بعد هدنة العدوان على غزة: السعودية في معسكر الخاسرين ومصر تميل عنها وتتجنب لعنة التاريخ
بقلم محفوظ التهامي
بعد عدوان صهيوني همجي دام أربعة أسابيع، دخلت غزة في هدنة لثلاثة أيام يتقرر مصيرها وفقا لنتائج المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها مصر.
وقد كان لافتا أن مصر قبلت بورقة الفصائل الفلسطينية التي قدمها الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسة عزام الأحمد، وتبنت مضامينها الأساسية وهي رفع الحصار والإفراج عن الأسرى وإقامة الميناء البحري والجوي وفتح ممر بين الضفة وغزة، وهذا ما يجعل مبادرتها الاولى التي صيغت على عجل وبدون إشراك أي طرف فلسطيني متجاوزة، وبالتالي فمصر تحولت إلى وسيط قامت بعرض مطالب الفلسطنيين على الجانب الإسرائيلي.
وبمعزل عن أي نقاش في مبدأ هذه الوساطة التي تقوم به مصر منذ سنوات طويلة بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، ومدى تناسب هذا الدور مع مكانة مصر وانتمائها والتزاماتها العربية والإسلامية، فهو قد يسمح بالإضافة إلى مواقف أخرى على الإمساك بالعناصر الأولى التي يتبلور من خلالها الأداء المصري في عهد الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي.
ونحن نحتاج أن نفهم هل تمكنت السعودية من أن تجيّر الدور المصري لحساب مشروعها في بناء تحالف عربي اسرائيلي في مواجهة إيران، ام أن لمصر حساباتها الخاصة؟ ما يدفع إلى هذا التساؤل هو أن السعودية دعمت الفريق السيسي وشجعت على ضرب حكم الإخوان مستثمرة بقوة في البيئة الشعبية المناهضة لحكمهم، سياسيا وإعلاميا وماليا، وكما هو معروف فهي تعتبر الداعم المالي والسياسي القوي للنظام الجديد في مصر.
وقبل العودة للملف الفلسطيني يمكن الإشارة إلى بعض الاختيارات ذات الطبيعة الاستراتجية للنظام المصري الجديد، فقبل وصوله لكرسي الرئاسة المصرية وعندما كان الفريق السيسي وزيرا للدفاع على عهد حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي فوجئ السيسي بقرار مرسي قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا امام جمع مكون من نحو عشرين الف شخص جلهم من الاسلاميين والاخوان .في هذا اللقاء قال مرسي ″ ان الجيش والشعب المصري لن يظلا متفرجين على ما يجري في سوريا″. وهذا ما اعتبره السيسي بأنه إشارة خطيرة تنذر بتدخل الرئيس في سوريا عسكريا، الأمر الذي حمله؛ عندما اصبح رئيسا لجمهورية مصر؛ على دعم نظام الرئيس الأسد وإقامة علاقات عميقة مع دمشق وإن كانت غير معلنة حتى الآن. وهذا على خلاف الموقف السعودي من سوريا والتي لا يقبل بأقل من رأس الرئيس الأسد. كما بادر السيسي إلى تدشين علاقات واعدة الآفاق مع بغداد، حيث بعث وزير خارجيته سامح شكري ليؤكد على تضامن القاهرة مع بغداد بوجه الإرهاب التكفيري، معلنا دعم مصر الكامل لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في مواجهته للهجمة الداعشية، وهي الهجمة التي تدعمها كل من السعودية والإمارات، إلى الحد الذي جرى توصيفها في الإعلام السعودي على أنها ″ثورة سنية″ على النظام العراقي الموالي لإيران!
إذا نحن أمام موردين على قدر كبير من الحساسية تباينت فيهما التوجهات المصرية السعودية، ولم تبدو فيهما مصر تابعة او تؤدي أدوارا تصب في مصلحة السياسات السعودية.
وبالعودة إلى الملف الفلسطيني، فليس للسعودية إلا العلاقة مع رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية محمود عباس؛ الحلقة الأضعف والأهون في معادلة الصراع. اما على صعيد غزة فقد انقطعت الصلات ب″حماس″ بعد قرار إدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن لائحة الإرهاب. وتنظر السعودية صاحبة مبادرة السلام العربية بعين المتربص إلى المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وإلى علاقاتها بكل من إيران وسوريا وحزب الله.
ولذلك كان موقفها من العدوان الأخير على غزة مكشوفا ومرتبكا تبعا للارباك الإسرائيلي من وقع المفاجآت المزلزلة التي كشفت عنها المقاومة. وعندما صاغت مصر مبادرتها للهدنة على عجل حتى تقطع الطريق على كل من قطر وتركيا، كانت المساندة السعودية للمبادرة غير مفاجئة خاصة بعد أن حازت على قبول إسرائيلي سريع ومتلهف.
لكن عندما رفضت المقاومة المبادرة المصرية في صيغتها الأولى بشدة، دون تجاوز الدور المصري، وتمسكت بمطالبها، معززة تلك المطالب بأداء عسكري نوعي ومتقدم وبإلتفاف شعبي حول المقاومة، اضطرت مصر إلى تغيير موقفها من ضاغط على المقاومة للقبول بهدنة تخرج (إسرائيل) من ورطتها؛ إلى وسيط يتبنى المطالب الفلسطينية. وهنا تلاشت قيمة الدعم السعودي للمبادرة المصرية المتجاوزة، ووجدت السعودية نفسها على الهامش بل وضمن معسكر الخاسرين الشركاء في العدوان على غزة.
وهذا ما التقطته طهران التي سارعت بحسب ما افادته قناة ″الميادين″ ونقلا عن مسؤول إيراني رفيع إلى تثمين هذا المتغير النوعي في الأداء المصري لجهة تبني القاهرة للمطالب الفلسطينية، مع تشجيع إيراني لتعزيز مصر العلاقات بينها وبين فصائل المقاومة، وتأييد دورها، ورفض أيّ تدخل في مسار المفاوضات ″المهمة والحساسة″.
وللإشارة فهذا الموقف الإيراني جاء بعد اللوم الذي وجهته طهران لمصر على خلفية تشددها في فرض الحصار حتى في أثناء العدوان، ولتأخرها في التجاوب مع المساعي الإيرانية في إدخال المساعدات لقطاع غزة وإجلاء الجرحى نحو المشافي الإيرانية.
وها نحن أمام مورد ثالث أكثر حيوية من موارد التباين والإفتراق بين الموقفين المصري والسعودي، وهذا ما يرفع لدينا من منسوب الآمال في أن تفتك مصر لنفسها أدورا حيوية تليق بمكانتها وتاريخها بعيدا عمن ألمح إليهم رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في خطابه قبل أيام حين أكد على أن (إسرائيل) باتت تملك اصدقاء وحلفاء عرب، في اشارة الى بعض الدول التي صمتت على العدوان او تواطأت معه مثل السعودية والاردن والإمارات.
ارسال التعليق