تدخل السعودية في اليمن: جنون العظمة وشهوة الطغيان
الكاتب حسوني قدور بن موسى / كاتب من المغرب
عرف اليمن في العصور القديمة حضارة عريقة خاصة في عصر مملكة سبأ، وسميّ في عهد الرومان باليمن السعيد، وكان في معظم الاحيان شبه مستقل بحكم موقعه الجغرافي وأراضيه الوعرة، وعلى مرّ الزمان كانت السعودية تطمع في السيطرة السياسية على اليمن، فمنذ سنة 1939 شنت حربا عدوانية على هذا البلد الجار، إلا أن العدوان على اليمن ازدادت حدته وقساوته في عهد محمد بن سلمان، حرب مدمرة دامت 6 سنوات، يُنظر اليها على أنها أسوأ أزمة إنسانية في عصرنا الحديث، تتراوح تقديرات القتلى بين 10 آلاف إلى 70 ألف قتيل، غالبيتهم من اليمنيين، وحسب التقارير الدولية فإن الغارات الجوية التي تقودها السعودية تسببت في مقتل ثلثي هذا العدد، وأن حصيلة 4 سنوات من القتال في أنحاء اليمن مرعبة جدا فأكثر من 6700 طفل قتلتهم الآلة الحربية السعودية، والعديد منهم يعيشون أوضاعا بائسة وبعيدة عن حياة الطفولة.
يوجد اليوم في اليمن 7 ملايين طفل ينامون كل ليلة وهم جياع وفي كل يوم يواجه 400 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد، ويتعرضون لخطر الموت في أي لحظة بسبب الحرب التي يشنها خادم الحرمين الشريفين على الشعب اليمني، أكثر من 2 مليون طفل لا يذهبون إلى المدرسة، أما الذين يذهبون إليها فيتلقون تعليما متدنيا جدا. ان التاريخ البشري حافل بأحداث كثيرة مأساوية وحروب دامية مدمرة، وقعت في مختلف أنحاء العالم تسبب في اندلاعها حكام مصابون بجنون وأمراض نفسية، ولم يسلم الوطن العربي من هذه الظاهرة، فهناك حكام عرب مرضى بجنون العظمة وشهوة الطغيان وحب الزعامة والسيطرة على شعوبهم، ومحاولة احتلال الدول المجاورة بقوة السلاح، هذه الظاهرة ناتجة عن اضطرابات نفسية أو سلبيات ونقص في التربية منذ الطفولة أو العلاقات الاجتماعية، التي تعني شعور الطاغية بمتعة وهو يشاهد الآخرين يتألمون ويعانون في حياتهم، أنواعا من العذاب والحرمان والفقر والقمع والاضطهاد.
هذه الظاهرة مرتبطة دوما بجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الطغاة المستبدين ضد معارضيهم السياسيين، هذه الظاهرة موجودة عبر التاريخ الإنساني وفي كل الأزمنة، ولكل طاغية طريقته الخاصة الوحشية الدموية، التي يستعملها ضد شعبه، ولا يترك الطاغية مؤسسة أو أي مجال من مجالات الحياة المدنية، أو العسكرية، خارج نفوذه وسيطرته، مستخدما في ذلك جميع مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية لخدمته، ويصل مستوى الطغيان والاستبداد إلى اختزال كل شيء في شخصيته، وكل ما يدور حوله ينطلق من وجوده، ولا وجود لأي شخص آخر منافس له، وإذا وجد هذا الشخص المنافس فمصيره السجن أو التصفية الجسدية، إن اقتضى الحال. وتنتاب الطاغية أوهام وتخيلات توحي إليه بأنه مهدد من الخارج، ويرى العالم الذي حوله عدوا يتربص به، وينتابه شعور بالتهديد من قبل أعداء لا وجود لهم سوى في مخيلته، وإن لم يكونوا موجودين في الواقع يعمل على إيجادهم في ذهنه لذلك يكون دائما شديد الحذر، أينما حل وارتحل محاطا بحراسه، غير متسامح أبدا مع خصومه، حساسا وشديد القلق وسريع الاتهام للآخرين بأنهم يكذبون عليه ويتآمرون عليه، ويؤيدون قتله لقلب نظام حكمه، في حين أن الآخرين لا يريدون سوى الحرية والعيش في أمن وأمان.
الطاغية المستبد يقدم نفسه كشخصية مطلقة تجتمع فيها المتناقضات، فهو يتظاهر بالقوة والجبروت والشجاعة، لكنه وقت الجد والمواجهة يتلاشى ويذوب كقطعة الثلج، يهرب من المواقف الحاسمة، غير ناضج لا يدرك أن الحياة فيها صعاب ومشكلات لا بد من مواجهتها لذا فإن الطاغية يهرب من المسؤولية، يضرب معارضيه بيد من حديد، من دون شفقة، وفي الوقت نفسه لا يتردد عن ارتداء ثوب الأب الحنون المحب لشعبه العطوف على المواطنين. والحاكم المصاب بمرض جنون العظمة وشهوة الطغيان، يبدو سليما ظاهريا، من حيث القدرة العقلية، لكنه يبني تحليلاته على الخيال والأوهام، وهذا مرض يصعب علاجه، كان موجودا عند الطغاة في الأنظمة الديكتاتورية، وأبرز مثال على ذلك زعيم النازية أدولف هتلر، الذي أطلقت عليه مجلة «التايمز» البريطانية اسم « الديكتاتورالأعظم» وموسيليني في إيطاليا، وجوزيف ستالين في روسيا، حيث قتل في عهده 49 مليون روسي، أي ما يعادل 40 ألف قتيل كل أسبوع، وبوكاسا الإمبراطورالمجنون في افريقيا الوسطى، الذي كان يأكل لحم البشر، والديكتاتورالكمبودي الجنرال بول بوت قائد حركة «الخمير الحمر»، قتل ما يقرب من 3 ملايين مواطن عام 1967 ومعمرالقذافي، وغيرهم من الطغاة الذين كانوا يبنون جميع تصرفاتهم السياسية على أوهام وحوادث غير واقعية، لا وجود لها على أرض الواقع، يعيش الطاغية في عالم غيرعالم شعبه، فعند اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979 على يد الخميني، لم يصدق شاه إيران محمد رضا بهلوي ما يحدث في الشارع الإيراني من تظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة، كانت تنادي بإسقاطه، فصعد إلى الطائرة المروحية للتأكد من صحة خبر قيام الثورة، وهذا دليل على الأوهام والكبرياء والاستعلاء والشعور بالعظمة والغرور، الذي كان يعيش فيه الشاه بعيدا عن هموم الشعب، في 16 يناير/كانون الثاني 1979 ترك شاه إيران سلطته، ولم يعد إليها إلى الأبد، انتقل من بلد إلى آخر، قبلته إدارة جيمي كارتر على مضض من أجل العلاج، أمريكا التي كانت تدعمه تخلت عنه تحت ضغط الشارع السياسي، واضطر الشاه الضعيف إلى مغادرة أمريكا إلى بنما ثم إلى مصر. الطاغية لا يؤمن بالتغيير، فعندما سأل أحد الصحافيين الرئيس الروماني نيكولا تشاوسيسكو،عما إذا كانت المظاهرات التي عمت مدن رومانيا ستؤدي إلى التغيير، وهل يخشى أن تتطور الأمور إلى الأسوأ قال: لا يوجد شيء مما تقولونه واستطرد بعنجهية مستهزئا قائلا : «لن يحدث تغيير في رومانيا، إلا إذا تحولت أشجار البلوط الى أشجار تين»، وبعد أربعة أيام فقط من هذا التصريح تم القبض على الطاغية هاربا مع زوجته، وتم إعدامهما رميا بالرصاص.
أمريكا تتعامل مع الطاغية، لكن عندما تشعر بأن مصالحها السياسية والاقتصادية مهددة تتخلى عنه وترميه في الزبالة، تم قتل السادات برصاص الجنود المنشقين فأدى ثمن الخيانة والتطبيع مع إسرائيل، وظل العسكر طوال عقود من الزمن يسيطرون على الحياة السياسية في جمهورية مصر العربية، وساهم الحكم العسكري في مصر في وقوع أحداث مؤلمة، أهمها قتل الرئيس محمد مرسي أول رئيس منتخب بطريقة شرعية، وأخطر الحوادث المؤلمة في عهد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، اغتيال الصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية التركية في إسطنبول بمساعدة المخابرات الإسرائيلية، والتاريخ يسجل أحداثا مأساوية أخرى مشابهة وقعت في الوطن العربي، نذكر منها تصفية المناضل اليساري المهدي بنبركة في العاصمة الفرنسية باريس سنة 1965 وما زال مصير جثته مجهولا إلى يومنا هذا، واختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا في عهد القذافي، وقتل الرئيس الجزائري محمد بوضياف، وهو يلقي خطابا على المنصة من طرف الجنرالات في النظام العسكري الجزائري. من المخجل مقارنة عظماء التاريخ رموز الحرية والعدالة والمساواة أمثال عمر المختار والمحامي المهاتما غاندي الذين استطاعوا طرد الاستعمار الأجنبي من بلادهم بحكام ديكتاتوريين، أعداء الحرية والديمقراطية.
ارسال التعليق