رئيس يمني دفع ثمن مواقفه المناهضة للسعودية دماً
في احتجاجات عام 2011 باليمن؛ نجح المواطنون في نقل مظالمهم المطلبية تجاه السلطة إلى ساحات الاعتصام، مرددين شعارات ثورية تطرح تساؤلات بشأن سنوات حكم علي عبدالله صالح الممتدة لثلاثة عقود. وقد شكلت قضية اغتيال إبراهيم الحمدي -في أكتوبر/تشرين الأول 1977- أهمَّ الأسئلة التي أثيرت في المظاهرات بصنعاء والمدن الشمالية الأخرى مثل تعز.
الشاهد هنا أن إبراهيم الحمدي أصبح رئيساً للجمهورية العربية اليمنية وقائدا ذا كاريزما يحظى بشعبية واحترام واسع في اليمن، نظراً للإصلاحات التي استحدثها أثناء خدمته القصيرة كرئيس للدولة، فقد عمل على محاربة الفساد وتدشين نظام يقوم على المساواة.
بعد اغتيال الحمدي في خريف 1977؛ اختلقَ أحمد الغشمي -نائبُه في السلطة ثم خليفته في رئاسة الدولة- قصةً غريبة لتبرير الاغتيال، وتفسيرها باعتبارها جريمة انتحار راح ضحيتها معه شقيقه عبد الله الحمدي.
وفي السياق، اعتبر رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، يحيى منصور أبو اصبع، خلال استضافته على إحدى القنوات اليمنية ضمن برنامج "ساعة للتاريخ"، أن ابراهيم الحمدي لطالما رأى العلاقة مع "السعودية" باعتبارها غير مفيدة، بالركون إلى أنها غير قادرة على تقديم أي شيء لليمن.
" كان في ذهنه قرار ببناء دولة تقوم على القانون والنظام، وتكون مركزية. تمارس سلطتها على كل المناطق بما فيها من قبائل ومشايخ ممن تحكمهم السعودية، مثل مناطق الجوف وصعدة وعمران التي تجري فيها العملة السعودية قبل الريال اليمني".
وبحسب يحيى أبو اصبع فإن مُضي الحمدي في رؤيته فرض عليه فتح العلاقات مع البلدان الاشتراكية و تحسين العلاقات مع النظام في عدن. "ولهذا سعى إلى تحسين العلاقات مع النظام، سيّما مع سالم ربيع علي. الأمر الذي أزعج كلّا من النظام السعودي والإدارة الأميركية على حد سواء، باعتبار أن الخطوة ستساهم في تزخيم الصراع الدولي والحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي".
وتابع يحيى أبو اصبع "إن مخاوف السعودية قامت على أساس أن هذا الرجل خطير، لأنه يريد بناء دولة من جهة، ولسعيه بناء علاقات مع جمهورية اليمن الديمقراطية باعتبارها تتبنى نظاما شيوعيا ملحدا وكافرا، وتمثل قاعدة للاتحاد السوفياتي".
وأضاف " وصل إبراهيم الحمدي إلى قناعة بضرورة إدارة علاقات اليمن بعيدا عن الهيمنة السعودية دون قطع العلاقات معها في نفس الوقت، مستشهدا بالقرارات التي كانت قد صدرت أيام الملك خالد والتي فرضت على المهاجرين اليمنيين قيودا معينة، وكيف تعامل مع الأمر من خلال زيارة الملك والتهديد بأنه كرئيس دولة يطالب بالتراجع عن هذه الإجراءات وإلا سيعمد إلى سحب كل الجالية اليمنية من السعودية، في الوقت الذي قامت فيه السعودية على العمالة اليمنية ". منوّها إلى أن الرياض عمدت إلى هذا الفعل بغرض الضغط على الحمدي.
ولفت إلى أنه "عشيّة ذهابه إلى عدن تم اغتياله. حيث وضعت خطة تمنع وصوله إليها وذلك بسبب نضوج فكرة توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية على مراحل".
وبالحديث عن آلية وصول الحمدي إلى سدة الرئاسة، أشار رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي أن "مجيء الحمدي لم يكن سهلاً. فقد تولى عدة مناصب أهمها نائب رئيس وزراء، ونائب القائد العام. الأمر الذي ساهم في تكوينه لخلفية متعمقة في الواقع اليمني والتدخل الأجنبي وخاصة السعودي. ولهذا كان تكتيكه للوصول إلى السلطة يقوم على التعاون مع جهتين: أولاً، المشائخ وبالذات الشيخ عبد الله على أساس أنه يمثل الامتداد السعودي. وثانياً، حزب البعث وسنان أبو لحوم باعتبارهما يسيطران على القوات المسلحة".
وبالتالي قام الحمدي بإرضاء الجميع، بحيث أنهم وافقوا وسهلوا وصوله للسلطة. لكن الحمدي، وفقاً لما أورده أبو أصبع في لقائه التلفزيوني، لم يمض عليه 8 أشهر في الحكم حتى بدأ يتخلص ممن أسماهم مراكز القوى التي خلقتها السعودية. كما أنه من خلال تعليقه للدستور وتجميده لعمل مجلس النواب، عطّل الشيخ عبد الله والسعودية عن الحركة.
ويؤكد يحيى أبو اصبع أنه " مع بداية العام 1976 أيقن الحمدي أنه لا فائدة من مجاراة السعودية، لأنها باتت تطلب منه سحق الجبهة الوطنية في المنطقة الوسطى واعتقال القوى الوطنية داخل صنعاء".
وعن دوره في تحذير الأحمدي بنيّة السعودية تصفيته، قال يحيى أبو اصبع " جاءت للحزب الديمقراطي في الفترة التي كان فيها ذو تأثير وكان عبد الوارث عبد الكريم ضابط أمن وطني، جاءت معلومات أن صالح الهديان يخطط لاغتيال إبراهيم الحمدي. وعلى ضوء تلك المعلومات تم إعلامي بالأمر لأن التواصل مع الحمدي كان مقطوعا والحزب".
وكان منصور أبو اصبع قد أعطي عفوا بعد تخفيه لخمس سنوات، وكان على معرفة سابقة بالحمدي من خلال صداقة شقيقه القديمة مع الأحمدي. وطلبوا منه إيصال المعلومات التي تفيد بأن صالح الهديان مشرف على خطة سينفذها أحمد حسين الهشمي لقتل إبراهيم الحمدي.
ويورد أبو اصبع زيارته للحمدي بواسطة محمد سري شايع الذي كان مديرا للكلية الحربية. واعلمه أن كمال أدهم، مسؤول الاستخبارات السعودية حينها، قد وجه تعليماته للأدوات في الداخل اليمني.
ويضيف "عند هذا الحد، اجتمع الحمدي والشيخ محمد الغشمي، فاقترح الأول خيار خروجه من البلاد لقاء ضمان سلامته واستعداده لإصدار بيان يضمن من خلاله عدم حصول أي مشكلة في الداخل. لكن علي عبد الله صالح رفض هذا الخيار، واعتبر أن بمجرد خروج الحمدي واصداره للبيان "سيقلب علينا الدنيا"، فاتخذ القرار بعدها بتصفية الحمدي".
وثائق تكشف ارتكاب النظام السعودي لجريمة اغتيال الرئيس اليمني:
يذكر أن دائرة التوجيه المعنوي في اليمن، كشفت في العام 2019 تفاصيل جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وذلك بعد العثور على وثيقة مهمة تشير إلى أسماء الضالعين بالجريمة. دائرة التوجيه المعنوي، وخلال مؤتمر صحفي، أوضحت أن التقرير هو الأول الذي يصدر عن الجريمة منذ إرتكابها، لأن الضالعين الرئيسيين في إرتكاب الجريمة هم من تولوا السلطة طوال العقود الماضية، مشيرة إلى “تغييب التحقيق عن جريمة اغتيال الرئيس الحمدي سابقًا بسبب إجراءات القتلة وممارساتهم ومن خلفهم السعودية ضد كل من يحاول الإقتراب من هذه القضية”.
وأكدت الدائرة أنها حصلت على وثائق تؤكد ضلوع النظام السعودي في الجريمة من التخطيط الى الإشراف على التنفيذ وحتى التغطية على الجريمة، كاشفة عن أنها “وردت عبارة “تأليف سعودي بالتعاون مع المخابرات الأمريكية” في واحدة من الوثائق عن عملية الإغتيال، التي حدثت في صنعاء بعد ظهر الثلاثاء الموافق 11 أكتوبر 1977م، والذي لم يكن مجرد عملية إغتيال لرئيس الدولة بل إنقلاب دموي مكتمل الأركان”.
واتهمت دائرة التوجيه المعنوي، النظام السعودي بأنه ضالع في المؤامرة الإنقلابية الدموية على الرئيس الحمدي وكذلك قيادات عسكرية يمنية، مشيرة إلى أن النظام السعودي قام باستقطاب قيادات عسكرية وأمنية ومدنية يمنية من خلال الأموال والإمتيازات الأخرى.
كما كشفت الدائرة عن استخدام الرياض الأدوات العميلة في تنفيذ مخطط اغتيال الرئيس الحمدي وتحت إشراف مباشر من الملحق العسكري السعودي بصنعاء، واشترت السلطات السعودية صمت القيادات العسكرية والأمنية الغير مشاركة بشكل مباشر في الإنقلاب الدموي وذلك لضمان عدم إفشال خطة الإنقلاب.
واتهمت الرياض بأن لها حضور مباشر ومشاركة فعلية في التنفيذ وإدارة ما يشبه غرفة عمليات قبل وأثناء وبعد جريمة اغتيال الحمدي، وقد تولت السلطة السعودية الإشراف المباشر والمشاركة الفعلية في عملية إغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وكذلك إغتيال شقيقه قائد قوات العمالقة المقدم عبدالله الحمدي.
هذا، وتحدثت عن أن عناصر الاستخبارات السعودية كانوا قد وصلوا إلى مطار صنعاء ليلة إرتكاب الجريمة وغادروا صنعاء بعد إرتكاب الجريمة فوراً، كما أن الملحق العسكري السعودي صالح الهديان كان حاضراً أثناء تنفيذ عملية الإغتيال حتى خروجه متنكراً من مسرح الجريمة بعد إرتكابها.
كما بينت أنه وردت ثلاثة أسماء في واحدة من أهم الوثائق التي تؤكد ضلوع هذه الأسماء وهم الملحق العسكري السعودي صالح الهديان والمقدم أحمد الغشمي والرائد علي عبدالله صالح، وكشفت عن أن إحدى الوثائق تشير إلى الأسماء المذكورة وتضيف بعدها مباشرة (وآخرين) بما يؤكد أن هناك أسماء أخرى كان لها دور في الإنقلاب الدموي.
“دائرة التوجيه المعنوي”، أوضحت أنه في تلك الفترة ، أرسل الهديان رسالة إلى القيادة السعودية بتاريخ 26يونيو 1978م، تتضمن “أن رجل السعودية خلفاً للرئيس أحمد الغشمي هو علي عبدالله صالح”، وذلك في وقت “حاولت السعودية وكذلك علي عبدالله صالح إلصاق الجريمة بطرف واحد وهو الرئيس أحمد حسين الغشمي وذلك لصرف الأنظار عن بقية الأطراف”.
وقد استخدمت السلطات السعودية القضية كورقة ضغط وتهديد على الأطراف المنفذه للجريمة لتظل تلك الأطراف تحت سيطرتها، في حين جرى تبادل للإتهامات بشأن الوقوف خلف الجريمة والمشاركة في إرتكابها وتحديداً بين النظام السعودي وعلي عبدالله صالح. أما الحاضرون لحظة الاغتيال فكانوا الملحق العسكري السعودي صالح والهديان والمقدم أحمد الغشمي والرائد علي عبدالله صالح وآخرين، وحضر أيضًا لحظة الاغتيال محمود مانع ومحمد حزام وثلاثة أفراد سعوديين مجهولي الهوية، وبينت “دائرة التوجيه المعنوي”، أن التحقيقات أثبتت أن المباشرين بقتل الرئيس الحمدي هم علي عبدالله صالح ومحمود مانع وصالح الهديان. كما أنه قد شارك في القتل مرافقون وعاملون لدى رئيس هيئة الأركان وقتها منهم مدير مكتبه وسائقه ومرافقون لدى قائد لواء تعز وضباط ووزراء.
ونظرا للجريمة ومن حضرها، حاول النظام السعودي التخلص من الحمدي من خلال محاولة تجنيد أحد القتلة من جنسية فلسطينية عن طريق وزير الخارجية وقتها، و من ضمن محاولات إسقاط الرئيس الحمدي تحريض القبائل ودفعها لإقتحام صنعاء بقوة السلاح وإشعال حرب أهلية بين اليمنيين؛ وقضت الأوامر السعودية باغتيال الحمدي والتخلص منه قبل زيارتة إلى عدن ولهذا وضع القتلة عدة سيناريوهات لتنفيذ المهمة.
وكشفت “دائرة التوجيه المعنوي”، عن أن “ولي العهد فهد بن عبد العزيز الذي كان يدير الكثير من الملفات في السعودية أثناء فترة ولايته للعهد من الضالعين في جريمة الاغتيال، والملك خالد بن عبدالعزيز من الأسماء الضالعة في جريمة اغتيال الرئيس الحمدي بإعتباره المسؤول الأول”.
إعادة الاعتبار للرئيس إبراهيم الحمدي:
وفي حوار سابق مع نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي للشؤون الإعلامية العميد عبدالله عامر أوضح من خلاله " العثور على بعض الوثائق بالصدفة وهذا دفعنا إلى المزيد من البحث واتجهنا إلى الإستماع لشهادات وكذلك التعرف على المزيد من المعلومات، والتفاصيل حتى وصلنا إلى أول تقرير رسمي عن الجريمة فالجريمة لم يصدر بها أي تقرير رسمي عن أي جهة رسمية منذ ارتكابها، وهذا جعلها ضمن الجرائم السياسية الغامضة أو المقيدة ضد مجهول رغم أن الجميع يعرف من يقف خلفها وكذلك أسبابها وبعض تفاصيلها وتداعياتها".
واعتبر أن رفع النقاب عما عُلم عُد من تفاصيل بعد كل هذه المدة كان لا بد منه من أجل إعادة الإعتبار للرئيس إبراهيم الحمدي ورفاقه، قائلا: “هذا الرئيس قدم نفسه من أجل سيادة اليمن واستقلاله وكان بإمكانه أن يهادن السعودية ليبقى رئيساً لكنه امتلك مشروع لبناء البلد ونهضتها وسيادتها وأصر على أن يكون اليمن بلداً مستقل غير خاضع للوصاية السعودية ومثل هؤلاء القادة يجب أن يخلدوا وتوثق مواقفهم”. وتابع أن ما ورد في تقرير تفاصيل الجريمة والاتهامات التي وجهت هي بحد ذاتها أول وثيقة رسمية عن الجريمة، وبالتالي له أهميته التاريخية فهو يكشف لليمنيين ولغيرهم بل وللأجيال القادمة حقيقة ما جرى لا سيما قضية إستقلال اليمن وسيادته.
ارسال التعليق