اليمن في زمن الكوليرا.. رائحة الموت تحاصر الجميع
لم يخطر يومًا بأذهان الشعب اليمني أن يأتي عليهم الوقت الذي يتمنون فيه البقاء فقط على قيد الحياة، يأملون ألا تصيبهم قذائف الطائرات الطائشة، ولا يضربهم وباء الكوليرا الذي بات متفشيًا في البلاد، والناتج عن حرب سعودية أبادت الأخضر واليابس، حيث أصبح الشعب اليمني يبحث فقط عن الحياة، بعد أن أدرك أنه حتى إن أفلت من القذائف والصواريخ والقنابل الطائشة، فإنه سيصاب بالوباء الكارثي الذي حصد أرواح المئات حتى الآن، فتعددت الأسباب والموت واحدًا.
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، من أن مرض الكوليرا ينتشر في اليمن بصورة غير مسبوقة، وهو ما يحول وضع الأطفال المزري في اليمن إلى كارثة، وقال المدير الإقليمي لليونيسيف، جيرت كابيلير، بعد زيارته لليمن إنه في غضون شهر واحد فقط، أُعلن عن ظهور ما يقرب من 70 ألف حالة إصابة بالكوليرا، ووفاة نحو 600 شخص، وأضاف أن عدد الأشخاص المتوقع إصابتهم بالفيروس قد يصل إلى 130 ألف شخص خلال الأسبوعين المقبلين، وأوضح كابيلير: خلال مرحلة تقييم حالات الطوارئ في واحدة من المستشفيات القليلة العاملة التي زرتها، رأيت مشاهد مروعة لأطفال بالكاد على قيد الحياة، وأطفال صغار الحجم جدًا، وزنهم أقل من اثنين كيلوجرام، وهم يكافحون من أجل البقاء، وأعرب عن مخاوفه بأن يكون بعضهم “قد مات خلال الليل”.
مسؤول اليونيسيف أكد أن العديد من العائلات بالكاد تتحمل تكلفة نقل أطفالها إلى المستشفيات، وأضاف: لكن هؤلاء هم المحظوظون، إذ أن عددًا لا يحصى من الأطفال في أنحاء اليمن يموتون في صمت لأسباب يمكن الوقاية منها بسهولة أو علاجها، مثل الكوليرا والإسهال وسوء التغذية، وتابع “كابيلير”: ألتقيت بموظفي الصحة الذين يسابقون الزمن من أجل منع وفاة المزيد من الأطفال جراء الكوليرا، وهؤلاء ملتزمون بأداء واجباتهم بالرغم من عدم تلقيهم رواتبهم منذ نحو تسعة أشهر، ويجب علينا بذل كل ما في وسعنا لتوفير المستلزمات الطبية الضرورية، وتقديم الدعم الذي يحتاجونه بشدة، وأكد المدير الإقليمي لليونيسيف: أن المجتمع الدولي بحاجة إلى بذل المزيد لتقديم الدعم الفوري لجهود الإغاثة في الصحة والمياه والصرف الصحي والتغذية وتعبئة المجتمع، اليونيسيف تحتاج بشدة إلى 16 مليون دولار للسيطرة على تفشي الكوليرا.
هذه التحذيرات لم تكن الأولى من نوعها التي تطلقها المنظمات والجمعيات الحقوقية والإنسانية الأممية، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية، الجمعة الماضية، ارتفاع عدد ضحايا الكوليرا في اليمن إلى 605 أشخاص، منذ بدء الموجة الجديدة للوباء في 27 إبريل الماضي، وذكرت المنظمة أنه تم تسجيل 73700 حالة إصابة في 19 محافظة يمنية، بينها 605 حالات وفاة، وأضافت أنه خلال يومي الخميس والجمعة سجل 73 وفاة جديدة، ليرتفع بذلك عدد الوفيات من 532 حالة وفاة إلى 605 حالات وفاة.
تأتي هذه النداءات المتزايدة في الوقت الذي تشهد فيه الرعاية الصحية في اليمن تدهورا غير مسبوقة، حيث عجزت المستشفيات ووحدات الرعايا الصحية التي نجت من القصف عن استيعاب الأعداد المهولة المصابة بأمراض خطيرة، ناهيك عن المجاعه التي تكاد تضرب نحو سبعة ملايين شخص في البلاد، وانهيار القطاع الصحي واستهداف المستشفيات وإغلاق ما تبقى منها، وتراكم تلال النفايات في الشوارع، الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف اليمن حاليًا كواحدة من أشد حالات الإغاثة العاجلة، بجانب سوريا وجنوب السودان ونيجيريا والعراق.
هذه النداءات دفعت كلًا من السعودية والإمارات إلى اتخاذ إجراءات من شأنها حفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، فبدلًا من اتخاذ قرارات فورية بوقف الحرب على اليمن التي قتل خلالها ما يقرب من 7700 شخص، وشرد بسببها أكثر من مليون شخص آخر، وفق إحصائيات الأمم المتحدة، أو على الأقل تجنيب المدنيين والمناطق المأهوله بالسكان القصف العشوائي، اتخذت كلا البلدين خطوات من شأنها رفع الإدانة والاتهامات عن كاهلهما، حيث وصلت إلى مطار عدن الدولي جنوب اليمن، الخميس الماضي، طائرة نقل إماراتية على متنها 50 طنًا من الأدوية الخاصة بمكافحة مرض الكوليرا، وقال رئيس وفد الهلال الأحمر الإماراتي، خالد المزروعي، الذي كان في استقبال الطائرة إن هذه الأدوية ستسلم لمنظمة الصحة العالمية، وسيتم توزيعها على كل المحافظات اليمنية حسب الحاجة وخاصة المحافظات التي ينتشر فيها وباء الكوليرا.
على شاكلة الإمارات سارت حليفتها السعودية، حيث بعثت المملكة السبت الماضي إلى محافظة عدن قافلة دوائية مُقدمة من “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، وقالت نائبة رئيس الهيئة العليا للإغاثة، ابتهاج الكمالي، إنه جرى توزيع 300 طن من الأدوية والمحاليل الخاصة بمرض الكوليرا من مجموع 550 طنًا مقدمة من مركز الملك سلمان للشعب اليمني لمكافحة المرض.
ارسال التعليق