دراسة دولية: السعودية انتهجت سياسات ضارة في عهد محمد بن سلمان
التغيير
أبرزت دراسة جديدة انتهاج المملكة سياسات ضارة تحت حكم محمد بن سلمان ما أثر سلبا على مكانتها وسمعتها الدولية.
وقالت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن قرار رفع السرية عن تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي أثار الترقب والقلق ليس في واشنطن فحسب، بل في الرياض أيضًا.
وأشارت المؤسسة إلى أنه منذ العام 2015، لم يسبّب أي قرار آخر هذا القدر الكبير من العداء في الولايات المتحدة، والقلق في المملكة.
وجاء في الدراسة: واقع الحال أن اغتيال خاشقجي شكّل تتويجًا لسياسات ضارة انتهجتها المملكة منذ وصول بن سلمان إلى سدة الحكم.
أبرزها مأزق الحرب الكارثية في اليمن، وتصاعد القمع السياسي، واعتقالات فندق الريتز-كارلتون في العام 2017، واختطاف رئيس الوزراء اللبناني.
لذا، علت أصوات كثيرة في واشنطن تطالب بفرض عقوبات على محمد بن سلمان كخطوة على مسار إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة و المملكة.
إهمال البعد الدبلوماسي
على الرغم من أن فرض عقوبات مباشرة على محمد بن سلمان قد يشكّل رادعًا قويًا، لن يكون ذلك كافيًا لحلّ “المشاكل الهيكلية” التي تشوب العلاقات الأميركية مع المملكة أو جعلها تعكس “القيم الأميركية”.
لكن قد تتحقق هذه الأهداف بإصلاح العلاقات المشوّهة بين الحكومة الأميركية والشعب في المملكة وكذلك بين الحكومة في المملكة والشعب الأميركي.
ففي الوقت الراهن، لا تنعم حكومة أيٍّ من الجانبين بعلاقة سليمة وطبيعية مع شعب الجانب الآخر.
ولا هي تجسّد القيم الديمقراطية والليبرالية كما تطمح الإدارة الأميركية الحالية.
وعلى الرغم من التقارب الأمني بين الولايات المتحدة و المملكة ، وقعت جهود الدبلوماسية العامة على عاتق مئات الآلاف من الطلاب القادمين من المملكة الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة من أجل الدراسة.
فما من جهد أميركي متّسق للانخراط في تفاعل مع الإعلام أو المجتمع المحلي بغية تفادي إغضاب الشركاء في المملكة أو تجنّب إحداث صدامات مع المجتمع المحافظ الذي يُعتقَد أنه معادٍ للولايات المتحدة.
تحريض من المملكة
وتنامت في غضون ذلك نظريات المؤامرة المعادية للولايات المتحدة في وسائل الإعلام والصحف في المملكة ووسائل التواصل الاجتماعي.
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ضخّمت شبكة “العربية” الإخبارية الادّعاءات بشأن ما سمّته اليسار المتطرّف في الولايات المتحدة من جهة، والهجمات الشخصية ضد مسؤولين أميركيين مثل عضوة الكونغرس الأميركي إلهان عمر، من جهة أخرى.
كذلك، قارن بعض الصحافيين التابعين لآل سعود الحزب الديمقراطي بالنازية واستخدمت صحف محلية الرسائل الإلكترونية الخاصة بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون كدليل على وجود مؤامرة موالية لقطر وداعمة لحركات الإسلام السياسي.
بقيت هذه السرديات في وسائل الإعلام المحلية الخاضعة إلى قبضة الحكومة المُحكمة، بيد أنها انتشرت على نطاق واسع في مجال تويتر ذي النزعة القومية الأكثر تشدّدًا (والتآمري بشكل كبير).
فالادّعاءات بأن المملكة تخوض “حربًا وجودية” مع الغرب أو أن تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية عن مقتل خاشقجي يشير إلى “نقل معارك الداخل الأميركي” لتؤثر على العلاقات الأميركية مع المملكة.
تترافق مع حملة واسعة على الإنترنت تهدف إلى نزع المصداقية عن التقرير ودعم قيادة المملكة ، ناهيك عن الحسابات الآلية ذات النزعة الوطنية التي تخدم الغاية نفسها.
وقد وصل خالد المالك، رئيس هيئة الصحافيين في المملكة، إلى حدّ القول “هذه ليست أميركا التي نعرفها”. لذا، على الولايات المتحدة أن تسأل نفسها: “ما هي أميركا التي يعرفها آل سعود”؟
يناقض الإرث المدمّر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط سردية إدارة الرئيس جو بايدن عن السياسات الأميركية تجاه المنطقة.
وفي رفضيهما للتقرير، سلّط كلّ من الأمير تركي الفيصل، المدير السابق للمخابرات والسفير السابق للمملكة لدى الولايات المتحدة، والأمير بندر بن سلطان، أشهر سفراء آل سعود لدى واشنطن، الضوء على الفجوة القائمة بين قيم الولايات المتحدة وأفعالها.
لكن النفاق الأميركي لم يكن هو الحجة التي استند إليها أغلب النقد الموجّه للتقرير عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
بل انصبّ التركيز على “كراهية محمد بن سلمان” و”ابتزاز المملكة”، لحشد الرأي العام الداخلي خلف بن سلمان ضد التقرير ومعدّيه الأميركيين.
القليل من القوة الناعمة قد يحقّق الكثير
إذا أرادت إدارة بايدن فعلاً إعادة ضبط علاقتها مع المملكة ، فعليها أن تبني جسور تواصل مع الشعب في المملكة.
ليس فقط لشرح تفاصيل سياساتها الراهنة حيال المملكة، بل أيضًا لتحمّل المسؤولية عن جميع السياسات الأخرى التي تتعارض معها.
فمن المستحيل على الأرجح أن تسمح المملكة بوجود مكتب للمعهد الديمقراطي الوطني أو المعهد الجمهوري الدولي على أراضيها.
لكن على السفارة الأميركية في الرياض على الأقل الشروع في إطلاق برامج متواضعة لشرح سياسات الولايات المتحدة وقيمها ونظامها السياسي للشعب.
صحيح أن الدبلوماسيين الأميركيين لا يستطيعون بالطبع التدخل في قرارات التحرير والبثّ في المملكة ، لكن لا يبدو أن وزارة الخارجية الأميركية بذلت جهودًا تُذكر لتفسير نتائج التقرير خارج الإطار النخبوي المغلق.
فعلى سبيل المثال، لم تذكر السفارة أو القنصلية الأميركية في حسابيهما على تويتر أي معلومات تتعلق بخاشقجي منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2018، ولم تذكر المواقع الإلكترونية الرسمية للسفارة أي تفاصيل عن التقرير.
مع أن الكثير من هذه المساعي تهدف إلى تفادي تهديد الأولويات الأمنية للولايات المتحدة مع المملكة، تعزّز هذه الجهود المبذولة لإخفاء خبر نشر التقرير الشعور بأن نشره كان مجرد خطوة محدودة تهدف لاسترضاء الكونغرس والرأي العام الأميركيين، من دون الحرص على الحدّ من تداعياته السامة داخل المملكة.
وفي هذا السياق، لم نشهد أي نوع من الدبلوماسية العامة الخلّاقة التي استخدمتها السفارات الأميركية في سياقات سلطوية أخرى.
لا ينبغي أن يكون الهدف حشد الدعم للسياسات الأميركية، بل التصدي للمعلومات المغلوطة حول الدوافع الكامنة خلف تلك السياسات.
وفي سبيل تحقيق ذلك، يتعيّن أيضًا على الحكومة الأميركية الضغط على السلطات في المملكة للكفّ عن تجريم تفاعل مواطنيها مع السفارات الأجنبية، ولا سيما سفارات الدول التي تعتبرها حليفة لها.
أهمية المصداقية
بما أن الكثير من أبناء المملكة يشعرون بأن النقاشات العامة الأميركية لا تنصف دولتهم، على السلطات في المملكة التواصل مع الرأي العام الأميركي لشرح سياساتها.
ففي الرياض، ثمة قبول رسمي كبير لواقع أن الحملات الرئاسية الأميركية تتضمن انتقادات لاذعة للمملكة.
ناهيك عن اعتقاد غريب في أوساط مسؤولين آل سعود بأنه من الأفضل الدفع لشركات العلاقات العامة ومجموعات الضغط (اللوبي) الأميركية لشرح سياسات المملكة للأميركيين بدلًا من اضطلاع آل سعود أنفسهم بهذه المهمة.
فقد اقتصرت محاولات سفارة المملكة إلى حدّ كبير على إجراء مقابلات خفيفة في وسائل الإعلام الأميركية، تقوم بترتيبها شركات العلاقات العامة الأميركية، على أن تتماشى مع النقاط التي يركّز عليها الخطاب الرسمي.
ويتناقض هذا النهج مع اتجاهات المملكة القومية نحو السعودة في كل المجالات والتي تحثّ المواطنين على خدمة بلدهم، وتؤكّد على أن المواطنين لا يتوانون عن الدفاع صراحةً عن المملكة في وجه أعدائها وخصومها المفترضين.
يعتبر الانفتاح في المملكة على العالم جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030 التي أطلقها بن سلمان، والتي تهدف إلى تقليص اعتماد المملكة على النفط وتنويع اقتصادها.
في هذا الإطار، لا بد أن يشمل هذا الانفتاح التفاعل السياسي وخوض نقاشات مع الحكومة الأميركية ومنظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة وداخل المملكة على حدٍ السواء.
وسيشكّل فتح المملكة أمام الصحافيين والباحثين المتخصّصين في دراسة شؤون المملكة من أجل الاضطلاع بعملهم بحرية فيها خطوة إيجابية في هذا المسار.
كذلك، يتعيّن على المملكة تشجيع آلاف الطلاب من المملكة في الولايات المتحدة على طلب التدريب والدخول في نقاشات حول سياسات بلدهم مع زملائهم الأميركيين.
وكي ينجح ذلك، لا ينبغي على الولايات المتحدة أو المملكة فرض رقابة على المواطنين أو معاقبتهم على آرائهم.
يصادف هذا العام الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/سبتمبر التي قوّضت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة و المملكة لسنوات وأطلقت العنان لسلسلة مؤامرات لا تنتهي في داخل كلٍّ من الدولتين تقضي بأن الأخرى تقف وراء الهجوم.
لا ينبغي ترك المواطنين الأميركيين ينظرون إلى الشعب في المملكة نظرةً مشوّهة بسبب الأفعال التي تقوم بها حكومتهم.
ولا ينبغي كذلك أن تقع علاقات الولايات المتحدة مع شريك أمني وثيق رهينة نظريات مؤامرة تحمّلها هي مسؤولية مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية لا نهاية لها.
ارسال التعليق