السعودية والمعارضة الإيرانية.. علاقة مشبوهة تزعج أوروبا
يبدو أن تداعيات اتهامات كل من الدنمارك وهولندا، للمملكة ال سعود، برعاية أنشطة غير مقبولة على أراضيهما ستتواصل، في أعقاب سقوط خلية تجسس تنتمي لإحدى منظمات المعارضة الإيرانية تعمل لمصلحة ال سعود في يد الأمن الدنماركي.
وفي إشارة لافتة لمدى تصاعد الأمور، وجه رئيس جهاز المخابرات والأمن الدنماركي "فين بورش أندرسن"، اتهاما صريحا للمملكة، قائلا إن "الأشخاص الثلاثة الذين تم اعتقالهم كانوا في الفترة من 2012 إلى 2018 يتجسسون لحساب جهاز مخابرات سعودي".
ووصف وزير الخارجية الدنماركي "ييبا كوفود"، ما حدث بأنه "خطير وغير مقبول على الإطلاق"، دون صدور أي تعليق من الرياض حول الاتهامات الدنماركية.
أنشطة تجسسية
ويعد المعتقلون الثلاثة أعضاء بارزين في حركة النضال العربي لتحرير الأحواز (سنية)، المناهضة للحكومة الإيرانية، ومتهمون بدعم هجوم وقع في إيران في سبتمبر/أيلول 2018 والذي أسفر عن مقتل 25 شخصا.
ويشتبه في أن الأفراد الثلاثة قاموا بجمع معلومات عن أفراد وشركات في الدنمارك وخارجها، ونقلها إلى جهاز مخابرات سعودي، لم تسمه السلطات الدنماركية.
الأمر لم يتوقف عند حدود ذلك، بل أخذ منحى تصعيديا، مع قيام وزارتي الخارجية في هولندا والدنمارك، باستدعاء سفيري السعودية في البلدين للاحتجاج على ما تم وصفها بأنها "أنشطة تجسس" جرت على أراضيهما.
ويبدو أن تنسيقا جرى بين البلدين الأوروبيين، لاتخاذ الخطوة ذاتها، حيث استدعت الخارجية الهولندية السفير السعودي لديها "عبدالعزيز أبوحيمد"، على خلفية توقيف شخص متهم بالانتماء للمنظمة ذاتها (حركة النصال العربي لتحرير الأهواز)، واحتمال وجود صلة للرياض به.
وقال متحدث باسم الخارجية الهولندية، إن الوزير "ستيف بلوك"، أراد أن يبلغ السفير السعودي فقط، بأن "مثل هذه الأنشطة غير المرغوب فيها، كتلك التي تتهم بها الحركة في الدنمارك، ليست مقبولة".
بعدها بساعات، أعلن وزير خارجية الدنمارك "ييبا كوفود"، عبر حسابه على "تويتر"، استدعاء سفير السعودية لدى كوبنهاجن.
وقال الوزير الدنماركي في تغريدة له: "تم استدعاء سفير السعودية لدى وزارة الخارجية، من الواضح أن أنشطة تجسس جرت على الأراضي الدنماركية، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق، وسيتم نقل الرسائل نفسها إلى الرياض من قبل وزارة الخارجية الدنماركية".
وأضاف "كوفود"، في تغريدة ثانية، أنه تحدث مع وزير الخارجية الهولندي "ستيف بلوك"، الذي وصفه بـ"الزميل المقرب" حول قضية التجسس المذكورة.
وأكد أن الدنمارك وهولندا "تقفان جنبا إلى جنب"، و"لن تقبلا أبدا بهذه الأنشطة غير القانونية وغير المقبولة تماما على أراضيهما". ولفت إلى أن البلدين "سيستمران في التنسيق معا عن كثب".
ورقة الأحواز
وتشير الإدعاءات الدنماركية والهولندية، إلى وجود روابط قوية بين الرياض، والحركة الإيرانية المعارضة التي تسعى إلى تأسيس دولة منفصلة للعرب في إقليم خوزستان الغني بالنفط في جنوب غرب إيران.
وتعتبر إيران "حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز" التي تأسست في 1999، "منظمة إرهابية" وتلقي باللائمة عليها في تنفيذ هجمات على أراضيها في عام 2018، واتهمت كل من الدنمارك وهولندا بإيواء أعضاء من الحركة.
ولا يمكن الفصل بين هذه التطورات في الدنمارك وهولندا، وبين توجيه محكمة أمريكية، قبل شهور، تهمة التجسس لموظفين سابقين في شركة" تويتر"، تتضمن مساعي الحصول على معلومات وبيانات شخصية لمستخدمي المنصة من الذين يعارضون أو ينتقدون النظام السعودي.
يبدو إذن أن هناك ارتفاعا ملحوظا في منحى عمليات التجسس التي تقوم بها أجهزة سعودية ضد معارضين في الخارج، أو ضد طهران، لكن التطور اللافت يكمن في توظيف ناشطي "الأحواز" للهدف ذاته.
ومنذ إسناد ولاية العهد لمحمد بن سلمان في العام 2017، هناك توسع في نشاط المملكة الاستخباراتي، لاسيما ضد المعارضين والناشطين الناقدين لولي العهد.
توتر متصاعد
وترتبط قضية التجسس الأخيرة، بالتوتر المتصاعد بين الرياض وطهران في منطقة الخليج، خاصة في اليمن، على الحدود الجنوبية للمملكة.
وتسعى الرياض إلى تدويل قضية عرب الأحواز، وإبراز معاناتهم تحت حكم الملالي في إيران، ودعم مطالبهم في الانفصال والاستقلال، في سياق محاولتها توظيف ورقة الأقليات العرقية ضد طهران.
وتتضارب الإحصاءات حول أعداد عرب الأحواز، فبعضها يشير إلى أن عددها يتراوح بين 9 و12 مليوناً فيما تقول إحصاءات إيرانية أن نسبتهم لا تتجاوز 2 أو 3% من حاملي الجنسية الإيرانية (أي بما لا يتجاوز مليوني شخص تقريبا).
وتعد الأحواز مركز إقليم خوزستان، وأغلب سكانها من العرب السنة، وسبق أن شهدت المدينة احتجاجات متفرقة، بسبب تعرض مواطنيها لصنوف من الاضطهاد والتهميش على يد الدولة الإيرانية، وفق تقارير حقوقية.
ويحظى عرب الأحواز بتواجد إعلامي عبر منصات سعودية، وكثيراً ما تظاهروا دعماً للسعودية في قلب إيران، كما دعمت شخصيات من الأحواز عملية "عاصفة الحزم" التي شنتها المملكة في اليمن، وطالبت بشن "عاصفة" مماثلة ضد إيران.
حروب بالوكالة
لكن نقل صراع التجسس بين البلدين، إلى عواصم أوروبية، سيثير بلا شك غضب الاتحاد الأوروبي، وربما تتجه أمستردام وكوبنهاجن إلى تصعيد الموقف دبلوماسيا وسياسيا ضد الرياض.
وليس معروفا إلى الآن، طبيعة نشاط التجسس الذي كان يقوم به المعتقلون الأربعة لصالح الرياض، لكن القضية برمتها تحذيرا حول عواقب توسع نشاط المملكة الاستخباراتي في عواصم عدة، وسط مخاوف من اغتيالات قد يتعرض لها المعارضون للنظام خارج الحدود أسوة بما حدث مع الصحفي "جمال خاشقجي" عام 2018.
وتقول الدنمارك إنها ستقوم بمناقشة قضية التجسس مع شركائها في الاتحاد الأوروبي، مشددة على رفضها قيام إيران بمحاولة استهداف معارضين إيرانيين أو قيام السعودية بتجنيد جواسيس لها من بين المعارضين الإيرانيين.
ويخشى الأوروبيون أن تنتقل عدوى ما تسمى بـ"حروب الوكالة" بين البلدين في الشرق الأوسط إلى الساحة الأوروبية، وهو ما عبر عنه "كوفود"، بالقول إن بلاده ترفض "الحروب بالوكالة بين السعوديين والإيرانيين على الأراضي الدنماركية"، ما يعني أن تصعيدا أوروبيا يلوح في الأفق ضد المملكة.
ارسال التعليق