تغيّر الرؤية الأمريكية للعلاقة مع النظام السعودي من بائع الى حارس الكنز
يبدو أن قانون" جاستا " الذي شرعه الكونغرس الأمريكي قبل عدة أسابيع، أصبح سيفاً مسلطاً على رقاب آل سعود، ويقضي هذا القانون كما بات معروفاً بمقاضاة النظام السعودي من قبل المتضررين الأمريكيين من أحداث الحادي عشر من ايلول عام2001م، بعد ما زعمت التحقيقات الأمريكية ضلوع أمراء ومسؤولين سعوديين في دعم الأرهابيين الذين قاموا بهذه الجريمة وأكثرهم من السعوديين.فقد كشفت وكالة رويتر العالمية يوم14/4/2017، أن أكثر من 12شركة تأمين أمريكية مرتبطة بشركة ترافيلرز كوز العملاقة، أقامت دعوى قضائية تطالب شركات ومؤسسات سعودية بدفع تعويضات تصل إلى 4/2مليار دولار .القائمة تشمل عشر كيانات من بينها مصرف الراجحي، والبنك الأهلى التجاري، وشركة محمد بن لادن، ورابطة العالم الإسلامي وجمعيات خيرية أخرى.
أخطر ما تضمنته الدعوى القضائية هو إتهام هذه الكيانات بالمساعدة والتحريض على الهجمات من خلال أنشطة تدعم تنظيم القاعدة في السنوات التي سبقت تنفيذ هذه الهجمات، أي بأثر رجعي.
وهذه هي الدعوى القضائية الثانية في ولاية نيويورك فقط، فقبل شهرين تقريباً تقدمت شركة محاماة أمريكية بدعوى نيابة عن 700شخص من أهالي ضحايا الهجمات المذكورة أمام محكمة في منهاتن ضد الحكومة السعودية لتقديم أمراء ومسؤولين فيها مساعدات مالية ولوجستية لمنفذي هجمات الحادي عشر من ستمبر.
هذه الدعوى القضائية الثانية، وقبلها الدعوة الأولى، واللتان من المحتمل جداً أن تتبعهما دعاوى قضائية ثالثة ورابعة....وحتى عاشرة، كلها تؤشر إلى جملة دلالات خطيرة ينبغي على النظام السعودي، التفكير بها ملياً لعلّ ذلك يدفعه إلى مراجعة حساباته ودراسة سياساته، وإعادة النظر فيها، قبل فوات الأوان، ومن هذه الدلالات ما يلي:-
لا يمكن أن تقام هذه الدعاوى، ما لم يكن هناك ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية، صحيح أن الكونغرس سن قانوناً يجير لذوي الضحايا مقاضاة النظام السعودي، لكن الإدارة الأمريكية بإمكانها أن تعطل مثل هذه الدعاوى، ضد النظام السعودي، ما يعني أن هذه الإدارة لا تنظر إلى هذا النظام كحليف على غرار الحلف الأمريكي الغربي، وإنما أضحت هذه الإدارة تنظر إلى النظام السعودي بنظرة أخرى، لخصها الرئيس الحالي في حملته الانتخابية بقولة " إن السعودية بقرة حلوب لأميركا، متى ما جف حليبها نقوم بذبحها ".وبالتالي فأن السعودية وفق الروية الجديدة للاميركان ليست سوى بنك لابد من استغلال الأموال فيه إلى آخر فلس، حينها يهجر البنك أو يتم تهديمه. فهذه الدعاوى لا يمكن أن تقام بدون أي أثر، إنما هي تصدر تباعاً وفق خطة مدروسة تماماً من أجل الاستحواذ على الاحتياطي النقدي السعودي المخزن في البنوك الأمريكية، حيث يقول الخبراء ان لهذا الاحتياطي الذي يقدر بمئات التريولونات، " النظام السعودي اعترف بوجود750مليار دولار" دور كبير واساس في تدوير عجلة الاقتصاد الأمريكي، وفي تشغيل المصانع العسكرية، وفي تمكين أمريكا من تقديم المساعدات المالية والتسليحية بآخر ما تنتجه المصانع العسكرية الأمريكية للكيان الصهيوني، ليقتل بها أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم.
ما يؤكد هذا التحليل، أن النظام السعودي استنفر كل إمكاناته ونفوذه في الأوساط الأمريكية مؤخراً، من أجل إيقاف القيام بهذه الدعاوى، بل وصرف الاموال الطائلة كرشى لجماعات الضغط الامريكية لكن دون جدوى مما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في خطتها للاستحواذ على الأموال السعودية، لأن هذه الدولة الكبرى لا يمكن أن تبقى دولة كبرى ما لم تتكئ على هذه الأموال الطائلة، بعد مؤشرات التراجع الاقتصادي والاجتماعي، وبعد الأزمات الداخلية والخارجية التي تعاني منها واشنطن.وهذا يقودنا إلى نتيجة أن الأستحواذ الأمريكي على الأموال السعودية هو ركن أساسي لاستمرار الولايات المتحدة كقوة عالمية كبرى على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وذلك ما يفسر اخفاقات النظام السعودي في إقناع الأوساط الأمريكية المعنية بالتراجع عن هذا الابتزاز، رغم كل الرشى التي قدمت إلى هذه الأوساط، ويفسر أيضاً إخفاقات النظام في إقناع الأعضاء في الكونغرس، قبل ذلك، في تعطيل إصدار قانون جاستا رغم كل الأموال الطائلة التي قدمها لهؤلاء الأعضاء، حيث ظل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هناك أكثر من شهر يتنقل بين سناتور وآخر، من أجل تحقيق هذه المهمة دون جدوى.
إن سن قانون جاستا، ثم قيام الدعاوى القضائية تباعاً على أساسه. كل ذلك يؤكد أن الولايات المتحدة ثبتت قانونيا ان النظام السعودي متهم بالإرهاب وراعي للإرهاب وللجماعات الإرهابية فكراً وتمويلاً وتسليحاً، فهذه القطعان التكفيرية تخرجت من المدارس السعودية الدينية، سواء في داخل السعودية أو في خارجها، إذ أن النظام السعودي قام وما يزال بإنشاء عشرات الآلاف من هذه المدارس، فعلى سبيل المثال، أن النظام أنشأ في باكستان وحدها 70ألف مدرسة مولها وملأها بالمدرسين ممن تخرجوا في المدارس الوهابية داخل السعودية، وقد خرجت هذه المدارس مئات الآلاف من الوهابيين التكفيريين، ومنهم حركة طالبان والقاعدة وما إلى ذلك، وقس على ذلك، فكم هو الجهد السعودي ضخم وضخم جداً، في نشر الفكر الإرهابي التكفيري في العالم.
الإدارة الأمريكية تحاول التغاضي عن هذه الحقيقة بحكم الاستثمار الأمريكي الاستراتيجي في السعودية، وبحكم انخراط هذا النظام في مشاريعها الاستراتيجية في المنطقة وفي العالم أيضاً...لكنها أي هذه الإدارة لا يمكن أن تتغاضى أو ان تدير ظهرها للرأي العام الأمريكي بل وحتى الغربي، الذي بات ينظر إلى النظام السعودي، بأنه نظام إرهابي مسؤول مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن الإرهاب في العالم ، وهذه القناعة جعلت الرأي العالم الأمريكي والغربي يتحرك في عدة اتجاهات هي:
ممارسة الضغوط على الإدارة الأمريكية لفك تحالفها مع النظام السعودي لأنها إن ظلت متحالفة معه، تتحمل مسؤولية أخلاقية، بل ومسؤولية مباشرة عما يحصل من جرائم إرهابية تقوم بها أدوات النظام السعودي الإرهابية من تكفيريين وقاعديين دواعش، بل ذهبت اتجاهات الرأي العام الأمريكي، الى التحذير من استمرار هذا التحالف مع هذا النظام الإرهابي المتخلف بحسب وصف الصحافة الأمريكية، لأنه بات يشكل خطورة متفاقمة على المجتمع الأمريكي. هذا ما تعكسه الصحافة الأمريكية باستمرار، وبشكل يكاد يكون متواتراً، تحدث فيه عن إجرام النظام السعودي تارة وتخلفه تارة أخرى، وعن فكره الإرهابي، الفكر الوهابي التكفيري الاقصائي تارة ثالثة، ورابعة عن المذابح التي يرتكبها النظام وطيرانه في اليمن، وبخلاصة أن هذا الإعلام يضغط باتجاه ترك هذا النظام، لأنه بات يشكل خطراً على الولايات المتحدة وعلى العالم أيضاً.
تحميل النظام السعودي مسؤولية فشل الولايات المتحدة وتراجع مشاريعها في المنطقة. صحيح أن النظام السعودي يٌملى عليه من المخططين الأمريكيين وصحيح أن السي آي أي والبنتاغون الأمريكيين هما شريكان أساسيان في تشكيل القاعدة وداعش والنصرة، وتوظيفهما في إطار المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، لكن فشل هذه الأدوات يتحمله النظام السعودي، فهذه سياسة وعادة المستكبر الأمريكي، لا يتحمل المسؤولية، إنما يتنصل منها، لتنحصر الاستحقاقات السلبية لهذا الفشل على الطرف الآخر، وهو النظام السعودي، لابتزازه وللنيل منه لاحقاً.
دعوات صريحة من جانب بعض الأوساط الأمريكية إلى التخلص من هذا النظام الإرهابي والمجيء بأشخاص (متنورين)، لأن هذا النظام مازال قبلياً متخلفاً لا يحترم المرأة ولا يسمح لها حتى بقيادة السيارة، والذي يتابع الصحافة الأمريكية يجدها تعج بمقالات واخبار تنال من النظام السعودي ومن تخلفه ومفاهيمه المتبلدة، وضرورة التخلص منه بإحداث انقلاب داخل العائلة السعودية نفسها والمجيء بأناس جدد.
ان النظام السعودي أدرك هذا التوجه الأمريكي الجديد تجاهه، منذ فترة اوباما الأولى، لكنه أي هذا التوجه أصبح اكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة لحكم اوباما نفسه، حينها ذهب صوب الكيان الصهيوني باعتباره الطرف الذي يمكنه تغيير رؤية الأمريكان وبالتالي استمرار الاحتضان الامريكي لهذا النظام، وقصة التوجه السعودي نحو العدو باتت معروفة ابتدأت بلقاءات تركي الفيصل وانور عشقي..وصولاً الى الاعلان وبدون خجل عن تحالف سعودي صهيوني ضد المحور المقاوم، ولدرجة ان نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني بين الحين والآخريتفاخر بهذا الحلف الذي لم ينفهِ النظام السعودي، لا بل ان الاعلام السعودي يؤكد وجوده من خلال الاطراء على العدو الصهيوني وتقديم الشكر لنتنياهو من صحيفة مكة السعودية، لأنه أدان مجزرة خان شيخون السورية بالكيمياوي، بل الصهاينة أنفسهم يصرحون ويقولون ان النظام السعودي إتجه الينا يتحالف معنا لكي نحميه من تغير التوجهات الامريكية بشأنه بسبب دوره في الإرهاب الذي يجتاح العالم اليوم، وينسبون لأنفسهم، أي الصهاينة، ايقاف تداعيات التبدل الأمريكي تجاه النظام السعودي! ولكن رغم هذا التوسل السعودي بالصهاينة للتدخل لدى المسؤولين الامريكان وكل هذا الثمن الباهض الذي دفعوه لهم إبتداءاً من خسرانهم سمعتهم وتخرق اقنعتهم الاسلامية وشعاراتهم وسقوطهم المدوي في نظر المسلمين، رغم كل هذا وغيره، فأن المعطيات السابقة تؤكد ان الادارة الأمريكية وضعت في حسابها، ان هذا النظام بات يشكل عبئا حتى على الولايات المتحدة نفسها ولابد من التخلص منه، ولكن لابد من الاستحواذ على أمواله وثرواته، ومن بعد ذلك تذبح البقرة كما قال دونالد ترامب الرئيس الحالي.
بين الحين والآخر، تشير بعض الصحف الامريكية الرصينة، الى مسألة تقسيم السعودية، وفي الحقيقة ان هذا التسريب لا يجري من منطلق الابتزاز والضغط على النظام السعودي لدفعه نحو الأرتماء بمساحة اكبر في أحضان الأمريكيين وحسب، وانما هناك خطة فعلاً لدى الاميركان بتقسيم هذا البلد، فعميلة تقسيم المنطقة مشروع أمريكي صهيوني قديم وضع أسسه بن غوريون سنة1958، وحاول الأمريكان تجربته في العراق بالتعاون مع النظام السعودي عن طريق اثارة الفتنة الطائفية والعرقية ولكنهم فشلوا، وحاولوا في سوريا وفشلوا لحد الآن، ويريدون تنفيذ ذلك في ليبيا وفي اليمن، ولكن السعودية موضوعة على أجندة هذا المشروع الذي قلنا ان النظام السعودي يساهم مساهمة فعالة في رفده ودعمه عسكرياً ومالياً وارهابياً...ويبدو ان الاميركان لتحقيق هذا الأمر، وضعوا في حسابهم التحرك على مستويين هما:
استنزاف النظام السعودي مالياً، وهو ما يجري الآن على قدم وساق، كما أشرنا من خلال قانون جاستا، ومن خلال تحميل النظام السعودي نفسه مصارف واثمان التدخلات الأمريكية في المنطقة وعدوانها على شعوب هذه المنطقة، وأعلن ترامب ذلك صراحة، حتى ان الأوساط الأمريكية والغربية قالت ان ترامب قبض ثمن ال59صاروخ توماهوك التي اطلقها على قاعدة الشعيرات الجوية السورية على خلفية حادثة شيخون في أدلب، مقدماً.
استنزاف النظام السعودي عسكرياً، من خلال توريطه في حرب اليمن، حيث أخفق النظام في تحقيق ما كان قد وعد به الأميركان انه سيفتح صنعاء ويطرد الحوثيين منها وجماعة صالح خلال أيام معدودة، ولأن من دوافع هذه الحرب أمريكيا اضعاف النظام السعودي، فأنهم رفضوا لحد الآن إيقافها واصّروا على النظام على مواصلتها من أجل إضعافه الى أقصى حد ممكن، ومن أجل الاستفادة الأمريكية من هذه الحرب الى أقصى ما يمكن أيضاً، واليوم بات الخبراء بعد هذا الاستنزاف الذي تعانيه السعودية من استمرار الحرب، ومنهم الخبراء الامريكان يتحدثون عن ان الجيش السعودي بات نمراً من ورق ويتحدثون عن احتمالية فقدان السعودية لنجران وجيزان وعسير، وما تعني هذه التسريبات والتقارير ان لحظة الانقضاض على النظام السعودي قد اقتربت. وما لم يتراجع هذا النظام ويؤوب الى رشده فأن كل الأمور تمضي بالاتجاه الذي رسمته الإدارات الصهيونية والأمريكية، اي باتجاه تفكيك السعودية وتقسيمها، بعد إسقاط نظام أسرة آل سعود والى الأبد.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق