السعودية والملفات الحرجة
تعدّ معدلات الإعدام في السعودية بين الأعلى في العالم، فمنذ بداية العام 2017 وصل عدد الذين تعرضوا لحكم الإعدام إلى 66 شخصاً. ومنذ أن تولىّ الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية تم إعدام 153 شخصاً من الشيعة في العام 2015، وهو عدد غير مسبوق منذ عشرين عاماً.
وفي العام 2016 تم إعدام 47 شخصاً في يوم واحد ومن بينهم العلامة الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، ليصل العدد خلال النصف الأول من العام نفسه إلى ما يقرب من 100 شخص. ومؤخراً أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض حكماً بإعدام ١٤ شخصاً من القطيف في ما عرف بقضية "مجموعة 24".
نداءات الاصلاح محور القضية
ليست عقوبة الإعدام جديدة في مملكة آل سعود، فمنذ تأسيسها تصدر كل عام أحكاماً بالإعدام لأسباب مختلفة، ولكن التهم في الأحكام الأخيرة، بحسب بيان المحكمة، تنوّعت بين إطلاق النار على رجال الأمن والمواطنين والمقيمين، ما تسبب بمقتل عدد منهم وإتلاف ممتلكات بالحرق والتخريب، وترويج المخدرات وتعاطيها والسطو المسلح على المحلات والسيارات ونهبها في العوامية وعموم محافظة القطيف، فضلاً عن السطو المسلح على سيارة بنك لنقل الأموال، وسلب المقيمين الآسيويين بالعوامية تحت تهديد السلاح. ولعلّ أهم تهمة، والتي تشكّل المحور الأساسي للقضية التي استندت إليها المحكمة في اتخاذ قرار الاعدام، هي المشاركة في مظاهرات جرت عام ٢٠١١ نادت بتحقيق إصلاحات في مملكة آل سعود، وكل ما ساقته المحكمة السعودية كانت ذرائع واهية لتبرير الجرائم التي ترتكبها القوات السعودية كل يوم بحق الشيعة، وللتغطية على الهزائم التي تمنى بها على جبهة اليمن.
الإعدام بذريعة محاربة الارهاب
أتت هذه الأحكام في خضم تصاعد التوتر في الأزمة الخليجية مع قطر، وتعثّر وساطات الحل وبروز مواقف جديدة من قبل المسؤولين الأمريكيين ومن عواصم أوروبية ساهمت في تعقيد الأزمة بدل حلّها، واستدرجت هذه الأحكام مطالبات من "منظمة العفو الدولية" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" للرياض بإلغاء هذه الأحكام فوراً واعتبارها "غير عادلة". إلا أن ما كان لافتاً هو اعتبار "سارة ليا ويتسن" المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس" أن القرار السعودي "يوحي بأن السلطات تستخدم حكم الإعدام لتصفية الحسابات وقمع المعارضة تحت زعم محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي"، فيما وصفت "لين معلوف"، مديرة البحوث في مكتب الشرق الأوسط لمنظمة العفو الدولية إجراءات المحكمة بأنها "تجاوز صارخ للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وينبغي إلغاء هذه الأحكام فوراً"، لا سيما أنها تستهدف متظاهرين من رجال وأطفال!!.
المملكة بلد القتل السهل!
إن من يتابع تفاصيل ملف الإعدامات في السعودية يخلص إلى أنه بلد قائم على القتل السهل، وأصابع أيدي المسؤولين فيه رخوة جداً في إبرام الأحكام وتوقيع قرارات الإعدام، لا سيما أن الملك هو الذي يصادق على مثل هذا النوع من القرارات. والملفت في القضية أن الذين يواجهون حكم الإعدام هم من أبناء المنطقة (العوامية والقطيف) الذين تتهمهم المحكمة بأنهم خرّبوا ممتلكاتها!! بينما الواقع هو أن هذه المنطقة محاصرة، وتتعرّض يومياً لغارات واجتياحات ومداهمات من قبل القوات الحكومية وتتعرض منازلها للقصف بالمدفعية، إلى درجة أن أحياء كاملة تعرضت للتدمير والحرق.
أولوية ملفات الداخل والخارج
تأتي هذه الجرائم السعودية الموصوفة في وقت تواجه السعودية جملة من الملفات الشائكة التي أعلن مسؤولوها الاستنفار لمواجهتها، وفي رأس هذه الملفات الداخلية الفساد والاهتراء الحاصل على مستوى مؤسسات الدولة، مع استمرار التردّدات الخفية الناتجة عن إقصاء ولي العهد محمد بن نايف من مهامه وتعيين محمد بن سلمان، في إجراء مذلّ، في حين تزداد أزمة الخليج تعقيداً، ويبدو واضحاً أن لا حل يلوح في الأفق، بل من المرجّح أن تتدهور الأمور على أكثر من صعيد، أما النزف على جبهة اليمن فلا يزال يوجع الخاصرة السعودية وبقوة، فضلاً عن تأثر الرياض بديماغوجية السياسة التي تتّبعها واشنطن حيال قضايا المنطقة ولا سيما على صعيد العلاقات مع روسيا وإيران.
ماذا عن القدس وفلسطين؟
إلى جانب كل ذلك، تحاول السعودية الظهور بمظهر الحريص على القضية المركزية للعرب والمسلمين، المتمثلة باحتلال فلسطين وأولى القبلتين المسجد الأقصى، وعملت على مصادرة جهاد الشعب الفلسطيني الذي رابط في المسجد الأقصى رافضاً إجراءات الاحتلال وصولاً إلى إسقاطها، فادّعت أن اتصالاتها الدولية هي التي أدّت إلى تراجع "إسرائيل" عن قراراتها، في حين أن هنا حملة تشويه خطيرة في الشارع السعودي والخليجي عموماً يقرن قضية الأقصى بحركة حماس، ويوحي بأن ما جرى من هبّة فلسطينية ما هو إلا محاولة من الحركة لتحويل الأنظار عن كونها "حركة إرهابية" في التصنيف السعودي، وبالتالي فلا نصرة للأقصى طالما أن الذي يدعو إلى ذلك حركة حماس، ولتفعل "إسرائيل" ما تشاء!
ابن سلمان باشر بتنفيذ أوامر ترامب
لا يمكن وضع الإجراءات التعسّفية والجرائم السعودية التي تستهدف أهالي العوامية ومنطقة القطيف، إلا في خانة الإفلاس الأخلاقي والديني. أما على المستوى السياسي فإن محمد بن سلمان قد باشر تطبيق وصايا شيخه دونالد ترامب الذي دعا في مؤتمر الرياض إلى "ضرب الإرهاب حيث وُجد.. وطرد الإرهابيين من الأرض"، والشيعة في السعودية هم إرهابيون بنظر محمد بن سلمان وترامب.
ومن جهة ثانية يتّجه حكام آل سعود نحو إرساء معادلة جديدة حيال القضية الفلسطينية ومشاريع التسوية والعلاقة مع "إسرائيل"، وإلا ما هو تفسير التلكؤ المقصود السعودي والخليجي عموماً عن إعلان موقف حيال ما كان يجري في القدس الشريف والمسجد الأقصى؟! كان هؤلاء يأملون في سحق "إسرائيل" للفلسطينيين لتسقط آخر راية للقضية، فإن انهزم الشعب الفلسطيني في دفاعه عن هذه الراية سيسقط كل ما عداها، وستُفتح الطريق أمام التطبيع الكامل مع العدو، ولكن خابت توقّعاتهم، وأجبر الفلسطينيون العدو على التراجع عن إجراءاته، وأحرجوا العربان، وأسقطوا المخطط السعودي الذي كان يتحضّر لطرح مبادرة شاملة تحت عنوان التسوية في فلسطين والمنطقة عموماً، كتمهيد لإرساء علاقة خليجية - إسرائيلية يسجّلها التاريخ.
بقلم : محمد الحسيني
ارسال التعليق