بريطانيا في دول الخليج.. دور دولي مكشوف أم استعمار مبطن؟
العلاقة بين الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، وبريطانيا قديمة، وترجع إلى فترة الحرب العالمية الأولى، حين وقع عبد العزيز آل سعود اتفاقية دارين عام 1915 مع الحكومة البريطانية، قابلا أن تكون المملكة محمية بريطانية، وفي 20 مايو 1927، توصلت المملكة المتحدة ونجد إلى اتفاقية أخرى تسمى اتفاقية جدة.
وكانت المملكة المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بالسعودية عام 1926، وكان لها بعثة دبلوماسية في البلاد، كما افتتحت السعودية سفارتها في لندن عام 1930، لتكون ثاني شكل رسمي للعلاقات الخارجية السعودية.
تجديد العلاقات
في ظل توتر العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة، خاصة بعد موافقة الأخيرة على الاتفاق النووي مع إيران، الذي تعتبره غالبية الدول الخليجية يهدد أمنها القومي، بدأت العلاقة الخليجية البريطانية تطفو أكثر على السطح، وبدا ذلك جليًا من خلال حضور رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى القمة الخليجية الـ37، التي انعقدت في المنامة العاصمة البحرينية واختتمت أعمالها قبل خمسة أيام.
وتذرعت الدول الخليجية بأن حضور ماي القمة الخليجية من أجل حماية أمنهم القومي من الفزاعة الإيرانية، التي بدأت تشكل على ما يبدو عقدة حقيقية في الشخصية الخليجية، فالسعودية تقاربت قبل ذلك مع مصر بحجة الحفاظ على أمنها من إيران، ثم اتجهت إلى تركيا، الدولة المناهضة لمصر وشكلت معها تحالفا استراتيجيا لحمايتها من إيران، وبعدها تقاربت بشكل علني مع إسرائيل تحت نفس الحجة، وهي المخاوف المشتركة بين الرياض وتل أبيب من الاتفاق النووي الإيراني.
ويخدم تطوير العلاقات بين السعودية وبريطانيا تقارب الأولى مع الكيان الصهيوني على جميع الأحوال، خاصة أن الرياض تكون بذلك دخلت في الثالوث التاريخي الذي تشكل أضلاعه الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل، خاصة أن المملكة المتحدة كانت السبب الأول في زرع الكيان السرطاني في فلسطين المحتلة، عبر وعدها الشهير بلفور.
مراهنة السعودية على بريطانيا
رغم تراجع بريطانيا كدولة فاعلة على الساحة الدولية، خاصة أنها ليست بقوة أمريكا أو روسيا، إلا أن الدول الخليجية بدأت الزحف تجاهها، وفقا لمجموعة من العوامل السياسية المتغيرة، فوصول الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض يقلق الطرف الخليجي، خاصة أن ترامب يتودد كثيرًا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأمر الذي قد يؤثر على الأجندة السعودية في سوريا واليمن، كما أن دولا إقليمية في المنطقة مثل مصر وتركيا ابتعدت عن الخط السعودي بدرجات متفاوتة، فالعلاقة بين القاهرة والرياض ليست على ما يرام، كما أن مصر وتركيا بدأتا التقارب العملي مع روسيا، ما من شأنه عزل السعودية وتركها منفردة في مواجهة الدب الروسي.
ومن هنا، تحاول الدول الخليجية الهرولة تجاه بريطانيا التي تبدو أكثر تحفظًا في علاقاتها مع روسيا، فالدول الأوروبية عمومًا لديها علاقات متوترة مع الروس على خلفية الملف الأوكراني وجزيرة القرم، بالإضافة إلى توسع الحلف الأطلسي بالقرب من دول تقع في شرق أوروبا مجاورة لروسيا، الأمر الذي تعتبره موسكو تهديدًا لأمنها القومي، إضافة إلى العقوبات الأوروبية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، كما تراهن دول الخليج على دور بريطاني في إقناع الولايات المتحدة بتبني الأجندة الخليجية، خاصة بعد تولي ترامب الحكم في يناير المقبل، فلندن وواشنطن حليفين لصيقين.
استعمار اقتصادي
بنظرة سريعة على مواقف الحكومة البريطانية إلى دول الخليج وخاصة السعودية، نجد أن علاقاتها مع الرياض لا تتسم بالجدية المطلوبة، فوزير الخارجية البريطانية، بوريس جونسون، الذي اختتم زيارة له للسعودية أمس، كال قبل زيارته للرياض بأيام قليلة، مجموعة من الانتقادات للمملكة، حيث وصف فيها السعودية وإيران بأنهما تديران “حروبا بالوكالة” في منطقة الشرق الأوسط، لكنه عدل خلال زيارته الأخيرة للمملكة قائلا إنه يتفهم حاجة السعودية “لتأمين نفسها من قصف الحوثيين”.
بريطانيا تحاول استغلال مخاوف دول الخليج واستثمارها لخدمة منافعها العسكرية والاقتصادية، فعسكريًا، ستفتح المملكة المتحدة قاعدة لها في البحرين، الأمر الذي سيساهم في توسيع النفوذ البريطاني بالمنطقة دون أن تخسر الكثير من المال، حيث تتحمل الدول الخليجية العبء الاقتصادي لهذه القاعدة الموجودة بالبحرين في ميناء سلمان، وتبلغ كلفتها 40 مليون جنيه استرليني، دفعت البحرين أكثر من 30 مليون جنيه استرليني (75% من كلفة البناء الإجمالية) لفتح هذه المنشأة، في حين ساهمت بريطانيا بحوالي 7.5 مليون جنيه استرليني فقط.
ومن الناحية الاقتصادية، تسعى بريطانيا إلى البحث عن بدائل للأسواق الأوروبية بتعزيز تجارتها مع دول الخليج قبيل خروجها من الاتحاد الأوروبي، التي تشير أغلب التقديرات إلى أن بريطانيا لن تتمتع مستقبلا بالامتيازات التي تنالها نتيجة عضويتها في النادي الأوروبي، وبالتالي لن تقدم الكثير من ناحية الدعم السياسي للدول الخليجية، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القوى العظمى عجزت في عهد باراك أوباما عن تقديم خطوات ملموسة للأجندة الخليجية في الملفات الإقليمية.
ويبدو أن بريطانيا ستحاول في المقابل استنزاف الجيب الخليجي لخدمة مصالحها الاقتصادية من خلال تقديم وعود وهمية بالدفاع عن الأمن القومي الخليجي، مثل التي أطلقتها، تيريزا ماي” بأن أمن الخليج من أمن بريطانيا”، فبريطانيا نفسها، في مطلع الأسبوع الماضي، أعلنت أن شركة “رويال داتش شل” العمومية المحدودة، والمعروفة باسم “شل” وافقت على تطوير حقول النفط والغاز في إيران لأول مرة منذ رفع العقوبات المتعلقة بالصفقة النووية في البلاد في بداية هذا العام.
صحيح أن العقود ليست حاسمة حتى الآن، حيث وقعت شل والحكومة الإيرانية اتفاقيات تمهيدية معروفة باسم “مذكرات تفاهم”، غير ملزمة بالاستثمار، وإن تمت الاتفاقية، ستعد فوزا كبيرا لإيران، حيث يقدر احتواء حقلي النفط المتعلقين في الصفقة على قرابة 8.2 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، الأمر الذي يؤكد أن بريطانيا تبحث عن مصالحها فقط أينما وجدت، ويشير إلى سياسية استعمارية لبريطانيا تجاه دول الخليج، لكن بشكل جديد عبر القناع الاقتصادي، فالمملكة المتحدة تلقت وعود باستثمارات خليجية تبلغ قيمتها 40 مليار دولار.
ارسال التعليق