تقرير خاص حملات الاعتقال مستمرة.. التهم المعلبة والخلفيات الحقيقية؟!
واصلت السلطات السعودية حملات الاعتقال لمجموعة كبيرة من الدعاة والمشايخ والقضاء والمثقفين، ممن كان يحسب بعضهم تاريخيا على فريق النظام في المملكة وكانت تربطهم علاقات جيدة مع مسؤولين وقيادات سعودية عدة، كما يتمتع العديد من هؤلاء بالمكانة الكبيرة لدى الشارع السعودي ولديهم الحظوة العلمية الوازنة في المدارس والتيارات الإسلامية والسلفية.
وتطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول خلفيات اعتقال هؤلاء الشخصيات، لا سيما أن العديد من هؤلاء القضاة المعتقلين وكذلك الدعاة ممن تشددوا بمواجهة التيارات المعارضة للسلطة في المملكة أو في الحكم على شخصيات صنفت أنها منتقدة أو معادية للنظام أو للسلطات السعودية، فلماذا يتم سحق هؤلاء اليوم بينما كانوا حتى الأمس القريب اليد الطولى والأداة المثلى التي تواجه وتحارب كل الأصوات المعارضة؟ هل تغيرت الأحوال كي تنقلب الطاولة على هؤلاء؟ وما هي المتغيرات التي تجعل الشخص المقرب من الحاكم يصبح نزيلا في السجون؟ هل قام هؤلاء بأي تصرفات تضر فعلا بالمصلحة العامة للمملكة أو أنهم تآمروا ضد ولاة الأمر في البلاد ما استدعى اعتقالهم على عجل وزجهم في المعتقلات التي كانوا يحكمون على الناس بالبقاء فيها لمدد طويلة؟ هل خبرت السلطات السعودية أن هؤلاء قاموا بما لا يليق بهم بصفتهم أمناء على القرارات القضائية ونزاهة القضاء في المملكة وإبعاده عن السياسة ما استدعى هذه الردود القاسية بحقهم ومن ثم اعتقالهم؟
التهم الجاهزة.. والاعتقالات المبررة
حول كل ذلك قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن “حملة الاعتقالات جاءت على خلفية دفع عدد من هؤلاء باتجاه تنفيذ أجندة متطرفة وتلقي تمويلات من دول أجنبية لزعزعة استقرار المملكة”، وتابع “كانوا يحرضون الناس ونحن لم يكن بمقدورنا السكوت عن ذلك”.
لكن كلام الجبير يدفع إلى مزيد من التساؤلات بخصوص بعض الشخصيات المعتقلة، كيف أن هؤلاء كانوا طوال الفترات السابقة لديهم كل هذه الصلاحيات وهذا الحضور ولم تكن الجهات المعنية مدركة بارتباطاتهم الخارجية؟ وكيف يُسمح لمثل هؤلاء أن يقيموا العلاقات المشبوهة خارج إطار القيادة والسلطة في الدولة السعودية؟ وأي حقوق تم انتهاكها طالما أن من كان أمينا على القضاء والبت بحقوق الناس على هذه الشاكلة؟ أليس جديرا بالبحث طرح مسائل تتعلق بمصير الأحكام القضائية التي سبق أن أصدرها بعض هؤلاء خاصة أن هناك من أُعدم وفقد حياته والبعض ما زال يقبع بالسجن وربما هناك من ينتظر إعدامه نتيجة أحكام سطرها هؤلاء ممن تعتبرهم اليوم السلطة السعودية من المرتكبين أو المتورطين بزعزعة امن المملكة؟
أليس البعض من هؤلاء عمل على التحريض بين أبناء المجتمع في لحظة ما والبعض أصدر أحكاما قضائية ذات صفة انتقامية من بعض الشخصيات لأسباب طائفية وفكرية؟ هل مثل هذه التصرفات كانت تعلم بها الجهات المعنية في المملكة أم أن كل ذلك حصل من دون علمها وإدراكها؟ وبالطبع سواء كانت مدركة فهي مصيبة، أما أن لم تكن كذلك فالمصيبة أعظم، ومن هنا لا بد من البحث بشكل جدي في إعادة المحاكمات في الكثير من القضايا ونقض الأحكام التي صدرت عن شخصيات غير مؤهلة لتكون في منصب القضاء.
الخلفيات السياسية وتصفية الحسابات..
من جهة ثانية، يرى البعض أن حملة الاعتقالات لها أسباب سياسية وإن كانت تُخترع لها بعض التبريرات غير المنطقية والواقعية، فهناك من يعيد خلفيات الاعتقال إلى ولاء المعتقلين إلى ولي العهد الأسبق الأمير محمد بن نايف وبالتالي عدم تقديم واجب الطاعة والبيعة لولي العهد الجديد محمد بن سلمان على الرغم من أن الأخير يتحضر بشكل واضح وجلي لاستلام المنصب الأول في الدولة السعودية، وما حملات الاعتقال إلا نوع من تصفية الحساب مع كل المعارضين قبيل الوصول إلى عرش المملكة.
كما يضيف البعض للأسباب السياسية أن حملات الاعتقال تندرج في إطار التضييق على الموالين لجماعة “الإخوان المسلمين” في عموم المملكة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، مع استمرار اتهام الجماعة بالإرهاب وتصديره، وبالتالي فإن من الواجب اعتقال القيادات الموالية أو التابعة لها في إطار الحرب على الإرهاب.
وبالسياق، انتشرت الأخبار عن حصول تسريح لموظفين موالين للإخوان في أكثر من جهة حكومية وغير حكومية في المملكة، ومن هذه المؤسسات جامعة “الإمام محمد بن سعود الإسلامية” إحدى أكبر الجامعات الحكومية في المملكة التي أعلنت أنها “ستقيل متعاقدين يشتبه بأن لهم صلات بجماعة الإخوان المسلمين وهو ما يزيد المخاوف من أن الحكومة تشن حملة على منتقديها في الأوساط الأكاديمية”.
المعايير المزدوجة.. والاستخدامات غب الطلب
هذا الأمر يطرح أيضا المزيد من التساؤلات، هل ستصبح تهمة الانتماء لجماعة الإخوان أو الصلة معها فرصة للإطاحة أو اعتقال كل من ينتقد أو يعارض السلطة في المملكة؟ ومن يضمن بعد ذلك أن لا تستخدم هذه التهمة كشماعة للاستخدامات السياسية بحسب رغبات وأهواء بعض النافذين أو المسؤولين؟ ومن الضامن للحريات العامة وحقوق الأفراد طالما أن الحكومة اليوم تتهم القضاء والمثقفين والعلماء أنهم غير مؤهلين للبقاء خارج السجون؟
وهل القضاء السعودي الذي سيقضي لاحقا بحق كل من له علاقة بالإخوان سيكون “نزيها” على شاكلة من حكم قبله بالإعدام على الشيخ الشهيد نمر باقر النمر وغيره من الشهداء والمعتقلين؟ وهل ستكون التهم دائمة معلبة هكذا وتختلف باختلاف المرحلة السياسية والأزمات التي تمر بها السلطة الحاكمة، حيث كانت بالأمس التهم تتعلق بإيران وحزب الله واليوم بقطر أو الإخوان المسلمين ولا ندري في المستقبل بأي طرف سترتبط، تساؤلات كثيرة تكاد لا تنتهي برسم كل المسؤولين والسلطة وبرسم كل مواطن قد يجد نفسه في لحظة ما في قفص الاتهام بأي تهمة كانت قد تودي بحياته أو بحريته أو بحقوقه.
والأمر الأكثر ريبة أن من المعتقلين من ليس له علاقة بـ”الدعوة الدينية” وإنما هناك الرسام والشاعر والمثقف والاقتصادي أي أن الأمر يبدو وكأنه فرصة للانتقام من كل شخص لا يوافق على آراء الحاكم الأوحد أو السلطة المختصرة برجل واحد، فهل مثل هذا السيناريو سينطبق ويعمم على كافة أبناء الشعب في المستقبل؟ هل لهذه الدرجة وصلت الأساليب البوليسية في التعاطي مع الإنسان في المملكة؟ وأي مستقبل سيعيش الإنسان في هذا البلد طالما أنه لن يأمن على نفسه وعياله وماله؟
ومن اللافت وعلى سبيل الطرفة، ما انتشر من أنباء عن قيام السلطات بمنع أحد “الدعاة” في منطقة عسير من الإمامة والخطابة وسائر الأنشطة الدعوية، بسبب “إثارته للرأي العام لقوله في محاضرة عن مفاسد قيادة المرأة للسيارة أن النساء بربع عقل”، وهذا ما يطرح التساؤلات عن المعايير المزدوجة التي تستخدم في نفس الموضوع، فمن جهة تحرم المرأة من حقوقها، ومن جهة ثانية تتخذ الإجراءات الرادعة ضد كل من يحمل لواء التضييق على النساء والاعتداء على حقوقهن، ما دفع البعض إلى الحديث عن توجهات تميل إلى أخذ المملكة نحو “علمانية” تواكب المرحلة الجديدة من الانفتاح السعودي على الغرب والابتعاد شيئا فشيئا عن الدين بهدف إبعاد تهمة دعم الإرهاب عن المملكة، وقد تكون حملة الاعتقالات تندرج في هذه الخانة أيضا.
24/9/2017
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق