رؤية 2030 السعودية محكوم عليها بالفشل
قال مركز كارنيجي للدراسات إنّ «رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد السعودي محكوم عليها بالفشل، وعزا ذلك إلى تداخل اختصاصات الهيئات الحاكمة في السعودية، فضلاً عن مركزية الدولة الشديدة. وأوضح المركز- في دراسة نشرها بعنوان إخفاق الحوكمة المناطقية في السعودية- أن المسعى الذي يبذله ولي العهد لإضفاء المركزية على جميع آليات صناعة القرارات - وفق ما تظهره العملية الهرمية من الأعلى إلى الأسفل التي أنتجت «رؤية 2030»- لا يمكن النظر إليه سوى بأنه محاولة لكبح الانتقادات السياسية والاضطرابات الاجتماعية المحتملة. وأضاف أن هناك تبايناً بين ما تتطلع الدولة إلى تحقيقه في «رؤية 2030»، والإمكانات والسلطة التي تتمتع بها هيكلية الحوكمة السعودية العاجزة - مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية- لتنفيذ تلك التطلعات.وذكر أنه على الرغم من أن «رؤية 2030» تنص على أن السلطات المناطقية والبلدية سوف تساهم في تخطيط برامج الرؤية ووضعها موضع التنفيذ فإنها لا تشرح كيف سيتم ذلك، كما أنها تفتقر إلى خطة واضحة لإصلاح الهيكليات البيروقراطية وتحقيق لامركزية السلطة. واستشهدت دراسة مركز كارنيجي بحوادث فيضانات جدة التي تكررت أكثر من مرة على مدى عدة سنوات للدلالة على الإخفاق المستمر الذي تعاني منه هيكلية الحوكمة الراهنة في السعودية، ومركزية صناعة القرار في الرياض، وتداخل السلطات القانونية للمؤسسات، والهيكليات التنظيمية المعدة على المستويين المناطقي والمحلي.
فاعلية مفقودة
ورأت الدراسة أن مجموعة المؤسسات المناطقية والمحلية -التي يفترض بها تطبيق الجزء الأكبر من «رؤية 2030»- معقدة للغاية، فهي تنقصها الفاعلية، وتعاني من خلل وظيفي أحياناً لأسباب عدة، منها أنها لم تخضع للإصلاح منذ الثمانينيات، ولا تعكس التغييرات الديمغرافية والاجتماعية التي شهدتها البلاد. وأوضحت أن السعودية تنقسم إلى 13 إمارة يحكمها أمير ويعاونه مجلس مناطقي تابع لوزارة الداخلية، وتقسم كل إمارة إلى محافظات يدير كل منها محافظ ومجلس محلي مسؤولان أمام الأمير والمجلس المناطقي. ويتولى الملك تعيين الأمراء لحكم المناطق ولكنهم لا يتمتعون بأي سلطة حقيقية لتنفيذ مشاريع إنمائية مثل تلك الواردة في «رؤية 2030». وفي الأيام الأولى للمملكة كانت القبائل المحلية هي التي تعين الأمراء، لكن اعتباراً من الستينيات بدأ الملك بتعيين الأمراء الذين يختارون عادة من أفراد العائلة المالكة كوسيلة لترسيخ السلطة المركزية على المناطق. وبما أن الأمراء يعينون من خارج المناطق وبالتالي فإنهم في معظم الأحيان يكونون غير مبالين باحتياجاتها وغير مطلعين عليها، فهم ليسوا على تماس مع احتياجات الناس ومع الشبكات القبلية التي من شأنها تسهيل تنفيذ المشاريع الإنمائية. وفي موازاة هذه الهيكلية الحكومية المناطقية الخاضعة لإشراف وزارة الداخلية تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية إدارة هيكلية مكررة للحوكمة على المستوى المحلي، ولعاصمة كل واحدة من المناطق (فضلاً عن المدن الكبرى مثل جدة) أمانة، وهي عبارة عن كيان بيروقراطي يتولى الإشراف على مدن المنطقة وبلداتها.
متاهة
ويرى مركز كارنيجي أنه بوجود هذه المتاهة من الكيانات الحكومية الوطنية والمحلية -الخاضعة هي نفسها لقوانين صادرة أيضاً عن وزارات مختلفة - يسود تشويش كبير بشأن التسلسلية الهرمية والسلطة القانونية، لا بل أكثر من ذلك، فهذه الكيانات تتنافس على الموارد والسلطة والبروز. وعلى سبيل المثال، بعد إقالة ولي العهد السابق من وزارة الداخلية في 21 يونيو 2017 خفضت الحكومة الحصة المخصصة للحوكمة المناطقية في موازنة الوزارة، ونقلت الموارد إلى كيانات حديثة العهد، مثل الهيئة العامة للترفيه التي كلفها الملك وضع سياسة وطنية للترفيه. وتُركت الهيئات المحلية -التي تتعامل مع الاحتياجات اليومية للسكان ومطالبهم- مع موازنات محدودة جداً، وقد خصصت الدولة جزءاً كبيراً من الموارد التي تمتلكها هذه الهيئات لإنفاقها على الفعاليات والمهرجانات الترفيهية والثقافية. وعلى المستوى الأعلى هناك كوكبة من المؤسسات الحكومية التي تعمل على تخطيط الخدمات وتأمينها، ومنها المؤسسة الملكية، والديوان، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والوزارات، ومجموعة من لجان الإستراتيجيات ومكاتب إدارة المشاريع في إطار «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني، فضلاً عن الهيئات الوطنية (مثل الهيئة العامة للثقافة والهيئة العامة للترفيه). لكل هذه المؤسسات مسؤوليات متداخلة تكمل بعضها أحياناً أو تتخطى بعضها أو تتنافس في ما بينها، ولها أيضاً سلطة قانونية محدودة تتسع أو تتقلص استناداً إلى الموارد المخصصة للمؤسسة أو المعارف الشخصية للمسؤولين عنها. وتخلص دراسة كارنيجي إلى أن المركزية والتداخل بين سلطات الحوكمة المحلية يعطلان تطبيق المشاريع، ما يؤدي إلى تقويض صدقية المؤسسات المحلية والمركزية على السواء. فإذا لم يتم تمكين هيئات الحكم المحلية وترسيخ المؤسسات المتنافسة فلن تتمكن السعودية من تنفيذ الإصلاحات والمشاريع الضرورية لإنقاذ جدة من الفيضانات، فما بالكم بتحقيق التحول وفقاً للتصور الذي وضعته «رؤية 2030».
ارسال التعليق