امبراطورية الكبتاجون.. السعودية أكبر مستهلك لها
توسّعت تجارة حبوب الكبتاجون المخدّرة في الشرق الأوسط الى حد كبير خلال العام 2021 لتتجاوز قيمتها خمسة مليارات دولار، ما يرتّب مخاطر صحية وأمنية متزايدة في المنطقة، وفق ما أظهر تقرير جديد الثلاثاء.
وقد أثارت قضية اعتقال الأمير السعودي عبدالمحسن بن وليد أل سعود اهتمام عدد كبير من وسائل الإعلام العربية والعالمية، عام 2015، عندما ألقت الشرطة اللبنانية القبض عليه، وكان محاولة القبض عليه تعد بمثابة صيدا ثمينا للشرطة اللبنانية ومادة دسمة لعناوين الصحف ونشرات الأخبار حينها.
وكشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد”، في سلسلة تغريدات له ان “الأمير المعتقل في بيروت والذي ضُبط يهرب طنين من “الكبتاغون” هو عبدالمحسن بن وليد بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز وكان ينوي نقل الكبتاغون إلى حايل، وسبب اختيار حايل هو أن أميرها سعود بن عبدالمحسن (عم الامير المعتقل) وقد تحولت تحت سلطته إلى مركز استقبال وتوزيع للمخدرات بكافة أنواعها بحصانة كاملة.وسلطت حادثة “الكبتاجون” مزيد من الضوء على تاريخ أمراء آل سعود في تهريب وتعاطي المخدرات، حيث نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تقريراً حول هذا الموضوع عنونته بـ”مشكلة المخدرات الملكية السعودية”، وضم سرد لتاريخ العائلة المالكة مع المخدرات، حيث ذكر التقرير أن “الصلة المباشرة للأمير السعودي الذي أوقف في بيروت لتهريبه المخدرات بآل عبد العزيز بن سعود، لا تقول أنها المرة الأولى التي يُتهم فيها أمراء سعوديين بمثل هذا، حتى ولو كانوا من فروع بعيدة نسبياً عن أسرة عبد العزيز بن سعود وأحفاده، ففي عام 1999، أتهم الأمير نايف بن سلطان بتهريب الكوكايين من فنزويلا إلى فرنسا، وأنه حالياً يعيش في السعودية تحت حصانة قانونية، فالأمير نايف تمت إدانته من قبل فرنسا باستخدام وضعه الدبلوماسي في تهريب المخدرات على متن طائرة تابعة للأسرة المالكة السعودية, وقد تمكن من الفرار قبل الحكم عليه بعشر سنوات عام 1999، وإصدار مذكرة ملاحقة دولية بحقه عام 2007, كما أن الولايات المتحدة قد سبق وقد وجهت له اتهامات بتوزيع الكوكايين قبل ذلك في الثمانينيات”.
ويضيف التقرير “في عام 2010، جاء في برقية مسربة على موقع ويكيليكس تعبير مزدهرة ونابضة واصفاً مشهد العالم السري للحفلات الملكية السعودية للمخدرات في مدينة جدة، وذلك لأن السلطات السعودية تغض الطرف عن هذه الحفلات في هذه المدينة, البرقية تصف حفلة هالوين ممولة من أمير ينتمي لفرع ثنيان آل سعود (شقيق الملك المؤسس)، حيث أكثر من 150 رجل وامرأة يرتدون الأزياء التنكرية ويشربون الكحول المهربة الغالية التي تباع فقط في السوق السوداء السعودية، مع كميات هائلة من الحشيش والكوكايين يشاع استخدامها في هذه الدوائر الاجتماعية”.
وأشارت “فورين بوليسي” إلى طبيعة العقوبات التي تصدرها المملكة والتمييز في تطبيقها، حيث أشارت إلى “العقوبات القاسية المبنية على تفسيرات السعودية للشريعة الإسلامية لا تُطبق على نحو 15 ألف أمير وأميرة ينتمون إلى بيت آل سعود, لكن ذلك لم يحول دون تطبيق الإعدام على الأجانب والمواطنين غير المنتمين إلى العائلة المالكة المرتكبين انتهاكات أقل فظاعة من قانون تهريب المخدرات في هذه البلد”.
ولم يستبعد تقرير المجلة الأميركية أن يكون للمخدرات دور في الجرائم التي ارتكبها أمراء سعوديين في مختلف بلدان العالم، سواء جرائم النفس أو الاغتصاب والتعدي الجسدي، مثل قضية الأمير سعود بن عبد العزيز بن ناصر آل سعود الذي أدين فيها بقتل خادمه (سوداني الجنسية) تحت تأثير المخدرات بعد الاعتداء عليه جنسياً في أحد الفنادق بلندن، ومن ثم الحكم على الأمير السعودي بالسجن مدى الحياة وتم تنفيذ العقوبة وسجنه عام 2010، إلا أن القضاء البريطاني وبضغط أموال واستثمارات آل سعود قد أصدر قرار بأن يقضي الأمير السعودي ما تبقى من عقوبته في بلده، التي لم تحكم عليه طبقاً لما ينص عليه قانونها في مثل هذه الجرائم وهو الحكم بالإعدام.
حتى الأن لا يوجد مؤشر عما ستؤول إليه قضية “الكبتاجون” ومصير الأمير عبد المحسن، إلى أن سوابق جرائم مماثلة تشير إلى نجاة الأمراء منها دوماً، بالضغط المالي والسياسي والإعلامي، أو باستخدام نفوذ للتلاعب في سير التحقيق وتحميل شخص أخر المسئولية الأولى للجريمة, لكن على أياً كان ما ستؤول إليه القضية الأكبر من نوعها في تاريخ قوى الأمن اللبناني، فأن الظروف السياسية والأمنية في لبنان وكذلك الظروف الخاصة بالجريمة من حيث التأثير والحجم والصدى الإعلامي، تشي بأن الأمير عبد المحسن لن يكون كسابقيه من أقرانه الملكيين، حتى وإن بدأت الرياض في استخدام نفوذها المالي والدبلوماسي والسياسي في إسكات وسائل الإعلام في لبنان والدول العربية للحيلولة دون الحديث عن القضية، التي من المتوقع أن تحاط بقدر كبير من التعتيم الإعلامي الطوعي تمهيداً لإنهائها بشكل يضمن حرية الأمير الشاب دون أن يعرض السلطات القضائية والتنفيذية في لبنان للانتقاد.
وتعد جريمة تهريب المخدرات في السعودية من أحد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام بقطع الرأس، أياً كانت الكمية المضبوطة, والحادثة الأقرب إلى أذهاننا هي قضية المحامي المصري، أحمد الجيزاوي، الذي أتهمته السلطات السعودية بتهريب عقار “الترامادول” قبل نحو ثلاث سنوات.
وكانت طائرة الأمير السعودي قد وصلت إلى بيروت في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وحدد لها ميعاد وصول وإقلاع قبل وصولها بنحو يومين، فيما تم شحن الطرود التي حوت المخدرات في يوم المغادرة وذلك عن طريق سيارة دفع رباعي نقلتها قبل وصول الأمير للمطار بساعات، حيث كان من المفترض أن توضع على الطائرة عند وصول الأمير قبل إقلاعها دون تفتيش كما تنص القوانين والأعراف الدبلوماسية التي لا تجيز تفتيش طرود أو حقائب خاصة بأمراء الأسرة الحاكمة في السعودية الذين يحملون امتياز دبلوماسي، سواء كانوا كذلك أم لا، والطرود التي تجاوز عددها 24 طرداً بالإضافة إلى 8 حقائب سفر كبيرة الحجم، ختمت جميعا بعبارة “خاص بصاحب السمو الملكي الأمير عبد المحسن بن وليد آل سعود”، ليتم كشفها عن طريق قوى الأمن اللبنانية في مطار رفيق الحريري بعد مشادة كلامية بين مساعدي الأمير وأحد عناصر الأمن اللبناني الذي أصر على تفتيش أحد الطرود بعد رفض الأمير وحاشيته إمرارها في أجهزة الكشف الأمني، ليكتشف عنصر الأمن اللبناني عشرات من أكياس “زينيا” وهو أسم أفضل أنواع “الكبتاجون” داخل أحد الطرود ومن ثم فتحها جميعا واحتجاز الأمير ومساعديه الذي بدا عليهم أثر مخدر الكوكايين.
صحيفة ليبراسيون الفرنسية، Libération، كانت قد نشرت تقريرا حول نوع من المخدرات يُسمّى “الكبتاجون” أو “فينيثايلين”، يتم صنعه في لبنان خاصة، ويتميز بتوفيره “لحالة من الهدوء والثبات لمتعاطيه” وأن هذا “النوع من المخدّرات كان يُستعمل كدواء، حيث أن “مستهلكه هو الشخص الذي يعاني من اضطراب فرط النشاط، الخدار، الإجهاد، الاكتئاب، ومتلازمة ما بعد الصدمة أو الاضطراب العقلي”، غير أنه أصبح يُباع بكميات وافرة لدى الجماعات المسلحة، مثل تنظيم داعش، بعد أن تبين أنه يُمكّن منفذي الهجمات و”العمليات الإنغماسية” من تغييب حالة الاضطراب أو الخوف.
فيما قالت صحيفة الديار اللبنانية ان “آخر المعلومات بشأن التحقيق مع الأمـير المهرب السعودي أنه اشترى البضاعة من اشخاص من آل عزالدين وهم من عرسال من الطائفة السنيّة الكريمة ودفع لهم نقداً المبلغ وسلّموه البضاعة في (بك آب) وهم رهن التحقيق لاستكماله ويبدو أن مصدر البضاعة قد يكون داعش وسلّمه “داعش” في عرسال لآل عزالدين الذين نقلوا البضاعة للأمير السعودي”.
ورسم التقرير الذي نشره "معهد نيولاينز" للأبحاث الذي يتخذ من واشنطن مقرا، واطلعت وكالة "فرانس برس" على نسخة منه، صورة مقلقة عن تأثير ازدهار صناعة الكبتاجون في المنطقة.
وجاء في التقرير الذي أعده الباحثان "كارولين روز" و"الكسندر سودرهولم" أنّ تجارة الكبتاجون باتت تشكل "اقتصاداً غير مشروع متسارع النمو في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط".
واستناداً الى احتساب قيمة مضبوطات كبيرة وحدها، "تُقدّر القيمة المحتملة لتجارة التجزئة عام 2021 بأكثر من 5.7 مليار دولار".
ويشكل الرقم قفزة كبيرة مقارنة بقرابة 3.5 مليار دولار عام 2020، علماً أنه يعكس فقط قيمة سعر التجزئة للحبوب التي جرت مصادرتها العام الماضي، والتي حددها التقرير بأكثر من 420 مليون حبة.
ولم تفصح العديد من الدول عن القيمة الإجمالية للمواد التي جرت مصادرتها والتي تُعدّ سوريا المنتج الرئيسي لها والسعودية المستهلك الرئيسي.
وعلى الأرجح، فإن الكمية الفعلية للحبوب التي تمّ ضبطها هي أعلى بكثير، ولا تشكل إلا جزءاً صغيراً فقط من الكميات التي يتمّ إنتاجها.
ويظهر رصد أجرته وكالة فرانس برس أن وتيرة ضبط شحنات الكبتاجون تتواصل خلال العام الحالي إنما بوتيرة أبطأ مقارنة مع العام الماضي. ويعود ذلك غالباً إلى ضبط شحنة قياسية في آذار/مارس 2021 مؤلفة من 94 مليون حبة في ماليزيا.
والكبتاجون أساساً هو التسمية التجارية لعقار نال براءة اختراع في ألمانيا في أوائل الستينات من القرن الماضي، مؤلّف من أحد أنواع الأمفيتامينات المحفزة ويدعى فينيثلين، مخصّص لعلاج اضطرابي نقص الانتباه والأرق من بين حالات أخرى.
وتمّ حظر استخدام العقار لاحقاً ليتحوّل مخدراً يتم إنتاجه واستهلاكه بشكل شبه حصري في منطقة الشرق الأوسط.
وأصبح الكبتاجون اليوم علامة تجارية لمخدر قد يحتوي على القليل من الفينيثلين أو يخلو منه تماماً، وينقش على الحبة حرفا "C" متشابكين، في إشارة إلى الحرف الأول من الكلمة باللغة الإنجليزية.
وجعل التغيير المستمر في تركيبة حبوب الكبتاجون محاولات إحباط الاتجار به أكثر صعوبة، وفق "معهد نيو لاينز" الذي أوضح أن "أحد الجوانب الأكثر صعوبة في تتبع أنماط إنتاج الكبتاجون وتهريبه واستهلاكه يكمن في تحديد مركبه الطليعي وتعديل تركيبته الكيميائية باستمرار".
وتُعد سوريا المصدر الأبرز لتلك المادة منذ ما قبل اندلاع الحرب عام 2011، إلا أن النزاع جعل تصنيعها أكثر رواجاً واستخداماً وتصديراً. وباتت قيمة صادرات الكبتاجون تفوق بأشواط الصادرات الشرعية، ما جعل سوريا تصنّف على أنها "دولة مخدرات".
وتقع بعض منشآت صناعة الكبتاجون الصغيرة في لبنان الذي يعد أساساً ثالث مورد لنبتة الحشيشة بعد المغرب وأفغانستان.
وأورد التقرير أن "لبنان يعد بمثابة امتداد لتجارة الكبتاجون السورية ونقطة عبور رئيسية لتدفقات الكبتاجون".
ارسال التعليق