خارج سيطرة ترامب.. تحالف آل سعود في مواجهة واقع الجغرافيا
يفتقد التحالف “السنّي” الأمريكي الصهيوني، قيد التدشين في الرياض، إجراءات واضحة على الأرض لتحقيق وتفعيل سياساته في مواجهة محور المقاومة، خاصة أن المعادلة في الشرق الأوسط معقدة ومتشابكة.
التحالف قائم بالفعل منذ سنوات، واغتراف ترامب للأموال السعودية، لن يفضي إلى تطوير جوهري في قوة المملكة، بل على العكس، سيكرّس من واقع تذيّلها لقوة أكبر تبتزها بدعوى ضمان حمايتها، فإذا التفتنا إلى “الأسلحة الأمريكية” ذات القيمة المليارية، كيفية وتوقيت استخدامها وبأي مناسبة وفي أي إطار، ونظرنا بالمقابل، إلى محور المقاومة بإمكاناته في حالة دخوله مواجهته مع التحالف الأمريكي السعودي، سنجد أن المشهد لا يمكن تلخيصه قط في أن “المملكة تمتلك أطنانا من الأسلحة”.
اليمن.. واقع الجغرافيا البرية
يسيطر الجيش اليمني واللجان الشعبية وقوى أنصار الله على الحدود اليمنية السعودية، وتصل الصواريخ الباليستية اليمنية إلى العمق السعودي بسهولة، وفي الأغلبية المطلقة من الأحوال، لا تستطيع الدفاعات السعودية إسقاطها، نعم قد تسهم منظومات الحماية الأمريكية “الجديدة” في جعل الموقف أفضل في مواجهة الخطر الباليستي اليمني الذي يؤرق الرياض، لكن سيبقى واقع آخر لن تغيره منظومات الدفاع الجوي، يكمن في السهولة البالغة التي يسيطر بها اليمنيون على محيط محافظتي جيزان ونجران اليمنيتين اللذين تحتلهما المملكة.
لأكثر من مرة، وجد سكان المحافظتين أنفسهم تحت النار اليمنية المباشرة، في ظل عجز القوات البرية السعودية عن صد هجمات اليمنيين، ورأينا العشرات من المقاطع المصوّرة؛ يلوذ خلالها الجنود السعوديون بالفرار تاركين أسلحتهم باهظة الثمن خلفهم، وأي متابع للوضع العسكري على الحدود، يعلم جيداً أن ما تحدث عنه محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، بخصوص “سهولة” الاقتحام البري لليمن، لا يعدو كونه حديثا تليفزيونيا يعتمد على الظاهر، أي على وجود أسلحة متطورة ومكلّفة وإمكانية ترك جنود من السودان وغيرها من مكونات التحالف السعودي للموت في صحراء اليمن، وليس على حقيقة ممكنة بالفعل.
إيران.. ضفاف الخليج العربي ومضيق هرمز
قال محمد بن سلمان إن الإدارة السعودية ستعمل على “نقل الصراع إلى إيران في الداخل”، تصريح غامض ومقتضب، كان من الصعب إيجاد دلالة له في الواقع، فالقوى التابعة للسعودية في العراق تعيش أضعف حالاتها مع طرد داعش من الموصل وانحسارها نحو الصحراء وخط الحدود مع سوريا باستثناء بعض الجيوب في دائرة المدن الكبيرة وَسَط العراق، بالإضافة إلى حالة اصطفاف وطني عراقي جامع يضم أهل السنة من العراقيين ولها ذراع عسكري يكتسب المزيد من الخبرات القتالية – الحشد الشعبي العراقي.
من أي جهة بالتحديد يمكن نقل المعركة إلى إيران داخليا، في ظل سيطرة الأكراد على قطاع من الحدود العراقية الإيرانية (بحكم إقليمهم الفيدرالي شمال العراق) ووقوع أغلب باقي الحدود تحت سيطرة الدولة العراقية؟ مع استحالة استخدام كارت الحدود التركية الإيرانية؛ نظراً لعوامل عديدة، ولو من بوابة شمال العراق الذي يستبيحه الجيش التركي بدعوى الدفاع عن أمنه القومي، ومع ملاحظة أنه حال حدوث استفزاز عسكري مباشر لإيران من ناحية جغرافية أخرى مثلاً، فإن أضخم “الحواضر” الخليجية الحديثة وأهمها إمارة دبي، ذات الأهمية الاقتصادية الأعلى للقوى الغربية، على مرمى حجر من الأراضي الإيرانية، بكل ما تحتويه من مرتكزات اقتصادية وبكونها سوقا ضخما لتصريف وتدوير سلع ورؤوس أموال الغرب وأموال الخليج.
على أي حال، الجزء المتعلق بإيران من أهداف القمة “الإسلامية العربية الأمريكية”، من قبل القمة بسنوات وحتى اليوم، يذهب إلى “تحجيم” طهران على أفضل الأحوال والتوقعات وليس ضربها، فالقناعة الأكبر وذات القيمة الاستعمالية الأكثر تيسراً والحاضرة في البنتاجون تحديداً، سواء تحجيم إيران أو ضربها إن حدث سيحدث في لبنان.
حزب الله.. مطرقة متأهبة فوق رأس الكيان الصهيوني
رغم التحكم المباشر للمملكة السعودية في قوى سياسية بلبنان وتمسكها اليائس الحالي بالحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ في الداخل اللبناني، ومع دعم المملكة لتلك القوى الراغبة في إحلال الصداقة مع الكيان الصهيوني والرافضة لأي شكل على الإطلاق من أشكال ردعه أو النديّة تجاهه، ثمة عوامل ومؤشرات عديدة على أن ضرب المعسكر اللبناني المضاد للاتجاهات السابقة، أي حزب الله، أو العدوان على لبنان، سيفتح بوابة جهنم على الكيان الصهيوني، فضلاً عن خلق زلزال متسع من الاضطرابات والعنف سيتعدى أثره لبنان وفلسطين المحتلة بطبيعة الحال، ليس فقط نيّة الحزب في ضرب خزانات الأمونيا الموجودة داخل الكيان وضرب مفاعل ديمونة المتهالك الذي تكفيه ضربة متوسطة القوة التفجيرية ليتلف، لكن أيضاً ما ورد أكثر من مرة على لسان حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، أنه حال حدوث مواجهة قادمة مع الكيان، سيكون ميدانها شمال فلسطين المحتلة، أي اقتحام بري من الحزب للكيان، وهو ما سيفكك تماماً – وربما إلى الأبد – أحد أهداف القمة الخليجية الإسلامية الأمريكية، وهو تصفية الصراع مع الكيان الصهيوني وإحلال “سلام” قائم على المبادرة السعودية القديمة التي يُعاد طرحها، وقد يفضي موقف كهذا إلى العكس التام لما ترغب فيه الأنظمة المهرولة نحو السلام الدافئ، أي إلى التفاف شعبي عربي حول مواجهة الكيان الصهيوني إذ سيكون وقتها مشروع تحرير الأرض قيد التنفيذ لا قيد الإعداد والبناء.
بقلم : محمود عبد الحكيم
ارسال التعليق