بدعم السعودية و قطر و “اسرائيل” و أمريكا..اردوغان يعد جيشاُ من 800 ألف مقاتل لاحتلال الشمال السوري
يوم بعد يوم، يتأكد أن كل ما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه أردوغان كان كمن يصب الماء في الرمل، وأنه كان يراهن على ذئب غادر لا يؤتمن جانبه، وأن التكتيك الذي تعامل به مع السلطان لجره إلى معسكره من بوابة إشراكه في محاربة الإرهاب كان يقابله أردوغان بتكتيك آخر يتمثل في مسايرة موسكو في رؤيتها بموازاة العمل على تنفيذ أجندة أنقرة الخفية في سورية والمتمثلة أساسا في دق إسفين بين موسكو وطهران.
لقد بدا لفترة أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح الذي رسمته موسكو بمعية حلفائها، لدرجة أن الرئيس بوتين عندما سمح لأردوغان بدخول الشمال السوري، كان على قناعة أن أردوغان الذي يؤرقه العامل الكردي سيكون مستعدا للتعاون في محاربة الإرهاب مقابل السماح له بمنع قيام كيان كردي على حدوده الجنوبية، لكن حسابات أردوغان كانت أبعد من الحدود التي رسمتها له روسيا في سورية.
بدأ أردوغان يتحدث عن ما أسماه بتحرير مساحة قدرها 5000 كلم مربع بدل 12 المتفق عليها مبدئيا، ووضع لها حدودا جغرافية تمتد من جرابلس إلى أعزاز شمالا فالباب جنوبا ثم منبج شرقا وصولا إلى عاصمة “داعش” في الرقة، وهو المشروع الذي عارضته إيران ودمشق في الوقت الذي كانت موسكو تتعامل معه بتسامح وتقول أن أنقرة التزمت لروسيا بعدم تقسيم سورية، لأن التقسيم ليس في مصلحة تركيا نفسها.
وهذا صحيح، لكن من قال أن تركيا كانت تسعى إلى تقسيم سورية؟..
المشروع التركي يقوم على فكرة بسيطة، لكنها فكرة جهنمية تتميز بقابليتها للتطبيق، ولن يكون في مقدور روسيا أو حلفائها التصدي لها، لأن الأمر لا يتعلق بمحاربة الإرهاب، بل بالتحالف مع الجهات الصحيحة من أجل القضاء على داعش وليس التعاون مع المنظمات الإرهابية كما أوضح أردوغان، في إشارة إلى القوات الكردية التي راهنت عليها إدارة أوباما دون نتيجة.
كما وأن التعويل على قوات “درع الفرات” لم يعد ممكنا لسببين على الأقل: الأول، أن الأمر يتعلق بالذراع العسكرية لـ”الإخونج” الذين يناهضهم ترامب ولا يقبل بالتعامل معهم لكرهه لكل ما هو إسلام سياسي.. الثاني، أن هذه القوات غير مؤهلة لخوض معارك ضارية لا مع “داعش” ولا مع “الأكراد”، وقد تبث عجزها برغم دعم الجيش التركي لها في السيطرة على مدينة الباب، الأمر الذي تجلى مرارا من خلال استنجاد أردوغان بروسيا مرة، وبالتحالف الدولي مرات لمساعدته على احتلال المدينة دون جدوى، خصوصا بعد أن أعلنت أنقرة أنها لن تحرر مدينة الباب لتسلمها إلى دمشق.
ولأن أردوغان يدرك أن الجيش التركي هو اليوم في وضع هش ويعيش أضعف مرحلة من تاريخه بسبب ما طاله من تطهير بعد فشل الانقلاب، ويعلم بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تنخرط بجنودها على الأرض لمحاربة الإرهاب لفائدة أحد، فقد تفتقت عقليته الشيطانية على فكرة جهنمية جديدة تقوم على ما يلي:
* وضع قانون جديد لتجنيد السوريين الموجودين في تركيا والذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 42 سنة، وتدريبهم في معسكرات تركية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الأطلسي، ومن ثم تزويدهم بالأسلحة النوعية والمعدات الثقيلة والعربات ليحاربوا “الإرهاب” الداعشي والكردي في الشمال السوري.
* كل من يتم تجنيده سيحصل على الجنسية التركية حكما، وقد حددت تركيا عديد القوات التي سيتم تجنيدها من اللاجئين السوريين في 819 ألف مقاتل، وهو جيش مهول من المقاتلين يفوق عديد القوات السورية والإيرانية والمقاومة الرديفة في سورية، وبإمكانه خوض المعارك على امتداد التراب السوري انطلاقا من الشمال، بحكم أن الأمر يتعلق بمقاتلين سوريين لا علاقة لهم بالإرهاب بالمطلق.
* هذه القوات التي فشلت إدارة أوباما في خلقها من خلال ما أسمته ببرنامج تدريب “المعارضة المعتدلة المسلحة” سيكون بالإمكان توفيرها لإدارة ترامب التي ستدعمها بمعية التحالف الدولي الجديد الذي ستقيمه لمحاربة الإرهاب في سورية، ما سيمكنها من تحقيق نجاحات “مدهشة” وفق التعبير المفضل لترامب، ليظهر بمظهر الرئيس الناجح الذي استطاع تحقيق إنجازات نوعية في سورية حيث فشل أوباما.
* روسيا كما دمشق وحلفائها لن يكون بمقدورهم مهاجمة هذه القوات تحت ذريعة محاربة الإرهاب، لأنها قوات سورية تحارب الإرهاب من جهة، وتقاتل من أجل سورية المستقبل من جهة أخرى، أي سورية من دون مقاتلين أجانب، سواء كانوا إرهابيين أو غيرهم من القوات التي تقاتل من أجل “الأسد” وفق ما يروج له المشروع الجديد.
* قيادة المشروع ستكون أمريكية بالضرورة، والجيش التركي البري سينخرط بمعية قوات خاصة “سعودية” وقطرية وغيرها بمعية المخابرات الأطلسية والصهيونية لتأطير هذا الجيش الجديد ومده بما يلزم من دعم لوجستي ومعلومات وتوجيه، المر الذي سيكسبه شرعية نضالية ويم تعويمه كجيش بديل عن الجيش العربي السوري.
* هذا المشروع سيخلق واقعا جديدا على الأرض يتحول حكما إلى حقيقة موضوعية ذات بعد قانوني يمكن استثمارها في إطار ما يسمح به القانون الدولي من حق تقرير المصير للشعوب.
وللإشارة، فقد بدأت تركيا تمهد للمشروع في الوقت الحالي من خلال تدريب مقاتلين تحت مسميات “الشرطة الحرة” ستسند لها مهمة تولي الأمن في المدن والقرى المحررة، ما سيسمح لـ”الجيش الحر” الجديد بالتقدم نحو مناطق جديدة وقضم الأرض رويدا رويدا وصولا إلى الرقة في المرحلة الأولى، والتي حددت لها قيادة التحالف الأمريكي فترة 6 أشهر لإنجاز المهمة، على أن تتضمن أيضا الموصل كما أعلن قائد التحالف الدولي في العراق ‘ستيفن تاونسند’ وأكد ذلك أيضا الرئيس أردوغان بقوله، إن تركيا ستعمل مع التحالف الدولي لتحرير الباب والرقة والموصل، ضاربا عرض الحائط تفاهماته مع روسيا ومنقلبا على كل تعهداته السابقة.
ويبدو أن الرئيسان ترامب وأردوغان، توصلا خلال المكالمة الهاتفية التي دارت بينهما قبل يومين إلى تفاهم بشأن الرؤية الجديدة الواجبة التطبيق في سورية، وتجنبا بالتالي الخوض في القضايا الخلافية بينهما، والمتعلقة بمسألة دعم أردوغان لـ”الإخوان” من جهة، ودعم واشنطن للأكراد من جهة ثانية، وطبعا أردوغان مستعد لبيع “الإخونج” مقابل تحقيق وهم توسيع إمبراطوريته في إطار الإبقاء على تحالفه مع واشنطن والحلف الأطلسي، كما سبق له وأن باع الجماعات الإرهابية في سورية لفائدة التقارب التكتيكي مع روسيا للتمكن من دخول الأراضي السورية بدعوى محاربة الإرهاب، وها هو اليوم يتحول إلى السيد الآمر الناهي، يدعو واشنطن و”السعودية” والتحالف الدولي لمشاركته تحرير الباب والرقة والموصل دون اعتبار لروسيا وإيران وسورية.
وقد رأينا أن الرئيس الأسد صرح مؤخرا أنه على استعداد للحوار مع كل السوريين بمن فيهم الأكراد، في إشارة إلى أن دمشق منفتحة للتعاون معهم في مواجهة ما يخطط له أردوغان، والذي قد يقنع واشنطن بالتخلي عن الورقة الكردية التكتيكية لصالح ورقة “الجيش الحر” السوري الجديد الذي سيمكن واشنطن من تحقيق كل أهدافها في سورية دون صدام مع روسيا.
كما وتابعنا إعلان الأسد عزمه على ضرب تل أبيب ومطار بن غوريون بصواريخ سكود في حال استهدفت “إسرائيل” العاصمة دمشق أو مطار المزة العسكري، وهو ما لا تعترض عليه موسكو وتعتبره حقا مشروعا للدفاع عن النفس في إطار الرد بالمثل، الأمر الذي يؤشر إلى أن تل أبيب تتحضر لخلط الأوراق وإشغال الجيش العربي السوري في الجنوب دعما للمشروع التركي في الشمال.
كما سمعنا موسكو ولأول مرة تقول، أن أردوغان وبموازاة محاربته للإرهاب، له أهداف أخرى خاصة به يسعى لتحقيقها في سورية، وتوجسا مما يخطط له السلطان بمعية واشنطن في الكواليس، حسمت موسكو موقفها من قضية الباب، وأعلنت أن الجيش السوري هو من سيحرر المدينة ويدخلها بقواته، وهذا يعني أن تركيا إن لم تتراجع فسيكون الصدام معها حتميا.
كما وأن موسكو أعلنت أمس، أنها تدرس تزويد دمشق بأسلحة نوعية جديدة وصفتها بعالية الدقة لمحاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي يوحي بأن روسيا تتوجس من المخططات الجديدة التي يحيكها أردوغان لفائدة ترامب، وتفضل تمكين الجيش العربي السوري وحلفائه بالتقنيات المتطورة الجديدة الكفيلة بإجهاض مخططات الأعداء.
من جهتها، أعلنت طهران أنه تم التوصل لاتفاق مع موسكو لتفعيل قاعدتها العسكرية التي ستنطلق منها الطائرات الروسية الإستراتيجية لضرب الإرهاب في سورية، وهذه إشارة إلى أن هناك تحالفا روسيا إيرانيا لمواجهة كل المستجدات والمشاريع التخريبية في سورية، وأن رهان ترامب على دق إسفين بين موسكو وطهران مقابل رفع بعض العقوبات عن روسيا لن يثمر أية نتيجة تذكر.
*** / ***
وبالتالي، نحن هنا أمام مشهد جديد يرتسم في الأفق بمخطط خبيث لا يسعى لتقسيم سورية، بل لضم الشمال السوري إلى تركيا وصولا إلى الموصل لقطع الطريق الواصل بين إيران ومحورها في أفق حصر نفوذها وعزلها عن عمقها العربي.
أما كيف ذلك، فالأمر لا يحتاج لكثير تخمين، لأن جيشا من 819 ألف مقاتل وملايين اللاجئين في المنطقة الآمنة في الشمال، باستطاعتهم طلب تقرير المصير وانضمامهم إلى تركيا ما داموا يتمتعون بالجنسية التركية، وبذلك سنكون أمام استعمار من نوع جديد ينفذ على يد العملاء السوريين، لذلك نرى أن ‘دي ميستورا’ يتهرب من عقد مؤتمر جنيف ويسعى لكسب المزيد من الوقت لتحقيق الرؤية الأمريكية والتركية و”السعودية” والإسرائيلية” في سورية، وهو الأمر الذي أثار غضب موسكو التي صعدت من تصويبها على دوره المشبوه.
والزيارة التي قام بها وزير الخارجية “السعودي” إلى أنقرة والتصريحات التي صدرت في أعقابها، تؤكد أن المنطقة دخلت في منعطف جديد وخطير، وأن التحالفات القديمة عادت لتبرز على السطح من جديد، حيث إلتقت أخيرا أهداف واشنطن وتل أبيب وأنقرة والرياض في سورية والمنطقة، وأصبحت البوصلة التي تجمعهم بقوة تتمثل في العمل على ضرب نفوذ إيران في سورية والعراق ولبنان، وتحت هذا العنوان رأينا التصعيد الأمريكي الأخير ضد إيران، والذي يبدوا أن ساحته ستكون سورية والعراق.
تقول المعلومات الإيرانية، أن “السعودية” التي تعمل بإخلاص لتنفيذ المخططات الصهيونية في المنطقة عرضت على ترامب فتح خزائنها شريطة أن تتخذ المواجهة من إيران العنوان، ودفعت مبلغ 48 مليار دولار للولايات المتحدة كدفعة تحت الحساب، صدر بعدها مباشرة الأمر الرئاسي بمنع إيران و6 دول عربية من دخول الولايات المتحدة، وتم التركيز إعلاميا وبقوة على خطر إيران على الأمن والسلم في المنطقة والعالم باعتبارها “راع الإرهاب الأول في العالم” وفق التصنيف الأمريكي المدفوع الثمن مقدما، وتم استثناء “السعودية” أم الإرهاب وحاضنته الأساسية لأنها تتعاون مع واشنطن في محاربة الإرهاب وتقيم نظام تدقيق فعال للتحقق من سفر مواطنيها إلى الولايات المتحدة، وفق إفادة البيت الأبيض للكونجرس الأمريكي.
وبالرغم من أن أمريكا هي التي خططت للانقلاب العسكري ضد أردوغان، وبالرغم من أن “السعودية” هي من مولته وفق معلومات موثوقة لدى أنقرة وعواصم المنطقة، وبرغم كل ما قدمته روسيا لأردوغان من صفقات اقتصادية كبرى ومزايا تجارية تعيد بلاده إلى وضعها الإستراتيجي المميز في المنطقة، إلا أن أردوغان عاد ليرتمي في الحضن الأمريكي و”السعودي” بعد أن قدمت له إغراءات وهمية تخدم أطماعه وأهواءه على حساب مصالح بلده وشعبه.
إيران لم تقل كلمتها بعد، لكن المؤكد أنها تنسق مع روسيا وحلفائها الرد، والذي سيكون حسب مستوى التصعيد في الميدان، فلنراقب وننتظر الخطوة الأمريكية الأولى في اليدان، حينها لكل حادث حديث.
بقلم : احمد الشرقاوي
ارسال التعليق