النفط يدفع السعودية إلى الإصلاح أو الإفلاس
أوضح تقرير اقتصادي حديث أن المملكة العربية السعودية قد تلجأ بشكل متزايد إلى إصدار المزيد من السندات الحكومية لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها، مع استمرار انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف منذ الصيف الماضي.
ووفقا للتقرير فإن السعودية قد تستمر بسحب المزيد من المليارات من صندوقها السيادي الاحتياطي الذي تشكلت أمواله من فوائض الطفرات النفطية.
ويقدر «صندوق النقد الدولي» أن السعودية تواجه خلال العام الجاري أكبر عجز في تاريخ ميزانيتها قد يصل إلى 150 مليار دولار.
وتذهب تقارير غربية إلى حد القول بأن المملكة تتجه نحو الإفلاس في حال استمرار التدهور الحالي لأسعار النفط.
من جانبه، يرى الكاتب والصحفي «عبدالباري عطوان» أن هذا الاتجاه يتسارع بسبب حروب السعودية في اليمن وسوريا وإنفاقها الضخم على التسلح، حيث جاء ترتيب السعودية في المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين على صعيد شراء الأسلحة خلال العام الماضي والتي أنفقت عليها 82 مليار دولار.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن السعودية أصدرت خلال الفترة الماضية من العام الجاري سندات بقيمة حوالي 27 مليار دولار لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها.
وكان آخر هذه الإصدارات يوم الثلاثاء في 11 أغسطس/ آب الجاري بقيمة 5.3 مليارات دولار، غير أن الحكومة السعودية لا تكتفي فقط بإصدار السندات، بل أنها تلجأ لتمويل العجز بسحب عشرات المليارات من صندوق الاحتياطات المالية السيادية الذي قدرت قيمته بحوالي 732 مليار دولار أواخر العام الماضي.
غير أن هذه الاحتياطات تراجعت إلى 673 مليارا في أغسطس/ آب الجاري.
وفي حال استمرار تراجع الإيرادات النفطية إلى أكثر من سنتين فإن المملكة ستواجه مشكلة مالية كبيرة بسبب الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي الذي ارتفع سنويا بنسبة 17 إلى 18% سنويا خلال السنوات العشر الماضية، كما يقول الخبير الاقتصادي السعودي «عبد الرحمن السلطان»، الذي أضاف أن معظم الإنفاق يتم على الرواتب والقطاع العام وعلى مشاريع طويلة الأمد يتطلب إنجازها عدة سنوات.
عوامل عدة تمنع زيادة أسعار النفط
وتذهب تقديرات عديدة إلى أن أسعار النفط لن تتحسن بسرعة هذه المرة كما حصل خلال العقود الثلاثة الماضية.
ويعود هذا الأمر لأسباب عدة في مقدمتها التخمة الحالية في السوق النفطية بسبب رفض السعودية ومعها دول خليجية أخرى تخفيض كمية الإنتاج خلال قمة منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» الأخيرة.
ويزيد من حدة التخمة استمرار الركود العالمي على وقع الأزمة المالية العالمية، مضافا إلى ذلك أن الاتفاق النووي الإيراني سيفسح المجال أمام إيران لزيادة إنتاجها النفطي وصادراتها منه إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2017.
كما أن العراق في طريقه لإنتاج 4 ملايين برميا يوميا ما يعني ضخ المزيد من الصادرات في الأسواق العالمية.
ومع تحسن تقنيات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ستكون الأخيرة قادرة على ضخ المزيد من النفط للاستهلاك المحلي والتصدير.
ويساهم الإقبال المتزايد على استهلاك الغاز والاعتماد على الطاقات المتجددة بدوره في الحد من الطلب على النفط.
وتنبئ كل هذه العوامل بسنوات عجاف قادمة بانتظار الاقتصاد السعودي الذي يعتمد في إيراداته على النفط الخام كونه يشكل مع مشتقاته أكثر من 90% من الصادرات السعودية.
وبحسب التقرير، فإن استمرار تراجع أسعار النفط من جهة، والوتيرة الحالية السريعة لاستهلاك أموال صندوق الاحتياطات المالية من جهة أخرى سيقود خلال أعوام قليلة لاستهلاك هذه الاحتياطات.
وفي حال حصل ذلك سيصعب على السعودية بيع المزيد من السندات الحكومية والاقتراض من الأسواق الدولية.
من جهته، طالب «وليد خدوري» الخبير في شؤون الطاقة، السعودية والدول النفطية الأخرى بإصلاحات عميقة مضيفا: «آن الأوان للدول النفطية ومن ضمنها السعودية لكي تقوم بإصلاحات اقتصادية لمواجهة مشاكل تدني الأسعار، لاسيما وأن بعض هذه الدول كالعراق يواجه مشاكل حتى على صعيد دفع رواتب موظفيه، وفي الحقيقة فإن هكذا إصلاحات ضرورية بغض النظر عن مستوى أسعار النفط، لأن الاعتماد على تصدير مادة أولية وحيدة طريق محفوف بمخاطر لا تحصى».
وبالنسبة للسعودية فإن عدد السكان الذي وصل إلى نحو 30 مليون نسمة ونسبة البطالة التي تصل إلى أكثر من 40% في صفوف الشباب يجعل من الإصلاح أمرا لا مفر منه.
غير أن السؤال المطروح هو كيف يمكن للسعودية القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية في الوقت الذي يتم فيه رسميا تجاهل الحديث عن الصعوبات التي تواجه الاقتصاد السعودي، كما لا يتم إعداد المواطن السعودي لتقبل فكرة هذه الإصلاحات التي تعني أولا الاعتماد سياسات تقشفية تؤدي إلى تقليص الإنفاق الحكومي وفرض ضرائب على الدخل والأرباح ورفع الدعم الحكومي عن المحروقات وسلع أخرى.
على صعيد متصل تظهر تجارب دول عربية كتونس ومصر وسوريا قبل اندلاع ثورات «الربيع العربي» أن الإصلاحات الاقتصادية تصل إلى طريق مسدود إذا لم يواكبها إصلاحات سياسية تعزز دور القانون وسلطة البرلمان ودور الإعلام.
وطرح التقرير سؤالا: «هل هناك استعداد لدى العائلة المالكة السعودية القيام بإصلاحات سياسية مواكبة لعملية إصلاح اقتصادي لا يمكن تجنبها؟».
شبح الإفلاس قائم
وذكر التقرير أن السعودية ما تزال بلدا نفطيا بامتياز منذ تأسيسها في ثلاثينات القرن الماضي.
وعلى الرغم من الطفرات النفطية التي وفرت لها تريليونات الدولارات الإضافية خلال السنوات الخمسين الماضية، فإن هدف تنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي ما يزال بعيد المنال.
وكلما استمرت أسعار النفط بالتدهور، ستنكشف أكثر فأكثر عورات السياسات الاقتصادية السعودية التي تركز على الإنفاق الاستهلاكي المتزايد لتمويل الميزانية العامة والحروب في اليمن وسوريا ومناطق أخرى.
وأفاد التقرير، بأن هذا الوضع سيفرض على السعودية القيام بإجراءات تقشفية صارمة في المستقبل القريب على حد قول الإعلامي السعودي «جمال خاشقجي»، الذي أعاد إلى الأذهان الإجراءات التقشفية التي أصدرها الملك الراحل «فيصل بن عبدالعزيز» أواخر الخمسينات وطوال الستينات، والتي أنقذت البلاد.
واختتم التقرير بسؤال: «إلى أي حد يمكن للإجراءات التقشفية المساهمة في مواجهة أزمة مالية كبيرة تواجهها السعودية؟ وهل ستتجرأ العائلة المالكة على القيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية المواكبة لسياسيات التقشف في الوقت المناسب؟»، مضيفا أن عدم القيام بذلك في الوقت المذكور يجعل من سيناريو الإفلاس أمرا واقعا بعد استنزاف الاحتياطات المالية.
ارسال التعليق