النظام السعودي يحظر الحج عن اللبنانيين
استبق النظام السعودي موسم الحج هذا العام، بإجراء صامت نسبيا، دون إعلانه رسميا للسفارة السعودية في لبنان. حيث أوقفت وزارة الحج والعمرة السعودية، منذ نحو أسبوعين، العمل بالنظام المخصص لتقديم اللبنانيين طلبات للحج والعمرة، ما أدى إلى تخلّف عدد كبير من اللبنانيين الذين كانوا قد نالوا تأشيرات عن السفر، ودفعوا ثمن تذاكر السفر وحجوزات الفنادق والمواصلات في "السعودية". وكان مفترضاً أن تبدأ حملات العمرة، كما درجت العادة، بالانطلاق إلى وجهتها مع بداية شهر شوال عقب عيد الفطر الذي صادف في العاشر من الشهر الجاري.وبعد تواصل عدد من أصحاب الطلبات مع السفارة السعودية في بيروت، جاءهم الجواب بأن لا علم للسفارة بأن الوزارة المعنية أوقفت النظام المعمول به، ولم تقدّم وعوداً للسعي إلى حل المشكلة.
وأدى ذلك إلى حملات احتجاج لدى بعض الشركات المعنيّة بتنظيم رحلات العمرة، وخصوصاً أن عدداً من مقدّمي التأشيرات من ذوي الدخل المحدود. وتحاول بعض شركات تنظيم الحملات التواصل مع شركات الطيران، وخصوصاً طيران الشرق الأوسط، لمراعاة أوضاع مقدّمي الطلبات وتجميد تذاكر السفر التي دفعوا ثمنها ريثما تحلّ المشكلة.
تُمسك الرياض بمفاصل تنظيم مراسم الحج والعمرة، وتستغله لاصطياد المعارضين أو المتجرئين على القوانين السعودية الخاصة بمنع الشعارات الدينية خلال تأدية المناسك. اللافت أن النظام لا يألو جهدا في استغلال سلطته القهرية على مراسم الحج باعتبارها أداة دبلوماسية لتزخيم العلاقات مع دول وجهات سياسية بعينها، فنراه يخصّص تأشيرات لصالح جهات سياسية إقليمية حليفة له بالتوازي مع حجبها عن أخرى. ونذكر هنا منحة مقاعد الحج التي قدمها النظام عام 2018 لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وهو السياسي المسيحي، مقابل التضييق على حصة أنصار تيار رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، حليف الأمس القريب، في تسييس واضح للتوزيع.
ولا بدّ في معرض حديثنا عن التسييس، الاستشهاد بمنع القطريين والمقيمين فيها من الحج لمدة خمس سنوات إبّان أزمة حصار قطر عام 2017، بالإضافة إلى الحجاج اليمنيين والعراقيل التي وضعت أمامهم لمنعهم من أداء فريضة الحج منذ أن شنّ ابن سلمان حربه الهوجاء على الجار الجنوبي. وتبنى النظام سياسة مضاعفة تكاليف الحج وإغلاق المسار الإلكتروني من صنعاء وجعله بيد المرتزقة، حصر مسألة قطع جواز السفر بالمناطق الجنوبية المحتلة، بالإضافة إلى إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية أمام اليمنيين عدا منفذ الوديعة غير المؤهل.
وإذ ينفي النظام السعودي تسييس فريضة الحج إلا أن الحديث عن الدور السعودي لتفريغ مضمون فريضة الحج من جوهرها الروحي وتحويلها إلى مجرد سلعة من خلال توزيع تأشيرات المجاملة أو رشاوى الحج على من يتماهي مع المواقف الرسمية كما جاء في تسريبات ويكيليكس يغدو سمة رئيسية يتداولها المتابعون.
معلوم أن القانون الدولي يتيح للنظام السعودي بحكم سيطرته على البلاد فرض سلطته على الأماكن المقدسة في الجزيرة العربية، إلا أنه وفقاً للدين الإسلامي، فإنه يحق لجميع المسلمين الحجّ إلى بيت الله الحرام وممارسة شعائرهم، بحريّة تامّة وأمان، وهذا ما ليس متوفرّاً في ظل حكم سيطرة آل سعود على الجزيرة العربية، واستخدام مكة والمدينة بشكل متزايد كغطاء ديني لإضفاء الشرعية على سيطرتهم هذه، في مواجهة بقية المسلمين. تتزايد الدعوات المطالبة بتحييد إدارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة عن سياسة آل سعود الداخلية والخارجية، والعمل على تنظيم الحج والعمرة وبشكل يحرص على أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين وفصل كل العوامل والخلافات السياسية عن الشعائر الدينية.
لكن إلى الآن، لازال النظام السعودي ينظر إلى هذه الدعوات على أنها “مؤامرة” و”إعلان حرب” عل شرعيته المزعومة. وعلى الرغم من الفشل الواضح في إدارة شؤون الحج والتضييق على الحجاج الذين ينتمون لطوائف إسلامية مختلفة عن المدرسة الوهابية التكفيرية التي يتبناها النظام وحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية، فإنه لا يرى في ذلك انتهاكاً لحقوق ملايين المسلمين الذين يرفضون تحويل السعودية للمشاعر المقدّسة إلى شأن خاص وعدم وضع أي اعتبار للاختلافات الفقهية والمذهبية.
الانفتاح الذي يتطلع إليه المسلمون بخصوص موسم الحجّ يتعلّق بهدف كبير وهو تأمين قدْر أعلى من العدالة والمساواة والحرية والأمان، وهذا يبدأ من تغيير منهجية تفكير أولائك الذين يسيطرون على إدارة الحجّ، وتغيير خطابهم الديني التكفيري الذي يستخدم منبر عرفة واجتماع قلوب المسلمين، لبثّ السموم الطائفية والمذهبية والسياسية، والتفرقة والخلاف. لقد حوّل محمد بن سلمان الشعائر الدينية إلى سلعة تجارية تستهدف الأغنياء على حساب الفقراء وجعل الأماكن المقدسة شباك صيد واقتناص للناشطين والمعارضين في ظل التضييق على شعوب الدول التي لا تتماهى مع سياساته.
كل ما ورد غير منفصل عن حالة الفوضى الموافق عليها “سعوديا” لناحية عدم ضبط أسعار حجوزات الطيران والفنادق، وترك الأمور تجري وكأنها ساحة لمن يجني أكثر، فضلا عن حجب النظام السعودي للآثار الإسلامية، وما أطلق عليه علماء الآثار “نكبة الآثار الإسلامية في مكة والمدينة”، لتحويلها إلى دورات مياه وفنادق فارهة.
ارسال التعليق