ظل "بن نايف".. هل تعيد قضية الجبري ولي العهد السابق إلى الواجهة؟
التغيير
في وقتٍ كان يعتقد محمد بن سلمان، أن الإطاحة بسلفه السابق محمد بن نايف قبل ثلاثة أعوام واعتقاله لاحقاً، قد أنهيا أي محاولات لقطع طريقه نحو الحكم، يُفاجأ الأول بحربٍ جديدة يقودها مسؤول سابق، من وسط العاصمة الأمريكية التي لطالما كانت المدينة التي يلجأ إليها عند الظروف الصعبة.
وبينما شعر "بن سلمان" بأنه تمكن من دفن "بن نايف" داخل المملكة، لم يفكر يوماً بفشله في قطع علاقات الأخير مع المؤسسة الأمنية في الولايات المتحدة، التي أعرب المسؤولون فيها عن انحيازهم إلى "بن نايف" في محبسه، ورَجله سعد الجبري وعائلته.
وتطلُّ قضية محاولة اغتيال المسؤول الرفيع السابق بوزارة الداخلية بمملكة آل سعود سعد الجبري، بشكل كبير ومؤثر، على الرياض دولياً بشكل عام وفي الولايات المتحدة الأمريكية الحليفة للرياض بشكل خاص، وهو ما قد يعيد بن نايف إلى الواجهة مجدداً عبر صديقه الجبري، في صراع جديد يعيشه النظام الحاكم بالمملكة.
شبح خاشقجي في واشنطن
يرفض شبح الصحفي السعودي جمال خاشقجي الاختفاء، بعدما قُتل بقنصلية بلاده في إسطنبول التركية (أكتوبر 2018)، بعد ظهور قضية محاولة اغتيال مماثلة لسعد الجبري، بالفريق ذاته الذي نفَّذ عملية قتل الأول.
وأصدرت محكمة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في 10 أغسطس 2020، أمراً قضائياً باستدعاء محمد بن سلمان و13 آخرين في قضية محاولة اغتيال الجبري بكندا وأمريكا.
وشملت استدعاءات محكمة واشنطن 13 شخصاً، من بينهم المسؤولون البارزون؛ أحمد العسيري وبدر العساكر وسعود القحطاني، بالإضافة إلى مقيمَين بالولايات المتحدة هما: يوسف الراجحي، وليلى أبو الجدايل.
وقال "الجبري"، بعد خلافه مع بن سلمان، إن "فرقة اغتيال" سافرت من مملكة آل سعود إلى كندا؛ "في محاولة لقتله"، بعد أيام فقط من مقتل خاشقجي "على يد أفراد من المجموعة نفسها".
واتهم الجبري ابن سلمان في الدعوى القضائية، بـ"إرسال فريق لقتله بعد أكثر من عام على فراره من مملكة آل سعود، ورفض الجهود المتكررة من قِبل ابن سلمان لإغرائه بالعودة إلى المملكة".
هل يعود بن نايف؟
ويبدو أن الجبري سيخوض حرباً مع محمد بن سلمان حتى النهاية؛ في محاولة للإطاحة به من منصبه وإعادة بن نايف إلى الواجهة مجدداً، مستغلاً علاقة الأخير السابقة بجهاز الأمن والاستخبارات في أمريكا.
يعتقد رئيس حركة "الإصلاح" المعارضة سعد الفقيه، أنه ربما يمكن إسقاط محمد بن سلمان، لكن لا يمكن أن يتولى بن نايف المنصب ذاته.
ويقول "الفقيه" في حديث صحفي: "بن نايف لا يعد الورقة الصعبة والمتوقعة حالياً بعد مرض الملك وقضية الجبري؛ وإنما الأمير أحمد بن عبد العزيز".
وأضاف: "محمد بن نايف في وضع صحي ونفسي سيئ، وفرصته محدودة في العودة إلى السطح".
وأرجع "الفقيه" سبب إمكانية أن يحوز أحمد بن عبد العزيز الحكم، إلى أنه "من أبناء الملك عبد العزيز، وهو بصحة جيدة، وله احترام في الأسرة ويعتبر عميد الأسرة بعد الملك".
والأمير أحمد بن عبد العزيز هو شقيق العاهل السعودي، واعتُقل إلى جانب بن نايف في مارس الماضي.
حملة تشويه
وسبق أن شُنت حملة تشويه ضخمة ضد محمد بن نايف ومساعده سعد الجبري أواخر يوليو الماضي، على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية سعودية، جاءت بالكامل بدعم من محمد بن سلمان، وفقاً لوكالة "رويترز".
ونقلت الوكالة عن مصدر، قوله إن مساعدي بن سلمان يسرّعون الحملة ضد بن نايف والجبري قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل؛ تحسباً لفقدان الرئيس دونالد ترامب منصبه، وهو الذي أعرب علناً عن دعمه لمحمد بن سلمان.
والتحركات الأخيرة ضد بن نايف أحدث حلقة ضمن سلسلة من الإجراءات التي يُنظر إليها باعتبارها سبيلاً لترسيخ قوة محمد بن سلمان داخل الأسرة الحاكمة، والتخلص من أي تهديدات محتملة لسلطته، قبل أن ينتهي به المطاف بخلافة الملك سلمان إثر وفاته أو تنازله عن العرش.
وأدت خلافات أسرية إلى إسقاط دولة سعودية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وأسهمت جهود الملك سعود لقصر خلافته على العرش على أبنائه واستبعاد أشقائه وأبنائهم، في إجباره على ترك الحكم عام 1962.
دعم دولي لبن نايف
بموازاة ذلك، تعرَّض محمد بن سلمان لانتقادات دولية، على خلفية اعتقال بن نايف، داعيةً إلى سرعة الإفراج عنه.
ففي 28 يوليو الماضي، طالب حزب الشعب الأوروبي، الذي يشكل أكبر كتلة داخل البرلمان الأوروبي، بالكشف فوراً عن مصير بن نايف وحمايته من القتل على يد بن سلمان، وفقاً لبيان أصدره الحزب.
ولفت الحزب إلى أن ولي العهد السابق "صديق قديم للغرب وأوروبا، ومن المحزن حقاً أن نسمع عن معاناته في سجون آل سعود لأسباب غير معروفة".
وفي منتصف يوليو الماضي، طالب النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، فرانسيس روني، بضرورة معرفة مكان بن نايف "فوراً وما إذا كان آمناً".
وقال في تغريدة على "تويتر": "إن بن نايف عمِل بشكل بنّاء مع الولايات المتحدة لسنوات عدة، وكان له دور فعال في توفير معلومات لمكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر".
الجبري وبن نايف
يعد الجبري أحد أهم المستشارين الموثوقين لمنافس محمد بن سلمان، الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق.
كما يعتبر أحد أبرز الأشخاص خطورةً على بن سلمان، وكل ما كان يمكن أن يشكله من تهديد له، فقد كان اليد اليمنى لمحمد بن نايف ورَجله في وزارة الداخلية.
وبحسب الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، في مقاله بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني؛ فقد كان الجبري على علم بأسرار الوزارة المحرجة كافة، ومن ضمنها أن الملك سلمان وابنه، كما يزعم، غمسا أيديهما في صندوق مكافحة الإرهاب التابع للوزارة، وكانا يسحبان منه عشرات الملايين من الريالات كل شهر.
وبدأت خطة بن سلمان للإطاحة برجالات الدولة الموالين لـ"بن نايف" وإقالة الضباط التابعين له داخل وزارة الداخلية، ليبدأ صراع الأجنحة بين الجبري واللواء عبد العزيز الهويريني، المقرب من بن سلمان، والذي انتهى بإقالة الجبري بعد أشهرٍ من توليته بقرار ملكي نصّ على إبعاده من مناصبه كافة، في حين تقلَّد الهويريني رئاسة جهاز أمن الدولة في سبتمبر 2015.
وظل الجبري يُقدم مشورته لرئيسه القديم الذي أُعفي من منصبه ولياً للعهد في يونيو عام 2017، قبل أن يوضع تحت الإقامة الجبرية، ورغم نجاح خطة ابن سلمان فإنه فشل في القبض على الجبري الذي فرّ خارج المملكة قبل شهرٍ من ذلك الإعلان.
ارسال التعليق