بعد انتهاء المهلة.. حراك دبلوماسي قطري وسيناريوهات جديدة للتصعيد
تقترب الأزمة الخليجية من دخول شهرها الثاني، دون وجود أفق أو مؤشرات لحل سياسي، وعلى الرغم من التوقعات بأن يتم حلها خلال الأيام العشرة الأخيرة الماضية، وهي المهلة التي أعطتها الدول المقاطعة لقطر لتنفيذ قائمة مطالبها الـ13، إلا أن هذه الأيام لم تحلحل الأزمة من مكانها، فتأرجحت قطر خلال هذه المهلة بين الرفض الضمني والعلني، فيما استغلت الدول المقاطعة وعلى رأسها السعودية هذه المهلة لحشد المزيد من التصعيد تمهيدًا لانتهاء المهلة.
انتهاء المهلة
بعد أن تركت قطر الباب مفتوحًا خلال الأيام العشرة الأخيرة للحوار والمفاوضات حول القائمة المطولة التي اشترطت الدول المقاطعة “السعودية والإمارات والبحرين ومصر” على قطر تنفيذها لرفع الحصار عنها وعودة العلاقات، وبعد أن قطعت تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الطريق على أي محاولات للتفاوض حول المطالب أو التنازل عن بعضها، بقوله: إنه لا تفاوض مع قطر بشأن قائمة المطالب، ويجب تنفيذها كاملة، جاء الوقت لتعلن الدوحة عن رفضها هذه المطالب التي وصفتها بـ”التعجيزية”، حيث وجه وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، سهام انتقاداته واتهاماته لمؤسسات وشخصيات في هذه الدول بدعم الإرهاب، وفي الوقت نفسه دعا وزير الخارجية القطري الدول المحاصرة إلى الحوار والتفاوض بشروط مناسبة، وقال إن “المطالب الثلاثة عشر لدول الحصار قُدمت لكي ترفض”.
المطالب التي قدمتها الدول الأربعة المقاطعة إلى قطر رأى فيها العديد من المراقبين أنها غير قابلة للتنفيذ، ووصفها البعض بـ”التعجيزية”، الأمر الذي دفع الكثير من المحللين إلى القول بأن قائمة المطالب هذه ما هي إلا محاولة لرمي الكرة في مرمى قطر، لتحميلها مسؤولية الأزمة والتصعيد المرتقب خلال الأيام القادمة، وإظهار دول الحصار نفسها على أنها حاولت حل الأزمة، لكن التعنت القطري أفشل المحاولات، وهو ما جعل المملكة السعودية ترفض سقف المطالب، ليكون رفضها حتميًّا.
سيناريوهات التصعيد
في إطار انتهاء المهلة الخليجية الممنوحة لقطر، برزت العديد من السيناريوهات التي قد تنتهجها المملكة السعودية وحلفاؤها في التصعيد مع الدوحة، وجاء في مقدمة السيناريوهات المرجح تنفيذها تشديد الحصار على قطر، مع فرض حزمة عقوبات جديدة، فتهديدات الدول المحاصرة وبالأخص السعودية انصبت خلال مهلة العشرة أيام على المزيد من الإجراءات لعزل قطر في حال رفضها المطالب، ووصل الأمر إلى التلويح بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
هذا السيناريو عبر عنه سفير الإمارات في روسيا، عمر غباش، خلال مقابلة مع صحيفة “الجارديان” جاءت بعد مرور خمسه أيام على المهلة المحددة، حيث قال فيها إن: هناك بعض العقوبات الاقتصادية التي يمكننا فرضها تجري دراستها في الوقت الحالي، وأضاف أن أحد الاحتمالات يتمثل في فرض شروط على شركائنا التجاريين وإبلاغهم بأنهم إذا أرادوا العمل معنا، فعليهم أن يحددوا خيارًا تجاريًّا، ولوح بأن “إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي ليس العقوبة الوحيدة المتاحة”، فيما أعادت صحيفة الأهرام ترجيح كفة هذا السيناريو أيضًا، حيث نقلت قبل أيام عن مصادر، وصفتها بالعربية الرفيعة، أن العقوبات التي تنتظر قطر بعد انتهاء المهلة تشمل تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضوتها في مجلس التعاون الخليجي، وتجميد ودائعها في الدول المقاطعة.
وعلى الرغم من أن السيناريو السابق هو الأكثر ترجيحًا وقربًا من الواقع، إلا أن بعض المحللين رأوا أن المملكة بالتعاون مع حلفائها قد تلجأ إلى الخيار العسكري ضد قطر، وهو ما ألمح إليه وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدة له قبل أيام، حمل فيها الدوحة مغبة التصعيد العسكري في المنطقة، فيما لوحت الدول الأربع المقاطعة لقطر بعزمها إنشاء قاعدة عسكرية في البحرين، في خطوة ستمثل أول وجود عسكري مصري متقدم وثابت في منطقة الخليج. لكن العديد من المراقبين استبعدوا هذا السيناريو؛ لما يحتاجه من ضوء أخضر أمريكي، وما تعانيه المملكة السعودية من تشرذم داخلي، يجعلها تنأى بنفسها عن أي تدخل عسكري جديد، قد يخلق تحالفات جديدة، ويوسع دائرة المعارضة الدولية لتحركاتها في المنطقة، وهو الخيار الذي قد ترفضه مصر أيضًا، لكن استبعاد هذا الخيار لا يمنع من تداوله كورقة ضغط على قطر.
السيناريو الثالث يتمثل في طرح مبادرة جديدة بوساطة دولية لحل الأزمة، حيث كشفت صحيفة السياسة الكويتية عن وجود مبادرة جديدة لحل الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، ودولة قطر من جهة أخرى، مكونة من خمسة بنود، أولها تقليص برامج التحريض وإثارة النعرات في قناة الجزيرة، والتعهد بعدم مهاجمة مصر ودول الخليج مرة أخرى، ومغادرة الداعية “يوسف القرضاوي” وحركة حماس الدوحة، وعودة القوات التركية التي وصلت الدوحة بعد الأزمة إلى بلادها، ومراقبة التحويلات المالية القطرية للجهات المقاتلة، وتقديم قطر كل المستندات الخاصة بالمنظمات المتواجدة على أراضيها للجهات الأمنية الأمريكية.
قطر تستبق بحراك دبلوماسي
اختارت قطر أن تلعب في الوقت الضائع بالخيارات الدبلوماسية، فتارة يطلق مسؤولوها تصريحات حول فتح باب الحوار الجدي والتفاوض بعقلانية حول مطالب ومخاوف دول الحصار، لترمي بالكرة مجددًا في الملعب الخليجي، وتظهر نفسها بأنها مستعدة للتفاوض، لكن على أساس مطالب قابلة للتنفيذ وليست تعجيزية، مستغلة في الوقت نفسه تعاطف بعض الدول الأوروبية معها واتفاقها على أن المطالب الـ13 تعجيزية وغير قابلة للتنفيذ.
على جانب آخر لم تتوقف التحركات والجولات القطرية منذ بداية الأزمة، في محاولة لوصف وشرح موقفها من هذه الأزمة وكسب تعاطف المزيد من الدول الغربية والأوروبية الساخطة على السياسة السعودية في المنطقة، وتأتي على رأس الدول الحليفة لقطر تركيا، التي ما لبثت أن خاضت حربًا سياسية ودفاعًا مستميتًا عن قطر منذ بداية الأزمة، حيث أجرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لقاء مع وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، أمس السبت، في المقر العام لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، وأشارت العديد من المصادر إلى أن اللقاء استمر قرابة الساعة والنصف، وحضره أيضًا وزير الدفاع التركي، فكري إشيق.
يأتي هذا اللقاء التركي القطري في الوقت الذي لا تزال القوات التركية تتدفق فيه على الأراضي القطرية، حيث أعلنت الدوحة عن استمرار وصول دفعات تعزيزية من أنقرة إلى البلاد؛ لتنضم إلى القوات التركية الموجودة حاليًّا بالدوحة، والتي بدأت مهامها وتدريباتها منذ 19 يونيو الماضي، وتعتبر هذه الدفعة هي الثانية بعد الدفعة التي أعلنت وزارة الدفاع القطرية عن وصولها في 18 يونيو الماضي، وأجرت أولى تدريباتها العسكرية في كتيبة طارق بن زياد بالعاصمة الدوحة.
في ذات السياق تحاول قطر أيضًا جر روسيا إلى دعم لأزمتها، حيث أشاد وزير الخارجية القطري إلى الموقف الروسي من الأزمة الخليجية، وأضاف أنه “واضح ويشجع على الحوار، ويرفض التصعيد”، مبينًا أنه زار موسكو مؤخرًا لبحث الأزمة، بالإضافة إلى وجود اتصالات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق