سببان أساسيان لصراع السعودية والإمارات في اليمن
بقلم: بندر الهتارقد يعتقد البعض أن السعودية والإمارات تتبادلان الأدوار بخصوص الحرب المستعرة جنوب اليمن، وهذا بالنظر إلى كثير من الشواهد غير منطقي ولا ينسجم مع الأحداث وتطوراتها، فالدولتان اللتان ظهرتا كمن يحارب لتحقيق هدف واحد، وهو إعادة الشرعية، قد رسمتا مسارين منفصلين عن بعضهما في الغالب، انتهى بهما الحال كنتيجة طبيعية إلى التصادم، ومردُّ ذلك إلى سببين أساسيين:
أولا، التباين الكبير في الأجندات عدا القضاء على جماعة الحوثي، وثانيا، العلاقة مع الإخوان المسلمين.
لقراءة السبب الأول، فإن السعودية كانت ترى – بعد وصول أنصار الله إلى السلطة عام 2014م- أن خروج اليمن عن دائرة نفوذها سيشكل عليها خطرا مستقبليا، لناحية وجود سياسة متباينة عنها في أهم جوارها، ما استدعى تدخلا مباشرا تكون ثمرته عودة الوصاية السياسية على القرار اليمني، وهذا سيتيح تحقيق مطامع الرياض الاقتصادية في فرض الهيمنة على حقول النفط والغاز، وتاليا مد خط الأنابيب من الأراضي السعودية إلى بحر العرب عبر محافظة المهرة لتفادي مخاطر التصدير عبر مضيق هرمز، ثم – وبحسابات أخرى خاطئة – اعتقدت أنها باتت أمام تهديد عسكري، فرسمت هدفين لتفادي ذلك، تأمين حدودها الجنوبية ومنع امتلاك اليمن قدرات عسكرية متطورة سواء في مجال الصواريخ الباليستية أو الدفاع الجوي.
أما الإمارات، فمطامعها السياسية والاقتصادية تختلف عن السعودية حينا، وتتصادم معها حينا آخر، وكما تجلت في السنوات الأخيرة طموحات محمد بن زايد لتوسيع نفوذ دولته وإعادة صناعتها لتكون لاعبا مؤثرا في الإقليم، فإن حرب اليمن مثلت البوابة الأهم لتحقيق ذلك، فعملت أبوظبي ومنذ وقت مبكر لبسط السيطرة على الموانئ اليمنية في الجنوب، وصولا إلى الجزر الاستراتيجية مثل، ميون في باب المندب، وسقطرى الغنية بطبيعتها وموقعها الهام.
ولضمان الحفاظ على المكاسب التي تحققت واستكمالا لما تبقى، وجدت الإمارات ضالتها في ركوب موجة الحراك الشعبي الجنوبي المطالب بالانفصال، فشكلت رافعة سياسية له تحت مسمى المجلس الانتقالي، وبالتوازي أسست تشكيلات قتالية “الأحزمة الأمنية” وصل عددها تسعين ألف مجند.
بالنظر إلى أجندات البلدين، تتضح نقاط التصادم، فالسعودية لن تقبل أن ترسم أبوظبي منفردة مصير المحافظات الجنوبية، لذلك لجأت إلى تأسيس تشكيلات قتالية تحت مسمى الحرس الرئاسي لإيجاد توازن مع الأحزمة الأمنية، وشكلت كيانا سياسيا أطلق عليه “الائتلاف الوطني الجنوبي” لمنع تفرد المجلس الانتقالي كحامل وحيد للقضية الجنوبية، وترى الرياض أن تقاسم هذه المحافظات مع أبوظبي هو الحل الأمثل لضمان مصالح الطرفين، بينما تبدو الأخيرة غير مقتنعة، فعمدت إلى تحريض مجنديها لتوسيع سيطرتهم حتى مع تجاوز الخطوط الحمراء السعودية.
نقطة التباين الأخرى، أن الإمارات لا تربطها أي حدود برية مع اليمن، وهذا يقلص نصيبها من ردة الفعل، وبالتالي لا ترى نفسها معنية بأمن السعودية على الحدود، فالأخيرة تخوض حرب استنزاف كبرى أودت بحياة الآلاف من جنودها فلجأت إلى استجلاب مرتزقة من جنسيات مختلفة، وعدم اكتراث أبوظبي لذلك وانعزالها نحو تحقيق أهدافها الخاصة يثير غضاضة السعوديين الذين يجدون أنفسهم المعنيين لوحدهم، لكن وفي سياق متصل فإن البلدين يشتركان في المخاوف من تطور القدرات العسكرية اليمنية.
نقطة إضافية تساهم في إثارة الخلاف، تتمثل في العلاقة الإماراتية الأمريكية، فواشنطن تعتمد على أبوظبي أكثر من اعتمادها على الرياض، وساعدت كثيرا في توسيع النفوذ الإماراتي خاصة فيما يتعلق بالجزر اليمنية وما تمثله من حساسية على طريق التجارة العالمي، ولولا الغطاء الأمريكي لما تجرأ بن زايد على تشييد منشئات عسكرية فيها، وهنا يمكن الجزم بأن هذه المنشئات تخدم بالدرجة الأولى الولايات المتحدة الطامعة في السيطرة على أهم الممرات المائية.
فيما يخص السبب الثاني، العلاقة مع الإخوان المسلمين، فكما هو معلوم أن البلدين يقيمان تحالفا قويا ضد تنظيم الإخوان على مستوى العالم العربي والإسلامي، وقد شاركتا في إسقاط الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، ودعمتا محاولة الانقلاب ضد أردوغان في تركيا، وتدعمان الآن بكل وضوح خليفة حفتر في ليبيا، غير أن التطابق الكبير في هذه السياسة وجد فجوة عميقة في اليمن، فالسعودية تتمسك – مضطرة – بحزب الإصلاح (إخوان اليمن) لحاجتها الماسة لعشرات الآلاف من مقاتليه، ولولا هذا الحزب لما وجدت حليفا قويا ذات حاضنة شعبية معتبرة، بينما تعارض الإمارات هذا التوجه، وتعتبر أن استمرار الرياض في دعم الإخوان يمثل خرقا لتفاهماتهما ضد التنظيم الدولي ككل، وترى أن تقوية الإصلاح سيصب في النهاية لصالح قطر وتركيا.
يتفرع مما سبق بعض مسببات الصراع، حين أدركت الإمارات انسداد الأفق في تحقيق انتصار عسكري، وعلى وقع تهديد أنصارالله بقصفها بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وما سيحدثه من آثار كارثية على اقتصادها، لجأت إلى حيلة الانسحاب من الساحل الغربي ومارب والانكفاء نحو الجنوب، فوجدت السعودية نفسها وحيدة في الميدان والتحالف في أسوأ حالاته، وهذا ولّد حالة من انعدام الثقة وعزز مخاوف الرياض بشكل أكبر.
اليوم وعلى وقع الاقتتال الدائر بالنيابة عن الدولتين، لا تزال الرياض حريصة على بقاء الإمارات ضمن “التحالف العربي” لتتحملان التبعات الانسانية والسياسية والاقتصادية وحتى العسكرية لفشل حربهما وسقوطهما في مستنقع اليمن.
ارسال التعليق