جزيرة العرب بين التحولات المجتمعية وآثارها الداخلية وهجمات “أرامكو” واكتتابها واستنزاف اليمن
التغيير
تجلّى الحدث الأبرز الذي طبع جزيرة العرب في 2019 باستهداف منشأتي “بقيق” و”خريص” النفطيتين التابعتين لشركة “أرامكو” شرقي المملكة في 14 أيلول/سبتمبر بطائرات مسيَّرة وصواريخ كروز في اختراق أمني كبير، تبنته جماعة أنصار الله، وسبق العملية هجمات “جس نبض” طالت الشركة في 14 أيار/مايو، دفعت بملك آل سعود سلمان بن عبد العزيز إلى الموافقة على استقبال قوات أمريكية لتعزيز العمل المشترك في حماية أمن آل سعود.
استهداف أرامكو الذي وضعه محللون في خانة استدراج الولايات المتحدة الأمريكية لحرب إقليمية مع إيران تمَّ احتواؤه، إلى حين انتهاء التحقيقات التي تتمّ بمشاركة دولية، إذ ترى الرياض أن الإجراءات الرادعة ليست شأناً سعودياً فحسب بل دولياً، كون القضية تتعدّى أمنها إلى أمن الطاقة العالمية.
وشكلت “أرامكو” شركة النفط الأكبر في العالم، الحدث مرة ثانية، إنما هذه المرَّة من باب طرح جزء من أسهمها (2.5 في المئة) في البورصة المحلية، وملامسة قيمة الشركة تريليوني دولار، ما جعلها أكبر شركة مُدرجة في العالم، رغم ما يعتري هذه الخطوة من مخاطر.
هذا الاهتمام العالمي، لم يحجب ما شهدته المملكة من ضغوط دولية مطلع العام، على خلفية جريمة قتل الكاتب والإعلامي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 تشرين الأول/اكتوبر 2018 والتي طالت فيها الاتهامات المستشار السابق في الديوان الملكي لآل سعود سعود القحطاني، ونائب رئيس مخابرات آل سعود السابق أحمد العسيري، القريبين من ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان، الذي نفى ضلوعه في العملية، لكنه اعتبر أنه يتحمَّل المسؤولية كاملة بوصفه قائدًا في السعودية، وأن أفراداً يعملون لحكومة آل سعود قاموا بهذا العمل.
وجاءت الأحكام القضائية في 23 كانون الأول/ديسمبر، بإعدام خمسة متورطين، وسجن ثلاثة آخرين، وتبرئة القحطاني والعسيري، لتبعث ارتياحاً دولياً، وغضباً تركياً “لقصور في العدالة” في وقت أثيرت فيه التساؤلات حول ما إذا كانت القضية قد أُغلقت عند هذا الحد.
على أن العام 2019 سجَّل تحولات عميقة في المجتمع العربي، يراها البعض أنها تواكب تطلعات الشباب الذين يُشكلون الفئة العمرية الأكبر، وتوقهم إلى العيش في مناخات من الانفتاح على ثقافات الآخرين، فإن البعض الآخر يتخوَّف من أن تؤول الوتيرة المتسارعة في تغيير المفاهيم إلى “هزَّات” في بيئة الجزيرة العربية التي يغلب عليها الطابع المحافظ، وفي ظل ما تشكله المملكة من موقع ديني في العالم الإسلامي.
لا ترتبط تلك التحولات بتطوّر قطاع الترفيه، الذي أضحت معه الحفلات الغنائية ودور السينما والمسارح أمراً متاحاً، والرهان على جعل الجزيرة العربية وجهة سياحية ثقافية ترفيهية لجذب الزائرين والسيَّاح الأجانب إلى بلاد الحرمين، وتحويل هذا القطاع إلى مصدر من مصادر الدخل، بل تنبثق من التعديلات في التشريعات والأنظمة الحقوقية والمدنية التي طالت المرأة على صعيد العمل والسفر والأحوال الشخصية، والتي تأتي استكمالاً للإصلاحات التي شقّت طريقها، في مجالات عدة، وستترك صدىً داخلياً وخارجياً.
لكن التغييرات بأبعادها الداخلية تظل مرافقة لهاجس الأزمات الحاضرة على مسرح الجزيرة العربية، لا سيما مع الحرب الدائرة في اليمن، التي تشكل رأس الحربة فيها. فأكثر من خمسة أعوام مرَّت على العدوان المُسمى “عاصفة الحزم” ولا يزال الاستنزاف “في خاصرتها الرخوة” حيث يستهدف أنصار الله مواقع آل سعود بالصواريخ البالستية وهجمات “الدرون” المفخخة، فيما المساعي للتوصل إلى حل سياسي يُنهي الحرب تصطدم بجدار التعقيدات في المشهد اليمني وتعدّد اللاعبين الإقليميين والدوليين.
ارسال التعليق