بعد نجاحها في التطبيع الرسمي.. الشعوب العربية هدف إسرائيل القادم
بات الحديث عن التطبيع العربي الإسرائيلي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، مملاًّ ولا جديد فيه، حيث كثرت الدول العربية وزعماؤها اللاهثون وراء التقارب مع الكيان الصهيوني، متناسين أن هذا الكيان هو منبع الشر والإرهاب في الشرق الأوسط، والرأس المدبر لكل ما أصاب، ولا يزال يصيب الدول العربية من تشرذم وتفتيت لوحدتها. لكن على الرغم من أن التطبيع الرسمي لدى العديد من الدول العربية مع العدو بات فجًّا ومُعلنًا ولا يحتمل التشكيك، وعلى الرغم من تغير مسمياته عند البعض من تطبيع إلى سلام، ومن عدو إلى حليف، إلا أن الشعوب العربية لا تزال تتوحد حول وصفه بكيان الاحتلال الصهيوني، وذاكرتها تأبى أن تنسى أو تتناسى أنه المغتصب لفلسطين وآلة التدمير في الشرق الأوسط.
وصمة عار
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الزعماء العرب ليسوا عائقًا أمام توسيع علاقات إسرائيل مع جيرانها من الدول العربية، وأضاف في كلمة له ألقاها أمام الكنيست الإسرائيلي أن الحاجز الذي تصطدم به إسرائيل وتخشاه دائمًا هو الشعوب العربية والرأي العام العربي، وأوضح نتنياهو أن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي.
وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن “الشارع العربي تعرض خلال سنوات طويلة لغسيل دماغ، تمثل في عرض صورة خاطئة ومنحازة ضد دولة إسرائيل، على حد تعبيره.
في الوقت نفسه أشار نتنياهو إلى أن “هناك تعاونًا مثمرًا بين إسرائيل ودول عربية، وهو بشكل عام أمر سري، إلا أنني واثق من أن العلاقات معهم ستستمر بالنضوج، حيث سيسمح لنا ذلك بتوسيع دائرة السلام”. وشدد نتنياهو على أنه “دون اختراق الرأي العام العربي، فإن السلام سيظل باردًا”، لكنه استطرد قائلًا: ومع ذلك فالسلام البارد أفضل من الحرب الساخنة. وأعرب في ختام كلمته عن تأكيده أن السلام مع الدول العربية سيحصل في النهاية، لأن هناك الكثير من الأمور التي تجري طوال الوقت خلف الواجهة.
على الرغم من أن هذه التصريحات لم تكن الأولى التي تخرج عن كبار المسؤولين والقادة الصهاينة بشأن التطبيع السياسي مع الدول العربية، الأمر الذي يجعله باهتًا ولا جديد فيه، إلا أن الحديث حول عدم خشية إسرائيل من الزعماء والملوك العرب وخشيتها من المواطنين والشعوب العربية وصمة عار جديدة على جبين كل الحكام في الشرق الأوسط، حيث عكست هذه التصريحات تبخر الهيبة الرسمية للدول العربية وزعمائها، فبعد أن كان التطبيع جريمه تُحاسب عليها الدولة المُطبعة في المحافل العربية، ويتم مقاطعتها من قبل جيرانها العرب، تبدلت الأحوال، وبات الآن الاحتلال حليفًا مُقربًا، تجمعه مصالح مشتركة مع بعض الدول العربية، والأدهى من ذلك أن هذه المصالح تتلخص في تفتيت بعض الدول العربية الأخرى.
محاولات تقارب واختراق
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة تعكس اتجاه الاحتلال في أهدافه المقبلة إلى التقارب مع الشعوب العربية ومحاولة اختراقها، بعدما قطع أشواطًا طويلة في التقارب مع زعمائها وحكامها، فيبدو أن التطبيع خلال الفترة المقبلة لن يقتصر على المسؤولين من الطرفين العربي والإسرائيلي، في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية، لكن سيحاول العدو اختراق المجتمعات العربية في سبيل الوصول إلى “سلام دافئ”، حسبما يطلق عليه بعض الزعماء العرب والصهاينة، ولا نستبعد أن يكون المسؤولون العرب أنفسهم وسيلة الاحتلال وساعده الأيمن في الوصول إلى هذا الهدف، من خلال بعض البوابات التي يمكن من خلالها الوصول إلى هذه الشعوب، مثل البوابات الإعلامية، وتغيير المناهج التعليمية، وبعض الفتاوى الدينية، وبعض الاستثمارات الإسرائيلية الهامه في البنى التحتية بتلك الدول.
الحديث عن محاولات إسرائيل التقرب من الشعوب العربية، وتقديم بعض المسؤولين العرب يد العون والمساعدة لها في تحقيق هذا الهدف، يتناسق تمامًا مع تصريحات صدرت مؤخرًا عن بعض القيادات العربية، وخاصة الخليجية، تصور بعضها إسرائيل على أنها حليف للعرب، وبعضها وصف الاحتلال بأنه صديق وحليف مقرب ضد أعداء مشتركين، ووصل بعضها إلى تصوير الاحتلال على اعتبار أنه الحامي الأول للشعوب العربية، مثلما جاء في تصريحات الملك البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة.
وقبل أيام أكد مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، عبد العزيز آل الشيخ، أن قتال الإسرائيليين أو قتلهم في باحة وحرم المسجد الأقصى لا يجوز شرعًا. وأضاف المفتي، في معرض إجابته عن أحد المتصلين خلال برنامج إذاعي، أن اليهود يتحكمون بأرض المسجد وهي تحت ولايتهم، ولا يجوز الخروج عليهم من باب عدم إلقاء النفس بالتهلكة، وتابع “آل الشيخ” أن حركة حماس حركة إرهابية، وتريد بأهل فلسطين الشر، وأن المظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الأقصى وقطاع غزة هي مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها، ولا رجاء منها، مشيرًا إلى أن الغوغائية لا تنفع بشيء، إنما هي تُرّهات، كما أفتى “آل الشيخ” بجواز الاستعانة بجيش إسرائيل لضرب المقاومة الإسلامية في لبنان بمناطق النزاع في سوريا ولبنان؛ بحجة أنهم روافض، و”الضرورات تبيح المحظورات”، على حد وصفه.
هذه الفتوى التي تصب مباشرة في صالح الاحتلال الصهيوني، وتقطع أشواطًا في طريق تحقيق الأهداف الصهيونية بالتطبيع مع الشعوب العربية وتغيير نظرتها إلى الاحتلال، استلزمت ردًّا ومكافأة من العدو الصهيوني، حيث وجه وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، دعوة إلى مفتي المملكة السعودية، لزيارة تل أبيب، وقال الوزير الإسرائيلي إنه يبارك للمفتي العام ورئيس هيئة العلماء السعودية عبد العزيز آل الشيخ فتواه ضد الحرب وضد قتل اليهود، ودعا الوزير الإسرائيلي مفتي السعودية لزيارة إسرائيل قائلاً إنهم سيستقبلونه “بحفاوة”.
الاختراقات الإعلامية تُعد أيضًا وسيلة مثلى للاحتلال للوصول إلى الشعوب العربية، حيث ظهرت خلال السنوات الأخيرة الماضية العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تسعى إلى تجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي، وتغيير الصورة الذهنية العالقة في أذهان الشعوب العربية عن إسرائيل بأنها دولة احتلال واستيطان، تطرد الشعب الفلسطيني من أرضه؛ لتقيم عليها مستعمراتها، في ظل حماية قوات الاحتلال، علاوة على انتهاكاتها المستمرة ضد المقدسات الدينية، ومن أبرز تلك الصفحات “إسرائيل تتكلم العربية” التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والتي تنشر العديد من الفيديوهات التي تدعم فكرة التعايش بين العرب واليهود، مع إبراز القواسم المشتركة فيما بينهما، ونشر التهنئة للمسلمين في أعيادهم الدينية، ناهيك عن الاستعانة ببعض الأمثال الشعبية والأغاني والحكم لتقريب الثقافات.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق