تحولات السياسة الخارجية السعودية.. تغييرات جذرية أم تعديلات تكتيكية؟
التغيير
أثارت موجة التواصل الدبلوماسي التي أطلقتها المملكة مع إيران وسوريا وتركيا تساؤلات حول ما إذا كانت التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية للمملكة استراتيجية أم تكتيكية كرد فعل على قدوم إدارة "بايدن".
ومن المؤكد أن هناك مصلحة لـ"محمد بن سلمان" في العمل على تلافي أخطائه في عهد الرئيس السابق "دونالد ترامب" وإقناع إدارة جديدة متشككة بأن بإمكانه فتح صفحة جديدة. ويعكس إعادة النظر في السياسات الإقليمية للمملكة بالتزامن مع انتقال السلطة في واشنطن شعور عدم اليقين والضعف لدى الرياض والذي بدأ في الظهور منذ عام 2019 على الأقل.
ولفهم تحركات المملكة الأخيرة ووضعها في سياقها، من الضروري إعادة النظر في الهجمات على الأهداف البحرية ومنشآت الطاقة في المملكة والإمارات وحولهما. وقد بدأت هذه الهجمات على خط الأنابيب في المملكة في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2019 وبلغت ذروتها بضربات صاروخية وطائرات مسيرة على منشأة بقيق لمعالجة النفط وحقل خريص النفطي في 14 سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
وكان للهجوم تأثير ممتد تجاوز عجز أنظمة الدفاع الجوي في المملكة عن تحديد واعتراض التهديد الذي تشكله الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي تحلق على ارتفاع منخفض.
وبعد يومين من هجمات بقيق وخريص، أعلن الرئيس "ترامب"، أن "الهجوم كان على المملكة وليس الولايات المتحدة". وكان عدم وجود رد أمريكي على الهجوم في المملكة متسقا مع عدم وجود رد فعل أمريكي صريح على الضربات السابقة على أهداف الطاقة والأهداف البحرية في مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2019.
على النقيض من ذلك، فإن إدارة "ترامب" ردت عندما تم استهداف وضرب الأصول الأمريكية، كما حدث بعد إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار فوق الخليج في يونيو/حزيران 2019 ومقتل مقاول أمريكي في العراق في ديسمبر/كانون الثاني من العام نفسه.
وكان تمييز "ترامب" بين المصالح الأمريكية و مصالح المملكة بمثابة صدمة كبيرة لـ"بن سلمان" وكذلك لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".
وحتى عام 2019، كان الافتراض السائد لدى الكثيرين هو أن هناك القليل من الفصل بين المصالح الأمريكية ومصالح الشركاء الإقليميين في الخليج، خاصة عندما يتعلق الأمر بإيران. ومن المفارقات، أن الصدمة التي تعرضت لها الرياض وأبوظبي بسبب عدم مصداقية المظلة الأمنية الأمريكية (والردع الإقليمي الذي كان يتصور أنها توفره) مماثلة للصدمة التي شعرت بها الدوحة عندما دعم "ترامب" في البداية المملكة والإمارات في يونيو/حزيران 2017 قرار قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع قطر وفرض حصار بري وبحري وجوي عليها.
وكان لإدراك الرياض وعواصم الخليج الأخرى أنهم وحدهم، عواقب فورية. وبحسب ما ورد، لعب مسؤولون عراقيون وباكستانيون دور الوساطة ومرّروا رسائل بين مسؤولين من المملكة وإيرانيين تهدف إلى تهدئة التوترات في أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على حقول النفط.
كما تحول خطاب الرياض وأبوظبي بشكل ملحوظ بعد تصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية التي أدت إلى شهادة الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في غارة بطائرة مسيرة على مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
وتواصل المسؤولون الإماراتيون مع إيران في يوليو/تموز 2019 لتوضيح أنهم لا يريدون حربًا في الخليج، بينم، أرسل "بن سلمان" شقيقه نائب وزير الدفاع (السفير السابق لدى الولايات المتحدة) الأمير "خالد بن سلمان" في يناير/كانون الثاني 2020 لواشنطن للنقاش حول خفض التصعيد.
ويعد ما سبق خلفية للجهود الحالية لتصوير "بن سلمان" كرجل دولة قادر على الانخراط في الدبلوماسية الإقليمية والتعلم من العثرات العديدة التي شابت صعوده إلى الصدارة في المملكة بين عامي 2015 و 2018.
ومع قدوم "بايدن" والأغليية الديمقراطية في مجلسي الكونجرس، أصبح هناك حاجة إلى نهج جديد في المملكة يقنع الديمقراطيين المتشككين بأن "بن سلمان" قد تغير. وفي حين أن تصنيف "بايدن" للمملكة كدولة "منبوذة" كان جزءا من خطاب حملته الانتخابية في عام 2019، فقد اقترح مقال أكثر جوهرية كتبه "دانييل بنئيم" في يونيو/حزيران 2020، والذي انضم إلى إدارة "بايدن" في يناير/كانون الثاني 2021 كنائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية، مراجعة استراتيجية لمدة 6 أشهر كجزء من "تصحيح المسار" للعلاقات الأمريكية مع المملكة.
لذلك، قد لا يكون النشاط الدبلوماسي للمملكة مفاجئًا نظرًا للتطورات الإقليمية والدولية منذ عام 2019. وبعد أكثر من 3 سنوات، أنهى آل سعود الصدع داخل مجلس التعاون الخليجي ووضعوا "بن سلمان" في مقدمة ومركز المصالحة، ورأينا القمة التي عقدت في العلا قبل أسبوعين من تولي "بايدن" منصبه. وكما هو الحال في الأوقات السابقة من عدم اليقين الإقليمي، تقارب قادة الخليج أكثر وتجمعوا لدعم قيادة المملكة ردًا على تقرير المخابرات الأمريكية في فبراير/شباط 2021 حول مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وقام أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" بزيارة إلى المملكة التقى خلالها "بن سلمان" في جدة في 10 مايو/أيار 2021، ووجه الملك "سلمان" دعوة إلى سلطان عمان الجديد، "هيثم بن طارق آل سعيد"، لزيارة المملكة مع استمرار إصلاح العلاقات الإقليمية.
ومع أنباء تواصل المملكة مع إيران وسوريا والانفراجة المحتملة مع تركيا، يبدو أن هناك رغبة في إدارة الملفات الإقليمية بشكل أفضل بعد فترة من الاضطرابات غير العادية في المنطقة. وبالنظر إلى عمر والحالة الصحية للملك "سلمان"، فمن المحتمل أن يخلفه "محمد بن سلمان" خلال فترة ولاية "بايدن"، وقد تكون الخلافة في الإمارات وشيكة أيضًا، ما يعني أن الوقت الحالي هو وقت التعاون وليس المواجهة.
ومن وجهة نظر الرياض، أعادت إدارة "بايدن" التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة في مواجهة هجمات أنصار الله المستمرة من اليمن. وتُظهر مثل هذه الخطوة المكاسب في التعامل عن كثب مع الشركاء الدوليين في الشؤون الإقليمية وربما يكون ذلك الدافع وراء الاجتماعات بين المسؤولين في المملكة مع نظرائهم الإيرانيين، حيث يحتاج "بن سلمان" إلى إيجاد طريقة لفك الارتباط باليمن دون أن يبدو ذلك وكأنه هزيمة استراتيجية أو عملياتية.
ويمكن للمسؤولين التحاور مع نظرائهم الإيرانيين والعمانيين بشأن طرق تحفيز أنصار الله على الدخول في مفاوضات أو على الأقل محاولة تغيير التوازن داخل الحركة لصالح أولئك الذين يفضلون الحلول السياسة وليس العسكرية. وقد يكون ذلك الأمر صعبا، لكن آل سعود ليس لديهم الكثير من الخيارات المتبقية في حرب اليمن التي تحتاج المملكة لإعادة توجيه تكاليفها نحو الداخل لدعم وتسريع التعافي الاقتصادي بعد الوباء.
ارسال التعليق