جنوب اليمن يفاقم الصدع في العلاقات السعودية الإماراتية
في نهاية أبريل/نيسان، أعلن الانفصاليون في جنوب اليمن حالة الطوارئ والحكم الذاتي للمنطقة، في انتهاك صارخ لاتفاق السلام المبرم في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في الرياض، والذي صاغ خارطة لتقاسم السلطة تهدف إلى تشكيل حكومة وحدة.
ومنذ توقيع الاتفاق، انخرطت قوات الانفصالي الجنوبي وقوات عبدربه منصور هادي، الحليفين في السابق، في اشتباكات متتالية ومتكررة.
ودفعت المواجهات الأخيرة في عدن كلا الجانبين إلى إلقاء اللوم على الآخر في انتهاك الاتفاق. واندلع القتال الأسبوع الماضي في جزيرة سقطرى بين قوات من المجلس الانتقالي الجنوبي وتلك الموالية لحكومة "هادي".
واتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي، ومقره مدينة عدن الساحلية، والمدعوم من الإمارات، خطوة نحو الحكم الذاتي، بعد تفصيل إخفاقات حكومة "هادي".
وأصدرت الحكومة اليمنية، بدعم من السعودية، بيانا أعلنت فيه عواقب إعلان الحكم الذاتي، الذي وصفته بـ"الخطير والكارثي". فيما ظهرت الإمارات كأنها تعارض الإعلان وحثت الانفصاليين على احترام اتفاق تقاسم السلطة.
لكن قلة يعتقدون أن المجلس الانتقالي الجنوبي كان سيقوم بهذه الخطوة الاستفزازية دون موافقة ضمنية على الأقل من أبوظبي.فبعد كل شيء، يتمركز رئيس المجلس "عيدروس الزبيدي" الذي وقع على البيان، وقادة آخرون، في أبوظبي. وألقى "الزبيدي" خطابا من العاصمة الإماراتية في الماضي.
كما أصبح الإماراتيون قلقين من السماح للعناصر الإسلامية، بما في ذلك "حزب الإصلاح"، بالسيطرة على الحكومة اليمنية.
ويرمز هذا الانقسام إلى صدع أوسع في العلاقة السعودية الإماراتية. وسحبت الإمارات جزءا كبيرا من قواتها العام الماضي، ما يشير إلى انعدام الثقة في قدرة الرياض على تحقيق الاستقرار في اليمن.
وكان التوقيت مثيرا للاهتمام أيضا، نظرا لأنه خلال نفس الفترة الزمنية، التي بلغت 48 ساعة، أعلن أمير الحرب الليبي المدعوم من الإمارات "خليفة حفتر" نفسه حاكما لليبيا، بينما أدان اتفاقية الصخيرات لعام 2015.
وأظهرت إجراءات المجلس الانتقالي الجنوبي تأخيرات مستمرة في تطبيق وقف إطلاق النار من جانب واحد، الذي أعلنته السعودية في أوائل أبريل/نيسان.
ومع ذلك، لم تؤد الهدنة إلى وقف العنف. ويعتقد بعض المراقبين أن قرار السعوديين كان مجرد قرار نفعي، فقد عانت السعودية من المخاوف الاقتصادية المحلية الناشئة عن حرب أسعار النفط بين المملكة وروسيا، وكذلك التعامل مع انتشار الفيروس التاجي "كوفيد-19" في المملكة.
ومن المرجح أن يدمر الفيروس التاجي اليمن، أفقر دولة في الشرق الأوسط. ومنذ البداية، كانت الحرب في اليمن كارثية، وشهدت سوء إدارة من قبل السعوديين.
وعلى الرغم من الهيمنة الجوية، والميزانية العسكرية الضخمة، لم تتمكن الرياض من كسر الجمود في اليمن، وتكافح الآن لمواجهة الجهود الحوثية العسكرية في جميع أنحاء البلاد.
وحتى لو لم تكن التطورات الأخيرة تشير إلى حدوث انتهاء رسمي للتحالف بين السعودية والإمارات، فإن ما تظهره هو أن أبوظبي تبدو غير واثقة في قدرة الرياض على تحقيق أهداف السياسة الخارجية والأمنية نيابة عنها.
ويعني هذا أنه من المرجح أن تؤكد الإمارات على مزيد من الاستقلال، وأن تتبع أهدافها المحددة بدقة، حتى لو كان ذلك يعني زيادة الاحتكاك مع المملكة، في الوقت الذي يسعى فيه كلا البلدين إلى تجاوز الصراعات في اليمن وليبيا أثناء محاولتهما الترويج لنفسيهما كجبهة موحدة ضد التأثير الإقليمي المتنامي لإيران.
وفي ظل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وخاصة إدارة "أوباما" ثم "ترامب"، غضت الولايات المتحدة الطرف عن نشاط حلفائها العدواني في الشرق الأوسط.
وشجع هذا بدوره تلك الدول، خاصة السعودية والإمارات، على توسيع شبكات المحسوبية وتدشين شكل من أشكال الحرب بالوكالة، وبالتالي إطالة أمد الحروب الأهلية في المنطقة، والمساهمة في زيادة عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويشهد اليمن منذ 2015 حرباً مدمرة تتواضع أمامها جرائم الحرب بين التحالف السعودي ـ الإماراتي والميليشيات التابعة له من جهة، والحوثيين الشيعة من جهة ثانية بذريعة اعادة عبد زربه منصور هادي الى سدة الحكم، حيث تسببت هذه الحرب بمقتل وإصابة عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال بحسب احصائيات منظمات دولية إنسانية، ناهيك عن المجاعة، والأمراض المزمنة، التي خلفها الحصار، الذي فرضه التحالف على الشعب اليمن الفقير.
ارسال التعليق