حرب التحالف السعودي في اليمن كارثة إنسانية
سلّطت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية الضوء على المخاطر الأخلاقية التي تنطوي عليها الحروب بالوكالة، والتي تنتهجها بعض الدول نظير عدم توفرها على الرصيد البشري الكافي لشن المعارك، أو رغبة منها في توظيف جماعات مسلحة أخرى. وقالت المجلة الأمريكية: إن دعم واشنطن للسعودية في حربها على اليمن قاد إلى كارثة إنسانية بامتياز. ويبدو أن المآسي الناجمة عن هذا الدعم غير آيلة للتوقف، لا سيما مع وجود حصيلة قتلى وجرحى تتجاوز 90 شخصاً كل أسبوع في البلد، الذي تنخر جسده الحروب لأكثر من أربع سنوات. وأضافت المجلة أن الكونجرس الأمريكي بدأ سلفاً في تقدير التكلفة البشرية للحرب على اليمن، وعمل على التصويت على إنهاء حملة الولايات المتحدة في البلد الآسيوي، لكنها مسألة وقت قبل أن تتورّط إدارة ترامب في معضلة أخلاقية مماثلة في مكان آخر. والجدير بالذكر أن الحروب التي تشارك فيها بعض الأطراف عن طريق الوكالة لا تخضع للمُحاسبة الأخلاقية ذاتها بالمقارنة مع الحروب العادية، فضلاً عن كونها مُعقدة للغاية.
ورغم أن حاجة الإنسان للحرب لفرض الأمن والاستقرار تبدو مُبرراً لتدخل الأمريكيين لصالح قوات التحالف في اليمن، لكن الأمر المؤكد هو أنه يجب على هذه الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب إزهاق أرواح المدنيين. علاوة على ذلك، يجدر بالحرب التي تشنها هذه الأطراف عن طريق الوكالة أن تتناسب مع التهديد المحتمل. في المقابل، أثبتت التجارب العملية أن تطبيق العديد من الدول لنظرية الحل السلمي فور مشاركتها في الحروب عن طريق الوكالة غير مكتملة، بل إنها تتغاضى عنها في معظم الأحيان. وأشارت المجلة إلى تبعات تدخل الوكلاء في الحرب على تفكير الوكيل وتوجهه، حيث أثبت نموذج التدخل الأمريكي بالوكالة طوال أكثر من نصف قرن في فيتنام وأفغانستان واليمن أن تفكير الوكيل يتغيّر بشكل فوري. وبموجب التدخل الأمريكي، تزداد رغبة الوكيل في تصعيد النزاع بدلاً من حله، ما يزيد من تعقيد الأمور. وأوضحت المجلة أن الحروب بالوكالة لطالما زادت من تعقيد الأمور، كما أن الحروب التي دارت رحاها بين سنوات 1946 و2002 تبرهن لنا أن في تدخل الأطراف الأجنبية في الصراعات المحلية زيادة لتكاليف الحروب ومخاطرها. وبالنسبة للحرب في اليمن، ورغم كونها لم تتجاوز بضع سنوات فقط، إلا أن الصراع هناك يخضع لتأثيرات مماثلة، حيث ساهم التدخل الأمريكي في تصعيد الأوضاع وجعلها كارثية بحق. وبعد أن كان هذا التدخل يهدف إلى الدفاع عن الحدود السعودية من هجمات الحوثيين، عمد الأمريكيون إلى تأجيج الحرب، وتوفير الدعم لهجمات السعوديين الجوية الوحشية، وزادوا الطين بلة. وفي الواقع، لم يمنع التدخل الأمريكي تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، ولم يُسهم في درء الكوارث الإنسانية، بل إن الدعم الاستخباراتي والاستراتيجي والأسلحة التي قدّمتها إلى السعودية لم يقدر على ترويض أعمال العنف في اليمن ومنعه من أن يحتضن على أراضيه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وذكرت المجلة أن ترامب لم يلتفت إلى هجمات السعوديين التي استهدفت اليمنيين خلال ذهابهم للأسواق أو حضورهم حفلات الزفاف أو الجنائز، بل إنه دعم السعوديين في إطار سعيه لتوطيد العلاقات الأمريكية السعودية نظراً لفوائدها على اقتصاد بلاده. وبعد مضي سنتين على الاتفاق بين ترامب والرياض، بات اليمن قريباً من التحول إلى حاضنة للإرهاب، لا سيما بعد ورود تقارير من الـ»سي إن إن» تفيد بأن الذخائر والأسلحة الأمريكية شقّت طريقها إلى الجماعات الإرهابية والمتطرّفة.
وهذا ليس بالأمر المفاجئ، حيث سبق للأمريكيين تزويد المقاتلين الأفغان بالمعدات والصواريخ في حربهم ضد الجيش الأحمر السوفياتي، لينتهي بأفغانستان المطاف بالتحول إلى بؤرة للجماعات الإرهابية ونعمة وسوقاً للعديد من العصابات الإجرامية في الشرق الأوسط. ولا بد من الإشارة إلى غياب الإشراف الأمريكي على استخدام الدول التي توظفها عن طريق الوكالة لصواريخها المدمّرة.
وأفادت المجلة بأن الأمريكيين يسعون بشكل ما إلى تقليل الوفيات بين صفوف اليمنيين، عن طريق قيادة التحقيقات، وتقديم معلومات حول المناطق التي يتمركز فيها المدنيون، إلا أن عدم مُحاسبتهم لشركائهم يكشف حدود هذه المساعي. ونتيجة لهذه الكوارث الإنسانية التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية، فضلاً عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ارتأى الكونجرس الأمريكي التحرك لوضع حد لها.
من جهته، أفاد متحدّثون عن البيت الأبيض بأن ترامب سيستخدم حق النقض ضد قرار الكونجرس بإنهاء التدخل الأمريكي في اليمن. ومهما كانت الإجراءات التي يتخذها المسؤولون الأمريكيون للحد من الانتهاكات في أكثر الصراعات بالوكالة تكلفة اليوم، من الأفضل أن يفكّروا في كيفية منع الفظائع المماثلة في اليوم التالي. وخلصت المجلة إلى القول إن تدخل الولايات المتحدة في اليمن شجّع المملكة على التصعيد، وإن الأسلحة التي تقدّمها للرياض ستجد طريقها إلى أيدي الجماعات الإرهابية لا محالة. وفي الحرب اليمنية، يجب أن تتحمّل الولايات المتحدة تبعات انتهاكات قوانين الحرب وقتل المدنيين، وذلك بشكل مخالف لما اقتضته العادة في حروب الوكالة.
ارسال التعليق