسة سوف يكون الاهتمام منصباً حول ثلاثة موضوعات رئيسية على النحو التالي:
أولاً: دور السعودية في حرب حزيران (يونيه) 1967.
ثانياً: السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية في إطار العمل العربي المشترك.
ثالثاً: الموقف السعودي تجاه النفط وتوظيفه في خدمة أهداف سياسية عربية.
أولاً: دور السعودية في حرب حزيران (يونيه) 1967
في النصف الأول من العام 1967، لم يكن هناك جديد فيما يتعلق بالانقسام الحاد بين النظم العربية إلى فريقين متنافسين، فريق محافظ وفريق تقدمي. والواقع إن التحالف بين الفريق التقدمي لم يكن متماسكاً بالمقارنة مع وضع التحالف الرجعي، إذ كنت تشوبه الشكوك وانعدام الثقة بين أطرافه أكثر من شعورها بالخطر الذي تهددها به القوى المحافظة. وعندما بدأت نذر حرب 1967 تبدو في الأفق، كانت مصر تتعرض لانتقادات من جانب سوريا بسبب عدم اتخاذ إجراءات فورية ضد إسرائيل بسبب اعتداءاتها على الأراضي السورية. والواقع أن النظام المصري لم يكن متحمساً للدخول طرفاً في تحالف مع النظام السوري الذي وصل إلى السلطة في شباط (فبراير) 1966*، ولكنه اضطر بعد تردد طويل، بفعل الضغط السوفيتي الذي احتضن النظام السوري، والخشية من اتساع الحملة الإعلامية حول (سلبية) أو (تردد) النظام تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا. ولكنه بهذا العمل كان يقدم للرأي العام العربي ما يجعله متعطشاً للمزيد واستعاد النظام العربي فجأة نفسه الثوري. والأسابيع الأخيرة التي سبقت الحرب كانت شاهداً على قيادات عربية دفعت القيادة المصرية دفعاً نحو مواجهة عسكرية خاسرة مع إسرائيل وسدت أمامها فرص التراجع، وإن كان واجباً أن يقال إن القيادة المصرية تصرفت خلال أزمة حرب 1967 وفق تجارب سابقة رغم اختلاف الظروف ووفق مفاهيم لم تعد قائمة أو على الأقل لم تكن حاسمة المفعول في ظل نوعية التحالف والأوضاع السائدة .
وفي أعقاب القرار الذي اتخذته (ج. ع. م) بإغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية في 21 أيار (مايو)، بدأ أن العرب جميعهم، حتى أشدهم خصومة للرئيس عبد الناصر، قد قبلوا بزعامته، ولا سيما تونس والسعودية، وأن الدول والشعوب العربية أخذت تضم الصفوف استعداداً للمعركة الجديدة بزعامة الرئيس عبد الناصر ، ولم يقتصر الأمر على إصدار بيانات تأييد عربية بل إن بعض الدول العربية كالعراق والأردن والكويت والسعودية أيضاً، وضعت قواتها في حالة تأهب، وأصدرت اثنتا عشرة دولة عربية (باستثناء تونس) بياناً مشتركاً جاء فيه إن أي هجوم على أي منها يعتبر هجوماً عليها جميعاً. كما وقّعت القاهرة قبيل نشوب الحرب أتفاق دفاع مشتركاً مع كل من سوريا والأردن .
وأثناء تطور الأحداث في المنطقة العربية تطوراً سريعاً نحو الحرب، كان الملك فيصل يقوم بجولة في عدد من الدول الأوروبية شملت بريطانيا، فرنسا، وبلجيكا. ومثلماً أوضح فيما بعد أن تقديره للموقف ـ في شهر أيار (مايو) 1967 ـ هو أن العرب قد استثيروا للحرب ولم يعد هناك مناص منها فعليهم أن يكونوا البادئين بالمعركة ذلك أن كل المعلومات التي كانت لدى المملكة ـ على حد تعبير الملك فيصل ذاته ـ أكدت مؤامرة دولية وفخ يدبر للعرب .
ولعل هذا التقدير كان وراء محاولة السعودية التغاضي عن خصومتها مع (ج. ع. م) وإعلانها عدة مرات إن أي اعتداء إسرائيلي على أي من البلدان العربية سيعتبر اعتداء على المملكة . وبعد أن أعلنت (ج. ع. م) إغلاق مضائق تيران، في وجه الملاحة الإسرائيلية لم تجد السعودية حرجاً في استنفار قواتها المسلحة لتكون مستعدة للاشتراك في المعركة ضد إسرائيل .
وحتى اندلاع الحرب توالت البيانات الرسمية من المملكة مشيرة إلى تأييدها للاتفاق المصري ـ الأردني، ولخطوة مصر الخاصة بإغلاق مضائق تيران، بالإضافة إلى منح الحكومة الأردنية مبلغ مليون ونصف مليون جنيه إسترليني لمواجهة ما سُمّي تكاليف الأزمة .
أما على الصعيد العسكري فقد تواترت الأنباء بدخول 20 ألفاً من القوات السعودية الأراضي الأردنية حيث أخذت مواقعهم قرب مدينة العقبة . وفي هذه الأثناء أشار بيان عسكري سعودي إلى أن هذه القوات اتخذت مراكزها العسكرية المعتادة لمساندة أشقائنا العرب في هذا الخليج العربي وصدرت إليها الأوامر الحاسمة لصد أي اعتداء إسرائيلي غادر على أي جزء عربي في هذه المنطقة)وليس البدأ بالهجوم على الجيش الاسرائيلي)، وصدرت الأوامر كذلك إلى القوات الجوية لوضع كافة إمكاناتها لتكون على أهبة الاستعداد لأي إسناد جوي تحتاجه هذه المنطقة (ولم تشر الاوامر من قريب او بعيد الى واجب تلك القوات في حين كانت المعركة خارج نطاق هذه البقعة الجغرافية).
وما إن اندلعت المعارك، حتى بادر الملك فيصل بتوجيه رسالة إلى الرئيس عبد الناصر مؤيداً فيها الدخول في هذه المعركة الحاسمة من تاريخ الأمة العربية ومؤكداً أن القوات السعودية دخلت الأردن لتعمل إلى جانب شقيقاتها العربيات . وفي اليوم نفسه أكد الجانب السعودي اشتراك القوات السعودية مع القوات الأردنية، في احتلال جبل المكبر في القدس وأن سلاح الجو السعودي اشترك في ضرب المناطق المحتلة .
لا شك أن المملكة السعودية شأنها شأن عديد من الدول العربية الأخرى التي غيرت كثيراً من سلوكها السياسي تجاه (ج. ع، م) حين بدأ أن الحرب وشيكة. ولربما تأثر القادة السعوديون كشأن القادة العرب الآخرين، بالمناخ الثوري الذي كان سائداً آنذاك في كل المنطقة العربية والذي ساهموا هم في خلقه ببياناتهم وتصريحاتهم، وتصوروا أن المعركة ـ حال حدوثها ـ لن تكون سوى نزهة سريعة لا تعاد في نهايتها فلسطين محررة إلى أهلها .
وفي تصور الباحث أن السلوك السعودي الذي سبق الحرب مباشرة، والذي ركز على تأييد (ج. ع. م) في خطواتها الخاصة بتصعيد الموقف عسكرياً في مواجهة إسرائيل، لم يكن في ذاته ليدفع القيادة المصرية إلى إعلان الحرب، وإنما كان نوعاً من التحسب السعودي بانتصار القوات العربية في المعركة. ومن ثم عمدت المملكة السعودية وعاهلها فيصل إلى إظهار نوع من التخلي عن الخصومة السياسية مع القيادة السياسية المصرية وإعلان التأييد المطلق لـ ج. ع. م) وما تتخذه من خطوات عسكرية، وذلك بهدف الظهور في موقف المشارك، حتى ولو كانت مثل هذه المشاركة معنوية. وحتى لا يقال ـ في حالة تحقيق النصر المتوقع ـ أن المملكة قد تقاعست عن أداء دورها في معركة التحرير التي طالما دعت إليها وإلى خوضها.
وفي اعتقادنا أن هذا العامل النفسي، والذي يمكن تفسيره في ضوء الحرب الباردة والمزايدات الإعلامية والسياسية التي كانت سائدة بين النظم العربية وبعضها، هو الدافع الحقيقي وراء السلوك السعودي ـ المشار إليه ـ في الفترة السابقة للحرب مباشرة، كما أنه أيضاً الدافع وراء البيان العسكري السعودي الذي أذيع في اليوم الأول للحرب، حيث لم تكن معالم الأمور قد وضحت بعد وجاء فيه >اشتراك القوات السعودية مع القوات الأردنية في احتلال جبل المكبر في القدس))، بما يوحي بالمشاركة الفعلية للقوات السعودية في المعارك .في حين ان الملك حسين وكما اوضح فيما بعد ان الجبهة الأردنية قد انهارت بعد ظهر اليوم الأول للقتال بعد أن دمر سلاح الطيران الإسرائيلي القاعدتين الأردنيتين في المفرق وعمان، واستمر حتى صباح اليوم التالي في ضرب تجمعات القوات البرية الأردنية ضرباً شديداً حتى أصيب الجيش الأردني بالانهيار . أي إن الجيش الأردني، والقوات المساندة له إن وجدت، لم يقدّر لها القيام بأية عمليات احتلال لمناطق سواء في القدس أو في غيرها مما يدل على أن رواية البيان السعودي ليست صحيحة تماماً، فضلاً عن أن الملك حسين أوضح صراحة أن الإمدادات العسكرية السعودية لم تدخل الأردن قبل الحرب أو أثناءها وإنما جاءت بعد أن انتهى كل شيء . وكل ما هناك أن المملكة السعودية بادرت بتقديم دعم مادي عاجل للأردن قيمته ثلاثة ملايين جنيه إسترليني .
والخلاصة التي يمكن الانتهاء إليها، أن دور السعودية في الحرب لم يكن سوى دور هامشي ارتبط أولاً وأخيراً بتأييد الخطوات التي اتخذتها القيادة المصرية بشأن تصعيد الموقف عسكرياً، وأن مناخ (الحرب الباردة) بين الفرقاء العرب والخصومات السياسية بين السعودية وبين (ج. ع. م) في الفترة السابقة مباشرة لحرب حزيران (يونيه)، لم يكن يسمح بأن تسهم السعودية بمساهمة حقيقية في المعارك وفق خطة عربية شاملة، كما أن هذا المناخ نفسه جعل دور السعودية الحقيقي في الحرب وما قبلها، محصوراً فقط في إلقاء بيانات وتصريحات تأييد لا غير .
ثانياً: السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية في إطار العمل العربي المشترك
يمكن القول إن أثار حرب حزيران (يونيه) 1967، لم تقف عند حدود احتلال إسرائيل لأراضي ثلاث دول عربية وحسب، بل امتدت إلى كثير من الأمور السلوكية والفكرية التي كانت سائدة في الحياة السياسية العربية قبل الهزيمة. وعلى الرغم من أن الهزيمة العسكرية لم تنل إلاّ من مصر وسوريا والأردن، فإنها اعتبرت هزيمة للعرب ككل ولنمط تفاعلاتهم ولطريقة إدارتهم لشؤونهم السياسية والاقتصادية الجماعية.
والملاحظ أن القادة العرب وإن اتفقوا فكرياً على توصيف الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الهزيمة، فقد اختلف الأمر بالنسبة للجانب السلوكي، أي إن ثمة انفصالاً بين حقيقة أن الهزيمة قادت إلى بلورة أحساس عربي بضرورة مراجعة نمط التفاعلات العربية والعمل على إعادة صياغته وفق أسس جديدة تتناسب مع حجم الكارثة القومية التي حلت بالجميع دون استثناء، وبين ما شهده الواقع العربي بالفعل.
إن مواقف الدول العربية من دعوة القمة التي بادرت إليها القاهرة وعمان في أعقاب الهزيمة، تبلور مثل هذا الانفصال بين حقيقة الشعور القومي وبين الممارسة الفعلية التي تمت من قبل دول عربية عديدة.
لقد أظهرت خبرة ما قبل الهزيمة، فيما يتعلق بمؤتمرات القمة، أن المبادرة السياسية كانت منعقدة بيد القيادة السياسية لـ (ج. ع. م) أما بعد الهزيمة فلم يعد الأمر كذلك. ومن جانب أخر فإن نمط التحالفات السياسية العربية بين الدول الثورية في مواجهة الدول المحافظة قد أصابه التغيير أيضاً. وبحكم الأمر الواقع أصبح من الجائز أن يتوافق طرفان متباعدان في الأصل تجاه قضية بذاتها، وأن يحدث العكس أيضاً.
وبانتهاء الحرب بادرت دول عربية عديدة بالدعوة إلى عقد قمة عربية، فجاءت دعوة من (ج. ع. م) وثانية من الأردن، وثالثة من الجزائر ورابعة من السودان، إلاّ أن ردود فعل الدول العربية كانت متناقضة بين رفض وقبول وعدم مبالاة ، وهو أمر ناتج عن اختلاف الدول العربية في التعرض للآثار المباشرة للهزيمة، بفعل اختلاف المواقع الجغرافية والمواقف السياسية ذاتها.
ونظراً لتماثل الآثار المباشرة للهزيمة بالنسبة لـ (ج. م. ع) والأردن فقد حدث أن أتفق البلدان على أهمية عقد لقاء قمة عربي لتدارس ما آل إليه الوضع العربي وكيفية الخروج من مأزقه كان هذا الاتفاق يعكس من وجهة نظر كل من الأردن ومصر إدراكاً بأن المسؤولية الملقاة على عاتقهما أكبر من طاقاتهما المتاحة وأن الأمر يتطلب مشاركة كل الدول العربية. ونظراً لتوتر العلاقات المصرية ـ السعودية، أخذ الملك حسين على عاتقه مهمة إقناع السعودية التي أظهرت رفضاً للمشاركة في مؤتمر قمة عربي، وذلك على عكس ما كانت تنادي به قبل الهزيمة.
وقد بدأ أن للسعودية شروطها الخاصة التي يقتضي النظر إليها قبل أن تشارك في أي جهد عربي جماعي بشأن الموقف الناتج عن الهزيمة. وقد تركزت هذه الشروط تحديداً في وضع حد للوجود العسكري المصري القائم في اليمن. إن الأولوية هنا هي للمصالح الذاتية المباشرة للمملكة السعودية قبل أي شيء آخر، ومواقف التأييد السابقة لخطوات (ج. ع. م) بشأن تصعيد الموقف عسكرياً ضد إسرائيل، ظهرت وكأنها مواقف عارضة دون أساس حقيقي.
وحين كرر الملك حسين دعوته لعقد قمة عربية في 23 حزيران (يونيه) 1967 أعلن الرئيس عبد الناصر بعد ذلك بشهر استعداده لحضور مثل هذه القمة، ومشيراً إلى أهمية تسوية الخلافات بين مصر والسعودية على اعتبار أن هذه الخطوات هامة وضرورية في مثل هذه الظروف بالذات، وأنه رغم هجوم الصحف السعودية على (ج. ع. م) طوال شهر ونصف شهر. فإن (ج. ع. م) ليست ضد أي بلد عربي وأنه لا بد من جبهة عربية واحدة .
ولما كانت إشارة الرئيس عبد الناصر دليلاً على حرص (ج. ع. م) في تسوية الخلافات المعلقة مع السعودية قررت المملكة السعودية أن تشارك في أية قمة عربية مقبلة، لم تعترض على دعوة السودان الخاصة بعقد مؤتمري وزراء الخارجية والقمة العربية . وقد تقدم الوفد المصري في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقد بالخرطوم ابتداءً من أول أب (أغسطس) تمهيداً لاجتماع الملوك والرؤساء العرب بمذكرة جاء فيها حرص القيادة المصرية على تسوية الخلاف مع السعودية الذي يمثل عقبة أمام العمل العربي الموحد، كما شملت المذكرة المصرية اقتراحاً يتمثل في العودة إلى اتفاقية جدة على ألا تشرف مصر والسعودية على تطبيقها وإنما ثلاث دول عربية تختار (ج. ع. م) إحداها، وتختار السعودية الثانية ويجري اختيار الثالثة بالاقتراع من قبل مؤتمر وزراء الخارجية، على أن يكون ممكناً أن تمثل مصر والسعودية في لجنة السلام العربية المشتركة هذه. وكان رد عمر السقاف رئيس الوفد السعودي في المؤتمر على المذكرة المصرية، إن بلاده مستعدة لحل المشكلة اليمنية على أساس مبدأين:
أولهما: عدم التدخل في شؤون اليمن من قبل أي دولة عربية أو غير عربية، وانسحاب القوات المصرية من اليمن، ووقف الدعم المالي من السعودية بعد أن يتم الانسحاب.
وثانيهما: أن يقرر الشعب اليمني بنفسه الحل الذي يقبله .
ونتيجة لإصرار الموقف السعودي تعذر الوصول إلى حل، ليس فقط بشأن القضية اليمنية، وإنما أيضاً بشأن عقد القمة، وهو ما يوضح الأهمية المركزية لمسألة إبعاد الوجود العسكري المصري من أقرب نقطة جغرافية للمملكة. أو بعبارة أخرى اهتمام السعودية بأمنها القطري المباشر أكثر من تدارس الوضع العربي الذي وصل إليه بفعل هزيمة حزيران (يونيه). وإدراكاً من القادة العرب بأهمية عقد مؤتمر القمة وأهمية اشتراك السعودية فيه، توجه إلى جدة عدد من القادة العرب بغية إقناع الملك فيصل بالمشاركة في قمة عربية, وفي الفترة ما بين 17 آب (أغسطس) وحتى 22 من آب (أغسطس) وصل إلى السعودية كل من الملك حسين والرئيس العراقي عبد الرحمن عارف ورئيس الوزراء السوداني محمد أحمد محجوب. ودارت مباحثات هؤلاء مع الملك فيصل حول تسوية الخلافات المصرية ـ السعودية ، ولم تظهر أية مبادرة إيجابية إلاّ بعد أن أعلن رئيس وزراء السودان، إن كلا من الرئيس عبد الناصر والملك فيصل قبلاً خطة لتسوية القضية اليمنية، وإن الزعيمين سيحضران إلى الخرطوم لبحث تفاصيل الحل الوسط .
إذاً لم تكن قمة الخرطوم التي عقدت بين 31 آب (أغسطس) والأول من أيلول (سبتمبر) مناسبة لإعادة تقدير الموقف العربي فيما يتعلق بمسألة إزالة آثار العدوان الإسرائيلي فحسب، كانت أيضاً مناسبة تسوية أهم الخلافات العربية، وهي القضية اليمنية التي جسدت الانقسام الحقيقي بين نظم محافظة وأخرى ثورية، ولذلك ففي أعقاب اتفاق الملك فيصل والرئيس عبد الناصر حول مشكلة اليمن صباح 31 آب (أغسطس) وأثناء الجلسة المسائية لقمة الخرطوم، أخذ العاهل فيصل زمام المبادرة داخل المؤتمر لتأييد الموقف المصري واعتبار تقدير الرئيس عبد الناصر أساساً للقرارات التي تصدر عن المؤتمر، فضلاً عن استعداد المملكة لتقديم العون المادي إلى (ج. ع. م) والأردن .
مع انعقاد قمة الخرطوم بغياب سوريا وصدور البيان الختامي له، وضح أن المنطقة العربية قد بدأت تتلمس مرحلة جديدة في تفاعلاتها، والتي سوف تتركز منذ نهاية المؤتمر فصاعداً، حول مهمة العمل العربي الموحد لإزالة آثار العدوان، وعلى الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة في شخص رئيسها آنذاك أحمد الشقيري، انسحبت من المؤتمر تعبيراً عن رفضها ما توصل إليه من قرارات، فإن انعقاد قمة الخرطوم، وما صدر عنها من أسس ومبادئ قد بلورت إطاراً عاماً للتفاعلات العربية في المرحلة اللاحقة للهزيمة سواء تفاعلات النظم العربية وبعضها البعض أو تفاعلات النظم العربية بصورة منفردة أو جماعية مع القضية الفلسطينية وهدف إزالة آثار العدوان.
بالنسبة للشق الخاص بالتفاعلات بين النظم العربية فإن مؤتمر الخرطوم أدى إلى نشوء مفاهيم سياسية جديدة في المنطقة العربية أبرزها:
أولاً: التأكيد على مبدأ عدم التدخل في شؤون النظم العربية الأخرى، بمعنى عدم جواز التدخل في شؤون أية دولة عربية تحت غطاء الدعاوى القومية .
وثانياً: تجاوز الخلافات المجتمعية القائمة في كل نظام عربي، فلا فرق بين النظم ذات الاتجاه التقدمي أو ذات الاتجاه المحافظ، حيث ينتمي الجميع إلى العروبة والكل مستهدف من قبل العدوان الإسرائيلي.
وثالثاً: إحلال مصادر جديدة للنفوذ والزعامة العربية، وصارت القوة الاقتصادية مساوية للأفكار والمبادئ الثورية التي لم يعد لها البريق نفسه الذي كانت تتمتع به قبل الهزيمة.
وبالنسبة للشق الخاص بأسلوب مواجهة آثار العدوان، فإن قمة الخرطوم عبّرت عن مرحلة جديدة في ملامحها ورموزها. وكان أبرز ما حوته مبادئ وقرارات المؤتمر، هو أن مسألة إزالة آثار العدوان لم تعد مسألة تخص الدول العربية المحتلة أراضيها وحسب، بل صارت قضية تخص غالبية الدول العربية إن لم يكن كلها من الناحية النظرية على الأقل، ويشهد على ذلك صيغة تقسيم العمل التي جمعت بين دول المواجهة ودول الدعم الاقتصادي المكونة أساساً من الدول النفطية العربية الرئيسية وهي السعودية والجماهيرية الليبية والكويت، وذلك في نطاق تصور عام لحشد الطاقات العربية.
ومع تقسيم العمل هذا، فإن مبادئ قمة الخرطوم، لم ترق إلى مستوى وضع خطة عربية ملزمة لمواجهة آثار العدوان ومتابعة تحرير فلسطين، ولم تتجاوز كونها إطاراً أساسياً عاماً في ظل ظروف تاريخية معينة. وتلك اللاءات الثلاث الشهيرة لم تقابلها خطوات معينة تلتزم بها النظم العربية حول كيفية التعامل مع آثار الهزيمة على المدى الزمني الطويل، أو تحدد إستراتيجية واضحة للتعامل مع صلب القضية الفلسطينية، الأمر الذي فتح الباب أمام الأطراف العربية للاجتهاد وفق ظروفها الدولية والإقليمية والداخلية، للسير في الطرق التي يعتقد أنها تساعدها على التخلص من آثار الهزيمة، أي إن مؤتمر الخرطوم قد أدى عملياً إلى أن تسود أطراف النظام العربي، فكرة الآخذ بالواقعية السياسية كأسلوب عمل في السياسة الخارجية بما يتناسب مع حاجة هذه الأطراف إلى تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة واستعادة الأرض المحتلة والتخفيف من حدة الخلافات الايديولوجية وحل المشكلات الاقتصادية .
ورغم المظاهر الايجابية التي أحاطت بنتائج قمة الخرطوم، حيث بدأ أن العرب قد أنهوا خلافاتهم وتجاوزوا انقساماتهم السابقة على الهزيمة، وأنهم على أعتاب مرحلة العمل العربي الموحد الجاد، تبين فيما بعد أن مثل هذا الاتفاق لم يكن كاملاً ومطلقاً فمبادئ قمة الخرطوم وأسسها لم تكن كافية في ذاتها لأن تحول دون الانقسامات والخلافات حول تقييم ما يتخذه أي نظام عربي وفق اجتهاده السياسي من خطوات يرى أهميتها وضرورتها في سبيل دفع الموقف سياسياً. بل يمكن القول إن العمومية التي ظهرت عليها قرارات القمة، كانت باعثاً وعاملاً مساعداً على أن تظل الخلافات العربية قائمة بل أن تزيد هذه الخلافات حدة، مع إضافة التطورات السياسية اللاحقة لعناصر جديدة من التوتر والانقسام، ويعزز من ذلك المعهود من عدم الثقة بين القيادات العربية حتى بعد الهزيمة.
بعد انتهاء أعمال قمة الخرطوم، ركز الطرفان المصري والأردني على متابعة الجهود السياسية، وأخذ الملك حسين يردد اتفاق بلاده و(ج. ع. م) على وجه التحديد، حول عدد من النقاط بشأن إزالة أثار العدوان، وأنه اتفق مع الرئيس عبد الناصر في اجتماع عقده معه في القاهرة على مستجدات الموقف العربي من إسرائيل والمتمثلة في وضع حد لحالة العداء والحرب، والاتفاق على فتح الممرات المائية الدولية بما فيها قناة السويس أمام الجميع بشرط أن ينسحب الإسرائيليون من كل الأراضي المحتلة في حزيران (يونيه)، وأن يتم إيجاد حل حقيقي لقضية النازحين الفلسطينيين إما بالعودة إلى أرضهم أو الحصول على تعويض وفقاً للقرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة ، ولا شك أن مثل هذا الاتفاق ـ وإن لم يعلن عنه في حينه ـ كان متماشياً مع ما تم الاتفاق عليه في قمة الخرطوم، ولذلك فإن قبول (ج. ع. م)، والأردن لقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، لم يكن يعني لهما خروجاً على مقررات قمة الخرطوم، بل شكلاً من أشكال تطبيقها ولا سيما الشق الخاص الداعي إلى عدم نبذ المساعي السلمية في إطار الالتزام بالمبادئ (اللاءات) الثلاثة من أجل إزالة آثار العدوان .
وبصدور قرار مجلس الأمن رقم 242 ، وقبول كل من الأردن ومصر به، بدأت فعلياً مهمة المبعوث الدولي، غونار يارينغ (G. Jaring) تمهيداً لوضع القرار الدولي موضع التطبيق، وبذلك أصبحت مهمة إزالة آثار العدوان مهمة أردنية ـ مصرية بالأساس. وقد اعتبرت بعض الدول العربية ، الفاعلة أن هذه الخطوة المصرية ـ الأردنية توجب ما تم الاتفاق عليه في قمة الخرطوم. ورغم أن القاهرة التي قبلت القرار، أعلنت أن قرار مجلس الأمن ليس كافياً لإيجاد حل سليم للأزمة وأن الدول العربية مدعوة لدراسة هذا القرار على اعتبار أن التحدي الذي يواجه العرب يتطلب إتاحة فرصة أخرى للعمل العربي الموحد على غرار ما تم في قمة الخرطوم . على أن مواقف الدول العربية تباينت تجاه الدعوة المصرية بعقد قمة عربية. ففي حين وافقت ست دول عربية، رفضت سوريا. أما السعودية فقد طالبت بتأجيل عقد المؤتمر إلى أبعد من الموعد الذي حدده وزارة الخارجية العرب في اجتماعهم الذي تم في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1967، بأن تعقد القمة العربية في 17 كانون الثاني (يناير) 1968 بالعاصمة المغربية الرباط، دون أن تذكر سبباً لهذا الطلب بالتأجيل .
ومثلما الحال عند الدعوة إلى قمة الخرطوم، أخذ الملك حسين على عاتقه مهمة متابعة الدعوة إلى عقد قمة عربية لدراسة ما يجب عمله في ضوء القبول المصري والأردني لقرار مجلس الأمن رقم 242، فقام بزيارة للسعودية في كانون الثاني (يناير) 1968 وتباحث مع الملك فيصل حول هذا الأمر دون التوصل إلى موقف نهائي. ولم تُذكر آنذاك الأسباب السعودية التي تدعو إلى عدم الموافقة على عقد قمة عربية. وفي اعتقادنا أن الرفض السعودي للدعوة المصرية، وفيما بعد الأردنية، يمكن إرجاعه إلى قناعة الملك فيصل بأن ما تم إقراره ـ ولاسيما الشق الاقتصادي ـ في مؤتمر الخرطوم ما زال كافياً. وكانت السعودية في هذه الآونة تبدي تبرّماً بنتائج مقاطعة الولايات المتحدة وبريطانيا نفطياً، وتتوقع تعرضها لضغوط عربية في القمة المقترحة، الأمر الذي جعلها أقرب إلى تأجيل موعد القمة، ومن ثم الاشتراط بإعلان فشل مهمة (يارينغ) قبل عقد أية قمة عربية.
وبعد معركة الكرامة في آذار (مارس) 1968، بدأ الملك حسين أكثر إصراراً لعقد قمة عربية، إذ وجّه نداءً إلى كل الملوك والرؤساء العرب أن التقوا في الحال بمستوى القمة لمواجهة أصعب ظروف تمر بها الأمة العربية ، أعقبه ببرقية خاصة إلى الملك فيصل يدعوه فيها إلى تأمين عقد قمة عربية لرسم خطة عربية موحدة تكفل إنقاذ الوجود العربي مما يتهدده من أخطار .
ورداً على دعوة الملك حسين، تحدد الموقف السعودي، ليس فقط إزاء القمة العربية المقترحة وإنما أيضاً إزاء جهود المبعوث الدولي (غونار يارينغ) الذي كان يواصل مهمته في ذلك الوقت متنقلاً بين إسرائيل والأردن و(ج. ع. م) وقد تبلور الموقف السعودي على النحو التالي:
1ـ إن تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأمة العربية راجع إلى أن العدو يعرف أن ما أعدته الأمة العربية من طاقات وإمكانات لا يتعدى تسجيل مواقف وبيانات تلقى.
2ـ إن المملكة السعودية على يقين أن هزيمة الأمة العربية لم تكن عن قلة، وإنما عن ضعف في الإيمان وانحراف عن العقيدة.
3ـ إن المملكة السعودية أيدت في مؤتمر الخرطوم الحل السياسي كخطوة أولى لإزالة أثار العدوان الإسرائيلي على الدول العربية، وتركت للدول المحتلة أراضيها من قبل العدو، حرية التصرف ضمن مقررات الخرطوم، حتى إذا فشل التوصل إلى حل سياسي فلا يبقى أمام الأمة العربية إلاّ خوض معركة المصير صفاً واحداً مهما كانت النتائج .
4ـ إن المملكة على استعداد تام لحضور مؤتمر قمة عربي إذا قامت الدول العربية المتعاملة مع المبعوث الدولي لتحقيق السلام بإخبار السعودية صراحة بفشل مهمة المبعوث الدولي في المنطقة نهائياً، وأن المفاوضات معه قد انقطعت ولا أمل في استئنافها.
5ـ إن المملكة السعودية ملتزمة بمقررات الخرطوم وبدعم الأردن .
ولقد اعتبر الملك حسين الشرط السعودي أمراً يخرج عن نطاق الإرادة الأردنية والإدارة المصرية، على اعتبار أن المبعوث الدولي هو الذي يستطيع أن يقرر نجاح مهمته أو فشلها وأن يحدد المسؤول عن الفشل فضلاً عن أن المصلحة العربية المشتركة تقضي بالسير على الطريق إلى نهايته. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الأردن يعتبر أن مؤتمر الخرطوم قد استنفد أغراضه منذ بدء المرحلة التي صدر فيها قرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع، وأن المؤتمر المذكور قد اقتصر على تأمين جانب الصمود الاقتصادي في البلدان التي تضررت مباشرة من العدوان في وجه الحالة التي كانت يومذاك وهو ما لا يكفي لتوفير أسباب المنعة والقوة ووسائل التنسيق والتنظيم للطوق العربي (المحيط بإسرائيل) .
ويمكن القول إن عناصر الموقف السعودي المشار إليها، تحتوي على شيء من التناقض الداخلي. فمن جهة أولى هناك عناصر تبرر الحل السلمي وتبرر الموافقة عليه، ومن جهة ثانية هناك عناصر أخرى تقف ضد هذا الحل وترفض منحه الفرصة الكافية ليتجسد في خطوات وتحركات ملموسة. ومن جهة ثالثة يدعو بعض العناصر إلى خوض المعركة صفاً واحداً دون أن تُحدد الخطوات الضرورية لذلك، أو على الأقل تقديم البرهان على وجود قناعة حقيقية بمثل هذه الوسيلة. وأخيراً هناك شروط سعودية للمشاركة في قمة عربية هي نفسها متناقضة لمسألة تأييد الحل السلمي. ويبدو الأمر في النهاية هو أن الملك فيصل بدا مصرّاً على الظهور بان لبلاده الكلمة الأخيرة في القضية الفلسطينية وفي العمل العربي المشترك المتعلق بها، مستفيداً من مجمل التطورات السلبية التي لحقت بالأطراف العرب الآخرين بعد هزيمة 1967.
وقد ظلت السعودية متمسكة بشرطها، وهو عدم المشاركة في أية قمة عربية، حتى يعلن بصورة أو بأخرى فشل مهمة الحل السلمي، وعندئذ تكون هناك حاجة لعقد مؤتمر للقمة، تسبقه لقاءات بين الخبراء العسكريين والسياسيين في الدولة العربية لتقرر ـ أي المملكة السعودية ـ مع أخواننا العرب خطواتنا القادمة وما يمكننا أن نعمله معهم ، وأنه ما دام ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ينتقل بين العواصم العربية وعاصمة العدو بغية التوصل إلى حل سياسي وسلمي للمشكلة، لا حاجة في الوقت الحاضر لعقد قمة عربية .
في الحقيقة إن السعودية لم تكن الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت مثل هذا الشرط، إذ توافق مع موقف السعودية كل من الجزائر وسوريا والكويت، على أساس أن حضور هذه الدول في القمة المقترحة بعد هذا الإعلان المسبق، سيجعلها تساهم بكل إمكاناتها وإصرار هذه الدول على موقفها هذا أرجعه وزير خارجية مصر آنذاك إلى ما أسماه >شكوك زرعها الولايات المتحدة عن احتمال قيام مصر بتوقيع صلح منفرد مع إسرائيل< .
وبعد أن أعلن مجلس الدفاع العربي المشترك في اجتماعه المنعقد بالقاهرة، تشرين الثاني (نوفمبر) 1961 >إن الحل السلمي قد فشل ووصل إلى طريق مسدود يستحيل معه تحرير الأرض العربية نتيجة تعنت إسرائيل وما تلقاه من دعم مادي وسياسي وعسكري من الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية الأخرى< ، اعتبرت السعودية أن مثل هذا الإعلان سبب كاف لكي تعلن اشتراكها في القمة العربية الخامسة .
وقبل القمة مباشرة جرت مباحثات بين الملك فيصل والرئيس عبد الناصر، وأعلن بعدها أن الطرفين >اتفقا على أن مؤتمر القمة العربي خطوة إيجابية في سبيل حشد الطاقات العربية وتدعيم وحدة النضال العربي من أجل تحرير الأرض واسترداد الكرامة العربية< . ومع ذلك لم تستطع قمة الرباط أن تصل إلى نتيجة محددة بشأن تحقيق الحشد العربي المنشود.
وتبعاً لما قرره الوفدان العراقي والسوري اللذان انسحبا من جلسات المؤتمر >فإن قمة الرباط لم تستطع أن تحقق القدر المطلوب من حشد الطاقات والإمكانات لمعركة المصير< ، وإن >بعض الدول العربية التي تمتلك الطاقات الكبيرة ترفض أن تساهم بإمكاناتها الحقيقية في معركة المصير العربي< .
إن حالة الفشل التي أحاطت بقمة الرباط، كانت ولا شك تجسيداً لحالة الانقسام التي كانت سائدة في المنطقة العربية. وقد اعتُبرت حالة الفشل هذه دليلاً على أن بعض الدول العربية لم تكن على استعداد حقيقي لمساندة السياسة المصرية سواء في جهودها السلمية أو فيما تطرحه من تصورات لحشد الطاقات العربية استعداداً لمعركة مصيرية. وعلى حد قول أحد الباحثين الغربيين فإن بعضاً من العرب كانوا مستمتعين بما تعيشه مصر ورئيسها عبد الناصر من أزمات، لاسيما وأن إسرائيل لم تكن على استعداد لتسوية الأمر سلمياً، يؤازرها في ذلك الولايات المتحدة .
ورغم أن المملكة السعودية، قبل المؤتمر، قد ركزت ـ مثلما سبق القول ـ على شرط إعلان فشل الحل السلمي، فإنها بالمقابل لم تطرح أي تصور لما بعد طرح الحل السلمي جانبا، كما لم تحدد أهدافها من إعلان فشل الجهود السياسية، هل هو بداية لمعركة فاصلة سوف تشارك فيها وفق خطة عربية شاملة أم شيء آخر؟ وفي اعتقادنا أن موقف المملكة على هذا النحو يمكن تفسيره في ضوء تردّي العلاقات المصرية ـ السعودية في هذه المرحلة، حيث كان للمملكة السعودية تحفظ على السلوك السياسي المصري الذي لم يجد أمامه بعد الهزيمة سوى توثيق علاقاته بالاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشرقي من أجل إعادة بناء القوات المسلحة المصرية ، وهو ما لم تفضّله السعودية واعتبرته عقبة أمام دعوتها باعتبار قضية فلسطين قضية إسلامية.
ومراجعة المواقف السعودية المعلنة في المرحلة الممتدة ما بين قمتي الخرطوم والرباط، تظهر تركيزاً سعودياً على الجانب العقيدي دون سواه، واعتبار إغفاله السبب الرئيسي وراء ما يحل بالعرب من نكسات، واعتباره في الوقت نفسه الملجأ الأول الذي تفضله السعودية لمعالجة القضية الفلسطينية بما هي قضية إسلامية مثلما سيرد شرحه في الفقرة التالية.
ونظراً لهذا التباين بين التصورات المصرية والسورية من جانب والتصور السعودي من جانب آخر، كان من الطبيعي ألاّ تسعى السعودية إلى مشاركة الجانب المصري أو الجانب السوري تصوراته بشأن عمل مشترك ما لم يكن مستنداً إلى طروحاتها. وهنا كان التشدد السعودي بشأن عدم زيادة نسبة المساهمة السعودية في الدعم المقرر لدول المواجهة، إذ إن الزيادة برأيها ستصب في اتجاه مؤات للسياسة السوفيتية التي تقف منها السعودية موقفاً رافضاً بشدة. إن الانقسام العربي الذي أظهرته قمة الرباط، كان يعني أن المنطقة العربية ما زالت تعيش تفاعلاتها السياسية التي عرفتها قبل حزيران (يونيه) 1967 لكأنما الهزيمة لم تحدث بعد.
وبفشل مؤتمر الرباط لم يعد هناك أمل في عقد قمة عربية مرة ثانية لتدارس أمور تتعلق بهموم إزالة آثار العدوان، إلى أن جاءت أحداث الأردن (1970) التي استدعت لقاء القادة العرب على وجه السرعة للبحث في وقف القتال الذي اندلع بين المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني، وهو اللقاء الذي انتهى بترتيب وقف إطلاق النار بين الطرفين، وبتوقيع اتفاقية عرفت باسم اتفاقية القاهرة، وقعت عليها كل الدول العربية والتي اعتبرت نفسها بمثابة الضامن لتنفيذ بنودها.
ثالثاً: الموقف السعودي إزاء النفط وتوظيفه في خدمة أهداف سياسية عربية
في غمرة تصاعد وتيرة الصراع العربي الاسرائيلي وفي اعقاب اغلاق مصر لمضائق تيران اتيح لدعوة استخدام النفط كأداة للضغط المتوازي زمنياً مع العمل العسكري أن تجد لها طريقاً، وذلك عبر مؤتمر وزراء النفط العرب الذي انعقد قبل اندلاع الحرب بيوم واحد بناء على دعوة من العراق، واشتركت فيه السعودية ممثلة بوزيرها الشيخ أحمد زكي اليماني. وقد اتخذ المؤتمر عدة قرارات تعلقت بقطع النفط عن الدول المعتدية على أية دولة عربية، ونصت القرارات على :
أولاً: قطع النفط العربي ومنع وصوله بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الدول التي تعتدي أو تشارك في الاعتداء على سيادة أية دولة عربية أو على أراضيها أو مياهها الإقليمية وبوجه خاص خليج العقبة.
ثانياً: إن المؤتمر قرر أن دخول أية دولة في عدوان مسلح مباشر أو غير مباشر ضد الدول العربية يخضع أموال شركاتها وأموال رعاياها الموجودة في أراضي الدول العربية لقوانين الحرب بما في ذلك أموال شركات النفط المستثمرة.
ثالثاً: يعتبر المؤتمر أن التوقيع على أي بيان يمس سيادة الدول العربية على خليج العقبة عمل يبرر حرمان ناقلات النفط لتلك الدول من نقل النفط العربي.
وفي يوم إعلان هذه القرارات، اندلعت الحرب فأعلن الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف وقف ضخ النفط العراقي، وأعلنت كل من الكويت والجزائر والجماهيرية الليبية والسعودية وقف تزويد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا الغربية بالنفط. إلاّ أن سلاح النفط لم تظهر آثار استعماله حتى وقعت الهزيمة العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية .
وفي أقل من أسبوع من منع السعودية تصدير النفط، سمحت الحكومة السعودية لشركة (ارامكو) باستئناف عملياتها العادية وشحن الناقلات باستثناء تلك المتجهة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. وبالنسبة للكويت فقد استأنفت صادراتها النفطية يوم 14 حزيران (يونيه). وبصفة عامة في 19 حزيران (يونيه) كانت جميع الدول العربية النفطية باستثناء العراق، قد استأنفت تصدير النفط إلى جميع الدول ما عدا الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين أعلن أنهما ساعدتا إسرائيل. وفي خلال الأسبوع الأخير من شهر حزيران (يونيه) خضعت العراق بدورها للموقف نفسه حيث صرحت بتصدير النفط مستثنية فقط الولايات المتحدة وألمانيا الغربية وروديسيا وجنوب أفريقيا. وقد استأنفت الجماهيرية صادراتها يوم 5 تموز (يوليو) .
وهكذا وضح منذ الأيام الأولى للحرب تأثير الخلافات العربية بخصوص استخدام سلاح النفط. فالعراق لم يطبقه بالنسبة لبريطانيا، والدول العربية الأخرى لم تطبقه بالنسبة لألمانيا الغربية، كما لم تتخذ خطوات جدية لإلزام شركات النفط إلزاما حرفياً بتنفيذ قرار المقاطعة. ولذلك قامت الشركات بتحويل سفنها إلى وجهات أخر على نحو تريب عليه ألاّ تترك أية دولة في حاجة إلى النفط. وقد اتهمت الجزائر السعودية بأنها قد سمحت بوصول النفط إلى الدول التي تساعد إسرائيل كما أثارت الشكوك حول الكويت واتهمتها بأنها لم تطبق سياسة المقاطعة النفطية على الإطلاق. كذلك أعلنت الجماهيرية صراحة أن الحظر يجب أن يرفع لأنه لم يؤثر على الدول الأوروبية لأن هذه الدول قد أخذت احتياجاتها النفطية من دول أخرى .
في هذه الأثناء وضح أن للسعودية موقفاً خاصاً من مسألة حظر النفط العربي، فمشاركتها في هذا الحظر جاءت رغماً عنها، ولهذا لم تصعّد الحظر وألغته بأسرع ما يمكن . كما إن الملك فيصل رفض المقترحات العراقية بسحب الودائع السعودية من الولايات المتحدة وتأميم شركة (أرامكو) .
وطوال الفترة الفاصلة بين حرب حزيران (يونيه) وبين انعقاد قمة الخرطوم، تركزت وجهة النظر السعودية في مسألة استخدام النفط كأداة للضغط حول أمرين:
الأول: إن الاستعمال المرتجل لهذا السلاح يضر العرب ولا يفيدهم.
الثاني: إن الحظر الذي أقدمت عليه السعودية في مواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا، قد سبّب انخفاضاً كبيراً في إنتاج البلاد، وتبعاً لذلك سبّب خسارة تقدّر بمئات الملايين من الريالات .
ويدل ذلك على اعتراض السعودية على أسلوب استخدام سلاح النفط في ذلك الوقت. ويمكن تعليل رفض السعودية قبل دعوة عقد قمة عربية فيما بعد العدوان الإسرائيلي مباشرة بأسباب من بينها تضرر المملكة السعودية من قطع النفط وتخوفها من إقرار مثل هذا الأمر بصورة جماعية في القمة المدعو إليها لمدة أطول زمنياً. ولما وضح أن الرئيس عبد الناصر لم يدع إلى ذلك في أعقاب هزيمة حزيران (يونيه) بجانب رغبته في تسويه حرب اليمن، اختفت تحفظات السعودية وقبلت المشاركة في القمة التي عُرفت بقمة الخرطوم . ومن هنا جاءت قمة الخرطوم ـ على نحو ما سبقت الإشارة إليه ـ لتجعل من إعادة ضخ النفط العربي أمراً مطلوباً على اعتبار استخدامه أداة لدعم اقتصاديات دول المواجهة والمساهمة في إعادة تسليحها.
إن جوهر موقف السعودية، وبجانبها دول الخليج، هو أنها رأت في استخدام النفط كسلاح لخدمة الأغراض السياسية العربية ـ في تلك الفترة ـ مصدراً من مصادر متاعبها الاقتصادية، ولذا بدأت تظهر فيما بعد هزيمة حزيران (يونيه)، فلسفة جديدة تدعو إلى استخدام النفط كوسيلة لتحقيق الأهداف المقصودة أي الانتفاع بعائدات النفط كمصدر للوصول إلى الغايات السياسية . وما حدث في قمة الخرطوم هو أول تطبيق لهذه الفلسفة التي ساهمت في وضعها السعودية ومن ورائها الدول النفطية الخليجية. وبغض النظر عن وجود اختلافات بين الدول العربية المصدّرة للنفط والتي أقدمت على قطع نفطها أثناء حرب حزيران (يونيه)، فإن هذه التجربة الثانية قد فشلت بدورها. وثمة أسباب لذلك وهي:
1ـ قصر مدة المواجهة العسكرية بين العرب وإسرائيل بحيث لم تسنح فرصة لاستعمال سلاح النفط كمساند للسلاح العسكري. بل إن الهزيمة العسكرية التي مني بها العرب، حالت دون حماسة الدول العربية المنتجة للنفط لاستخدام سلاح النفط.
2ـ إن الدول العربية نفسها لم تكن متفقة على الهدف الأساسي الذي من أجله استعمل سلاح النفط. كما إنها لم تكن متفقة على خطة دقيقة لكيفية استعماله.
3ـ إن أزمة الطاقة لم تكن تبلورت بعد في ذلك الحين.
4ـ إن الدول العربية لم تكن ذات قدرة مالية واقتصادية تمكنها، في ذلك الحين، من تحمل أعباء المقاطعة النفطية والصمود في مواجهة ضغط الدول الكبرى المستهلكة للنفط .
5ـ إن الولايات المتحدة، الهدف الأول لسلاح النفط العربي، كانت بعيدة عن الآثار المباشرة لحظره لأنها كانت في غنى عنه في ذلك الوقت.
6ـ إن الشركات النفطية العالمية عوضت الدول التي قطع عنها النفط العربي بنفط من مصادر أخرى .
وهكذا أدى الفشل العربي للمرة الثانية، على الرغم من جماعيته في حالة حزيران (يونيه) 1967، إلى ترسيخ وجهة النظر السعودية، ومن ورائها الدول النفطية الخليجية والجماهيرية حتى أيلول (سبتمبر) 1969 والتي تشتمل على:
ـ إن ضخ النفط أكبر فائدة للعالم العربي من حظره حيث يمكن >استخدامه في الصمود العربي وفي عدم لجوء الأمة العربية إلى أن تطلب دعمها من أية دولة أجنبية أخرى< .
ـ إن من الضروري التفرقة بين الحكومات المرغوب الضغط عليها وبين الشركات النفطية العاملة في البلدان العربية والتي هي منظمات خاصة، ومن غير المعقول توقيع العقوبات على الثانية لذنب يرتكبه الطرف الأول، أي الحكومات .
ـ إن اعتماد الدول العربية على النفط لا يقل عن اعتماد المستهلكين عليه إن لم يكن أكثر. ومن ثم فإن إيقاف تدفق النفط سيكون بالنسبة للدول العربية انتحاراً اقتصادياً، وما دام للسعودية دخل في الأمر فإن النفط لن يستخدم كسلاح سياسي .
خلاصة
مما سبق نخلص إلى:
1ـ أن دور المملكة العربية السعودية اقتصر في الفترة السابقة على الحرب، على تأييد القيادة المصرية في خطواتها السياسية والعسكرية، وجاء تأييد السعودية قوياً بالرغم من سوء العلاقات بين مصر والمملكة في ذلك الوقت. وقد ساعدت التوقعات العربية المتزايدة بشأن إمكان الانتصار الساحق على إسرائيل، على إسراف المملكة في إصدار بيانات وتصريحات التأييد للقيادة المصرية ولسوريا، وذلك تحسباً من حدوث انتصار عربي قد تتهم بعده المملكة ـ إذا لم تؤيد مصر وسوريا ـ بابتعادها عن المعركة. وبالرغم من هذا التأييد السعودي، فإن الموقف السلوكي لم يتبلور في صورة عمل عسكري رغم الإعلان عن ذلك. ولا خير من لفت النظر مرة أخرى إلى أن كلمات الملك حسين ملك الأردن كانت واضحة تماماً حين قرر أن القوات السعودية قد وصلت الأردن بالفعل ولكن بعد أن انتهى كل شيء.
وقد تعتبر بعض التحليلات أن مبالغة السعودية ـ وبعض الأطراف العربية الأخرى ـ في تأييدها للقيادة المصرية قد دفعت الأخيرة دفعاً ناحية الدخول في معركة مع العدو دون الاستعداد الكافي، أو بعبارة أخرى قد وضعت القيادة المصرية في موقف لا يمكنها أن تتراجع عنه سوى بالدخول في معركة عسكرية أياً كانت النتائج، وفي اعتقادنا أن بيانات التأييد الحماسية سوء من قبل السعودية أو غيرها من الدول العربية لم تكن وحدها كافية للاندفاع نحو معركة عسكرية. فمن ناحية، جاءت هذه البيانات بعد تحركات عسكرية وقرارات سياسية اتخذتها القيادة المصرية، ومن ناحية أخرى فإن حدوث الهزيمة ذاتها له أسبابه الهيكلية سياسياً وعسكرياً، ومن الصعب علمياً وتاريخياً الركون إلى تفسيرات أحادية الجانب أو هامشية لحدوث هزيمة عسكرية وسياسية لثلاث دول عربية في وقت واحد مثلما حدث في العام 1967.
2ـ أن هزيمة حزيران (يونيه) قد أتاحت ظروفاً موضوعية للمملكة السعودية لممارسة دور فاعل في القضايا العربية. ففي حين لحقت بأطراف عرب آخرين ـ مثل مصر وسوريا ـ آثار سلبية، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للسعودية، حيث ساعدتها آثار الهزيمة على تسوية حرب اليمن وإبعاد الوجود العسكري المصري عن الجزيرة العربية. كما أن المملكة بما توافر لها من إمكانات مالية، أمكنها أن تبرز كفاعل عربي في عدد من الأمور الهامة وثيقة الصلة بالقضية الفلسطينية وإزالة آثار العدوان. ومن الضروري ملاحظة أن دور السعودية ـ عربياً ـ في هذه الفترة، قد اقتصر على وضع الشروط المتضاربة والمتناقضة أحياناً، لعرقلة اجتماع أو للمشاركة في قمة أو جهد عربي مشترك، ولم يتطور هذا الدور الجديد للسعودية إلى أكثر من كونه دوراً هو أولاً وأخيراً رد فعل على مبادرات وتحركات وسلوك أطراف عرب آخرين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة استغلال الآثار السلبية التي ألحقتها الهزيمة بالقيادة المصرية تحديداً، للحصول على مكاسب خاصة بالسعودية وبطموحاتها بالهيمنة على شؤون الجزيرة العربية ودولها.
3ـ فيما يتعلق باستخدام النفط في خدمة الأهداف السياسية العربية، فقد نجحت السعودية في الفصل بين النفط كسلعة اقتصادية وبين استخدامه كسلاح سياسي وأداة للضغط على الولايات المتحدة. وحتى نهاية عقد الستينيات لم يحدث أن أشير إلى وجود تحذيرات سعودية للولايات المتحدة أو لغيرها من الدول الأوروبية بربط النفط بالقضية الفلسطينية. وتلخصت وجهة نظر السعودية في أن ضخم النفط وبيعه للدول المستهلكة هو أكثر إفادة لكل العرب عن مسألة قطعه والامتناع عن بيعه، تحت دعوى أن الحصول على العائدات النفطية سيمكن العرب من الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي. ولقد استغلت القيادة السعودية حاجة الدول العربية الأخرى ـ خاصة دول المواجهة ـ للدعم المالي الذي تقرر في قمة الخرطوم، لتمرير وجهة نظرها تلك.
ارسال التعليق