الوحشيّة السعودية والصهيونية مقاربة في الأساليب والأهداف
لطالما تصدر الكيان الإسرائيلي الطليعة في المجازر التي ترتكب بحقّ الشعوب العربية والإسلامية، وقد أفضت الجرائم الإسرائيلية بدءاً من صبرا وشاتيلا، ووصولاً إلى غزّة مروراً بقانا إلى ترسّخ بعض الشخصيات الإسرائيلية أمثال شارون وبيريز بهيئة مجرمي حرب.
المشروع الإسرائيلي الذي بدأ العام 1948 إثر وعد “بلفور” زرع في فلسطين غدّة سرطانيّة أثّرت على محيطها العربي والإسلامي بشكل منقطع النظير، حيث تخطّت الطموحات الاسرائيلية حدود فلسطين التاريخية لتصل إلى كافّة دول الطوق، كسيناء في مصر، خليج العقبة في الأردن، الجولان في سوريا و الجنوب في لبنان.
لم تنجح “اسرائيل” في تحقيق مشروعها الاستعماري، رغم الدعم الأمريكي غير المسبوق والذي ارتفع مؤخراً لينال الكيان الإسرائيلي مساعدات سنويّة تبلغ 3.8مليار دولار، وكذلك كافّة المجازر الإسرائيلية التي ترتفع حدّتها عند الوصول إلى طريق مسدود لتشكّل بدورها “مخرج أممي” عبر قرارات مجلس الأمن التي تدأب لتعطي “اسرائيل” في السلم ما عجزت عنه بالحرب.
إلا أن الأزمات الأخيرة في المنطقة، كشفت عن دور سعودي مماثل يجعل من النظام السعودي عموماً، والملك سلمان على وجه الخصوص، رمزاً يوازي في إجرامه شارون وبيريز، استناداً إلى مؤشرات عدّة، أبرزها التالي:
النشأة :
قد يغفل البعض عن وجه التشابه الحاصل من النشأة بين “اسرائيل” والسعودية، فاللقاء الذي حصل بين الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلين روزفلت صباح 14 شباط (فبراير) 1945، على متن السفينة الأمريكية “كوينسي” كرّس الدعم الغربي للنظام السعودي، حيث قدّم الرئيس روزفلت حينها وعوداً بدعم السعودية مقابل أن تترك الأخيرة الباب مفتوحاً أمام واشنطن التي “لن تعود لسياستها الانعزالية أبداً”. تشابه آخر في النشأة يتعلّق بالجهة الغربية المشغّلة، فرغم أن وعد بلفور كان بريطانياً، وكان اليهود مرتبطون بالإحتلال البريطاني في فلسطين، إلا أن “الصهاينة” عدلوا عن الحليف السابق نحو أمريكا لأسباب لسنا في وارد ذكرها حالياً. السعودية كذلك، كانت تحظى بدعم بريطاني في عهد رئيس الوزراء ونستون تشرشل، إلا أنها لم تلبث سريعاً للتوجّه نحو أمريكا إثر اللقاء مع الرئيس روزفلت الذي أظهر نوعاً من الاحترام للملك عبد العزيز بخلاف تشرشل الذي كان يعتمد على السياسة الاستعلائية البريطانية في تعاملها الطويل مع شيوخ العرب. وبالفعل، جنّ جنون تشرشل عندما سمع بعزم روزفلت أن يلتقي عبد العزيز، وقد التقى بعبد العزيز بعد ثلاثة أيام فقط على لقاء روزفلت، إلا أن عبد العزيز كان قد وقع في غرام الأمريكيين.
أساليب مشابهة :
كذلك، يتشابه الأسلوب الذي تنتهجه السعودية حالياً مع الأساليب الإسرائيلية المتّبعة لنواحي الشكل والمضمون وما هو أبعد من ذلك.
في الشكل، إن ما ارتكبه الملك سلمان من مجازر في العدوان على اليمن، يوازي ما ارتكبه كل من شارون وبيريز في لبنان وفلسطين. فقد كشف التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة وجود أكثر من 6700 شهيد من المدنيين فقط في اليمن، أي ما يوازي المجازر الإسرائيلية في صبرا وشاتيلاً (2500 شهيد)، وقانا 1996 (170 شهيد)، وعدوان تموز 2006 (1200 شهيد)، عدوان غزّة 2008 (1285 شهيد) وغزّة 2014 (2147). في اليمن، على سبيل المثال لا الحصر، فإضافة إلى مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء والتي راح ضحيّتها أكثر من 800 بين شهيد وجرح، هناك العديد من الجرائم المماثلة ففي سوق الخميس الشعبي بمديرية مستباءبمحافظة حجة غرب اليمن استشهد وأصيب نحو 120 شخصا إثر غارتين شنهما طيران العدوان السعودي. في المخا، استشهد أكثر من 100 وجرح حوالي 150، وفي محافظة ذمار استشهد 66 مواطنا وجرح 52 معظمهم من النساء والأطفال، وأما في صعدة، فقد أدّت غارة لطيران العدوان السعودي على مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم إلى استشهاد وجرح 27 طالباً.
في المضمون أيضاً، هناك الكثير من أوجه الشبه بين السعودييين والإسرائيليين، فكما أن الطائرات الإسرائيلية لم تستثني المدارس والمستشفيات والأثار والمقابر والمساجد (قصفت 50 مسجدا خلال حربها على غزة عام 2014) بعد انتهاء بنك الأهداف، لتحقيق أي نصر وهمي، نشاهد اليوم أسلوب سعودي مشابه، فبعد نفاذ بنك الأهداف السعودية خلال الأيام الأولى للعدوان، تعمد طائرات التحالف منذ ذلك الحين إلى البحث عن أي نصر وهمي، تارةً بالمجازر وأخرى بالأهداف المدنية كالجامعات والمدارس والمستشفيات ، فقد نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً تحدّثت فيه عن 26 عملية قصف سعودية للجامعات و253 قصفا استهدف مدارس و58 قصفا استهدف مستشفيات، فضلاً عن تدمير 136 مسجدا في محافظة صنعاء فقط!
لا يقتصر تشابه الأسلوب على الشّكل والمضموم، فكما أن الكيان الإسرائيلي بالتعاون مع واشنطن، وأحياناً دون علمها، عمد إلى لقاء وتسليح الميليشيات اللبناينة إبان الحرب الأهلية اللبنانية وفق الكتاب الذي صدر حديثاً في أمريكا تحت عنوان ” ميادين التدخّل: السياسة الخارجيّة الأميركيّة وانهيار لبنان، ١٩٦٧ ــ ١٩٧٦” وتحدّث دور واشنطن في السياسة اللبنانيّة في بداية الحرب الأهليّة بناءً على الأرشيف الأميركي من سجلات وزارة الخارجية ودوائر استخبارية وغيرها، فإن عشرات التقارير تتحدّث عن دعم سعودي بالتعاون مع أمريكا، وأحياناً دون علمها، للجماعات المسلّحة في سوريا والعراق.
الأهداف :
وأما في الأهداف فرغم الإرتباط الوثيق لهاذين الكيانين، السعودي والإسرائيلي، بأمريكا، إلا أن لكل من هذه الأنظمة أهدافه الخاصّة، ففي حين تسعى “اسرائيل” لتحقيق أهدافها الاستعمارية في مختلف دول المنطقة، تحاول السعودية تكريس نفسها كزعيمة للعالم العربي، والإسلامي السنّي، عبر تدمير العراق سابقاً، وسوريا حالياً، ومصر مستقبلاً، إلا أن هذه الأهداف قد تتطّلب، في المرحلة اللاحقة، تعاونا علنيّاً بين الطرفين. وبالفعل، شهدت الفترة الأخيرة لقاءات ومعلومات عن اتكاء كل طرف على الأخر في سبيل تحقيق أهدافه، أي أن كل طرف وجد في الأخر ضالّته، وهذا ما يفسّر طفرة العلاقات الإسرائيلية، السريّة والعلنية على حدّ سواء، مع العديد من دول المنطقة.
الخلاصة :
يبدو جليّا كثرة أوجه التشابه بين الكيان الإسرائيلي والسعودية، لاسيّما في الوحشية التي أغرقت البلاد العربية والإسلاميّة ببحر من الدماء، إلّا أن أحد أبرز الفروقات بين الطرفين هي أن الإرهاب الإسرائيلي ممنهج ومدروس، بخلاف الإرهاب السعودي الهمجي، وهذا ما يفسّر تصدّر الأخيرة لقائمة الإرهاب في العالم، وفق ما صرّحت وزير الخارجية الأمريكية السابقة، ومرشّحة الرئاسة الحالية، هيلاري كلينتون في وثائق ويكيليكس الأخيرة، إلا أن الوقاع يؤكد أنهما وجهين لعملة واحدة.
بقلم : مصطفى ناصر الدين
ارسال التعليق